هل أعطى الأسد إذن ترحيل اللاجئين من لبنان؟
مُحزنةٌ هي مآسي السوريين المتتالية، فمِن الحرب إلى التهجير مروراً بزلزال مدمّر وغيرها من الويلات التي لا تكفي السطور للحديث عنها. وكلّها تبقى سهلة أمام كميّة الحقد والتهميش التي تخمد تارةً لتعود وتشتعل مجدّداً على نطاق واسع، وصل حدّه إلى مواقع التواصل الاجتماعيّ في الأيّام الماضية… ولا يزال. والسؤال الأساسيّ اليوم، هل حقاً سيعود لبنان سويسرا الشرق، وتنتهي هموم شعبه وتُزهر الورود في عاصمته المنفجرة بعد عودة اللاجئين إلى بلادهم؟
انقسامٌ شعبيّ وتحذيرٌ أمميّ
تتجاذب الآراء في لبنان حول إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، فبينما يصرّ مسؤولون وأحزاب وقوى محليّة على هذا المطلب، يرفض قطاع واسع من الشعب العودة “غير الطوعية”، وفق تعبيرهم، وهذا يؤدّي إلى تصاعد الجدل في لبنان وانقسام الشارع المحليّ بين مؤيّد ومعارض. أمّا الجمعيات والمنظمات المحليّة والدوليّة فحذرت بدورها من العودة غير الطوعيّة انطلاقاً من قوانين حقوق الإنسان والمواثيق المُتعارف عليها عالمياً، في ظل الأزمات الاقتصاديّة والأمنيّة المتصاعدة، التي تشهدها سوريا.
وحكومياً، أصدر وزير الداخلية بسام المولوي قبل أيّام كتاباً منع بموجبه مظاهرتين، الأولى لدعم اللاجئين السوريين والثانية مضادة لها، خوفاً من إشكالات أمنيّة، بعد تصاعد الحملات الإعلاميّة والبلديّة والسياسيّة والحزبيّة الداعية لترحيلهم.
على أرض الواقع، تقوم إجراءات الحكومة والجهات المختصّة على ترحيل السوريين الذين دخلوا البلاد بشكل غير شرعي بموجب قرار مجلس الدفاع الأعلى في 15 نيسان 2019، أو على الأقلّ هذه البداية، إذْ البلد لم يعد يحتمل دخول المزيد من اللاجئين إليه نظراً لوضعه التعيس الذي لا يختلف كثيراً عن وضع سوريا، وباقي الدول المحيطة الغارقة بحروبها ومشاكلها وتفكّك حكمها. ولكن ما سبب فُتح هذا الملف اليوم تحديداً؟ وكيف تُفسَّر هذه الظاهرة الفُجائيّة؟
نزوح أم لجوء سياسيّ؟
تُشير مصادر إلى أن “قرار عودة النازحين ليس بجديد، وكان منذ سنتين وتحديداً مع بداية انتشار فيروس كورونا على طاولات الحوار وفي الجلسات المُغلقة أيضاً، إلّا أن الجهات المتابعة والأحزاب المنقسمة لم تتوصل إلى حلّ مناسب لهذه الأزمة ومن ثمّ حصل انفجار مرفأ بيروت والانهيار الاقتصاديّ، وفاقما الوضع سوءاً”، كاشفةً أنّ “أعداد النازحين الذين يدخلون خلسة إلى لبنان تفوق تلك المُعلن عنها في الإعلام بأضعاف، وهنا الخطورة الفعليّة، بحيث لم يعد بإمكان الحكومة اللبنانيّة تأمين مساحات آمنة لهم إن كان في المخيّمات أو غيرها، ولا حتّى السيطرة عليهم وتحديد نطاق انتشارهم، دون ذكر الجرائم العديدة التي تُرتكب من قبل بعضهم كي لا نشمل الجميع، وكلّها تُشكّل ضغطاً لا فائدة منه على لبنان. مع العلم أنّ غالبية المناطق السوريّة التي كانت تشهد نزاعات داميّة باتت آمنة ولا تُشكّل خطراً على أهلها، وبالتالي لا مانع من عودة هؤلاء إلى بيوتهم، إلّا إذا كانوا معرّضين لخطر الاعتقال أو ما شابه، وفي هذه الحالة عليهم طلب لجوء سياسيّ لا البقاء بصفة نازحين، وحينها الدولة تُقرّر وفق إمكاناتها”.
مَن يقرأ سياسة المنطقة يعلم جلّياً أن لبنان قبل توقيع الاتفاق السعوديّ/ الإيرانيّ ليس كما بعده، ومسألة “تطهير” البلد من النزوح السوريّ ليست إلّا حُجّة لإلهاء الشعب تماماً كمسألة التوقيت الصيفيّ – الشتويّ، إذْ إن الزيارات الوديّة من وإلى سوريا لا تُشير إلى وجود أزمة سياسيّة عربيّة مع الأسد كالسابق، لا بل العكس، ممّا يطرح تساؤلات حول انقلاب حلفائه في لبنان ضدّ شعبه النازح نتيجة الحرب. وفي سياق متّصل، تسأل مصادر فضّلت عدم ذكرها: “ماذا ولو كان بشار الأسد هو من أعطى الإشارة لأصدقائه بالضغط على النازحين للعودة؟”.
لا شكّ بأن لبنان لم يعد يحتمل تدفقّ المزيد من النازحين السوريين وغير السوريين إليه، فهذه حقيقة غير قابلة للنقاش في ظلّ انهيار قطاعات الدولة واهتراء مؤسّساتها. ولا يختلف اثنان على المشاكل الأخرى التي تسبّب بها قسم من النازحين، كما أنّ لا أحد ينكر تداعيات وجودهم على اليد العاملة اللبنانيّة وغيرها… ولكن هذا لا يُعطي الحقّ لأيّ فرد أو جهة بتهميشهم، لا سيّما أن البعض يتعاطى معهم من منطلق متطرّف تعود أسبابه إلى زمن الوصاية السوريّة في لبنان التي لم نطوِ دفاترها حتّى اليوم مهما حاولنا نكران ذلك.