النزوح السوري في لبنان.. في الداخل ولادات من دون قيود وفي الخارج تهريبٌ من دون حدود
يُقال إنَّ أزمة النزوح السوري في لبنان هي قنبلة موقوتة، لكنَّ يوماً بعد يوم يتأكّد أنَّ هذه القنبلة انفجرت وباتت شظاياها تتطاير بشكل عشوائي.
مسألةُ النزوح تخطّت الأزمة وتحوّلت إلى كارثة تطال الشعبين اللبناني والسوري. فالسوريّون مشرّدون في المخيّمات وجزءٌ منهم وقع فريسَة تجّار البشر والأطفال، واللبنانيّون يدفعون يوميّا ثمن هذا النزوح اقتصاديّاً وأمنيّاً واجتماعيّاً.
إجتماعيّاً ينذر النزوح السوري بكارثة ديمغرافيّة لاسيما في ضوء الولادات غير المسجّلة. فمنذ ال 2015 لم تسجّل الولادات السورية في لبنان ما يجعل من إحصائها من قبل السلطات اللبنانية أمراً مستحيلاً لاسيما أنَّ الداتا الخاصّة بها هي ملك المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. في حين تقدّر مصادر أمنية معنيّة أنّ ولادات السوريّات في المستشفيات قد تخطّت ال 60% من نسبة الولادات في لبنان، ما يهدّد لاحقاً بانفجارٍ اجتماعيٍّ مع ظهور الرَّقم الفعلي لمكتومي القيد.
لا تتوقّف الأزمة الاجتماعية على فوضى الولادات بل تترافق مع فوضى أمنيّة على الحدود اللبنانيّة السوريّة. فالجزء الأكبر من السوريّين الذين أتوا إلى لبنان نتيجة الحرب السوريّة دخلو خلسةً وهم اليوم مقيمون بصورة غير قانونيّة. هؤلاء وبغض النظر عن وضعيّتهم القانونية يستفيدون من مساعدات المفوضيّة العليا لشؤون اللاجئين بصفتهم لاجئين وهو ما يشجّع عدداً كبيراً منهم على البقاء في لبنان على الرغم من نفي المفوضيّة لصحّة هذا الكلام. إذ تعتبر الأخيرة أن وجود السوريّين في لبنان مرتبطٌ بالوضع الأمني في سوريا وليس بالمساعدات المقدّمة لهم في لبنان وفقاً للبيانات، مع الإشارة إلى أنّ المبلغ الذي تتلقاه هذه العائلات هو أقلّ بكثير من المبلغ الذي تحتاجه العائلة لتغطية احتياجاتها الأساسيّة بحسب المفوّضيّة.
لكنّ معاينة الأرض في المناطق الحدوديّة تعكس واقعاً مختلفاً لا يرتبط حصراً بالوضع الأمني في سوريا. فمعظم المقيمين في المخيمات دخل إلى لبنان بصورة غير شرعيّة هرباً من الحرب، أمّا اليوم فهو بات يتنقّل بشكل مستمر بين لبنان وسوريا على المعابر غير الشرعيّة. حتى أن بعض المقيمين بصورة شرعيّة في لبنان بات يلجأ إلى معابر التهريب حتى لا يمرّ عبر الأمن العام ويخسر تالياً المساعدات إذا ما أخذ علماً بتسجيله لدى المفوّضية، لأن مجّرّد تنقّله يسقط عنه صفة اللجوء.
أما المقيمين غير المسجّلين لدى المفوضيّة فباتوا أيضاً يفضّلون المكوث لوقت طويل في لبنان عوضاً عن دفع رسم 100 دولار على المعبر السوري مع كلِّ تسجيل الخروج، بناءً لقرار من الدّولة السوريّة.
أمنيّاً، ينهك التهريب على الحدود الأجهزة الأمنيّة التي تعيش حالة كرٍّ وفرّ مع المهرَّبين والمهرّبين وهنا تتحدّث مصادر مطّلعة عن موجة نزوح جديدة من سوريا إلى لبنان بقاعاً وشمالاً. بصورة شبه يوميّة يضبط الجيش أشخاصاً يحاولون التسلّل من سوريا إلى لبنان، إضافةً إلى ضبط مخالفين لشروط الإقامة إن كان من قبل الجيش أو شعبة المعلومات حيث يصار إلى تسليمهم إلى الأمن العام للترحيل بناء على إشارة القضاء المختص.
لكنّ نشاط عمليّات التهريب يجعل من ضبط الوضع في الداخل وعلى الحدود مهمّة شبه مستحيلة لاسيما مع تجاوز التوقيفات قدرة المراكز الحدودية على الاستيعاب، وما يزيد من خطورة الوضع هو تشابك أفراد عصابات التهريب ما بين لبنان وسوريا ومعرفتهم بطبيعة الأرض.
فرؤوسها المدبّرة في لبنان من سكّان قرى حدودية تفصل بينها وبين الأراضي السورّية ساقية أو جسر خشبيّ أو عتبة منزل أو حفنة تراب. هؤلاء ينجحون في كثير من الأحيان بالتحايل على الإجراءات الأمنيّة اللبنانيّة أما من الجانب السوري فيتحدّث أحد سكان المخيّمات في مشاريع القاع عن رشاوى تدفع لعناصر الهجّانة.
إذاً هي أزمة مفتوحةٌ على مصراعيها ومعالجتها تتطلّب بالحد الأدنى إفراج مفوضيّة اللاجئين عن داتا النازحين في لبنان وتسليمها إلى الأمن العام اللبناني، بهدف إحصاء النازحين الفعليين وضبط المستفيدين من البقاء في لبنان من دون وجه حق.
أمّا إذا بقي هذا الوجود من دون معالجة حقيقيّة من قبل دول القرار بالتعاون مع السلطات اللبنانيّة، فمن المتوقع أن يزيد الشّرخ بين اللبنانيّن والسوريّين ما قد يتسبّ بعواقب أمنيّة وخيمة.
لارا الهاشم