الدولة تضع المؤسسات في مواجهة مع موظفيها… وتغيب!
جاء في “المركزية”:
الانهيار المستفحل في أسس الدولة، وضع الخناق على رقاب اللبنانيين بمختلف مستوياتهم الاجتماعية، من أكبر موقع في المؤسسات والإدارات وصولاً إلى الموظفين والعمال.
فالدولة التي تركت الهدر والفساد على غاربهما طوال سنوات خلت، واستنزفت احتياطي مصرف لبنان من العملات لتغطية الدعم ونفقات كان يجب تأمين إيراداتها من خزينتها العامة، وضعت اليوم الإدارات في مواجهة مع موظفيها وعمالها في ظروفٍ أثقلت كاهل الأولى، وأسقطت الأخيرين في أتون الغلاء والتضخم على وقع تحليق سعر صرف الدولار الأميركي “المتقطّع”.
وليس بيان نقابة موظفي المصارف سوى مثال على هذا الواقع حيث القلق على مستقبلهم، فيما إدارات المصارف ترزح تحت وطأة الضغوطات المحلية والخارجية في ظل غياب الاستثمارات والأعمال التي كانت تؤمّن لها نفقات التشغيل والتوظيف… وهذا التخبّط يعود إلى سياسة “النعامة” التي تعتمدها الدولة اللبنانية التي يُفترض بها إعادة النظر في هذه السياسة والاعتراف بدورها الأساس لحل هذه الأزمة وتحمّل مسؤوليّتها الكبرى حيالها بما يضع حداً للحرب القائمة على المصارف. وبذلك تكون أنقذت الاقتصاد من جهة، والقطاع المصرفي والعاملين فيه من جهة أخرى.
أما ترك الوضع على حاله، فسيضع إدارات المصارف في مواجهة مع موظفيها، بعدما وضعها في مواجهة حادة مع مودِعيها.
مصدر اقتصادي متابع يشير إلى وجود حالة طوارئ في البلاد، ويعتبر أن “ما يحصل اليوم بين إدارات المصارف وموظفيها، لا يمكن وضعه في خانة “الصرف”، ويقول لـ”المركزية”: هناك تُخمة من الموظفين في الفروع المصرفية ولا سيما في قسم “قرض السيارات” وقسم “قرض السكن” حيث التسليف متوقف منذ ثلاث سنوات… ومن البديهي أن يدفع هذا الأمر بالمصارف إلى إقفال عدد كبير من فروعها، والطلب من الموظفين العاملين فيها عدم الحضور إلى العمل والتزامهم المنازل، مُقابل دفع الرواتب ولكن من دون بدل النقل، مع الاستمرار في تأمين التغطية الصحيّة للموظفين ونفقات المدارس لأولادهم. وعند تحسّن الوضع، يُطلب منهم الالتحاق مجدداً في مراكز عملهم.
ويشير في معرض قراءته الاقتصادية للوضع المصرفي، إلى أن “كلفة بدل النقل وتأمين مستلزمات الفروع من كهرباء ومازوت وصيانة…إلخ، كلها أعباء ترزح تحتها إدارات المصارف في وقت لا تسجّل فيه أي استثمارات تؤمّن لها الإيرادات المطلوبة لتغطية كل تلك الأكلاف الآنفة الذكر. إذ أن كل فرع يكلّف إدارة المصرف 15 ألف دولار شهرياً، في حين انتفت الحاجة إليه مع تفاقم الأزمة المالية والمصرفية والانهيار النقدي في البلاد حيث أصبح العمل المصرفي يقتصر فقط على تأمين السحوبات لعملائه وقبض الأقساط الشهرية المستحقة على المقترِضين”.
أمام هذه الأزمة، يُضيف المصدر، “وجدت المصارف نفسها مجبَرة على اعتماد فرع واحد في المناطق (كالأشرفية) أو الأقضية (كقضاء زحلة) في إطار ما يُسمّى بـ”عصر النفقات” لتأمين ديمومة دفع الرواتب لموظفيها وأقساط التأمين الصحي والاستشفائي والأقساط المدرسيّة لأولادهم. وفي المقابل إن أي تخفيض في كلفة الـ”فريش دولار” يصبّ في مصلحة المودِع، لكون إدارات المصارف تعتمد ترشيق الإنفاق في عمليات غير منتجة، لتأمين دفوعات المبالغ بالدولار النقدي التي وفّرتها، للمودِعين…
يُفترض بهذه المشهديّة أن تحرّك ضمير أصحاب القرار في الدولة، كلٌ من موقعه، من أجل القيام بمسؤولياتهم حيال مواطنيهم، إنقاذاً لما تبقى من مؤسسات وموظفين…