ضغط الدولار يسحق راتب موظف القطاع الخاص…
يعيش الموظف في القطاع الخاص بين سندان الأزمة الإقتصادية ومطرقة أرباب العمل، حيث يتحجَّج معظم أصحاب المؤسسات بالأزمة الإقتصادية للتهرّب من أمرين «إعطاء رواتب لائقة للعاملين فيها، والتهرّب من دفع الضرائب بحجة عدم تحقيق الربح». في لبنان لا يصل راتب بعض الموظفين في القطاع الخاص إلى 60 أو 70 دولاراً في مؤسسات تجني أرباحاً وتتهرّب في الوقف عينه من دفع ضريبة محقّة للدولة، وذلك من دون حسيب أو رقيب. ففي وقت تقوم فيه إقتصاديات الدول على نظام ضريبي صارم، يتراخى النظام الضريبي اللبناني مع المؤسسات حيث تفتقر وزارة المالية إلى داتا ضريبية توثّق الضريبة الحقيقية لكافة المؤسسات ومَن يتهرّب من دفعها. هذه المشكلة المستعصية في لبنان، يمكن تناولها من وجهات نظر مختلفة.
دعوة إلى من يكسب بالفريش
«بعيداً عن مبدأ الإلزام والواجب والحق»، لكن من «مبدأ العدالة، ومن باب التضامن الوطني، والتراحم المجتمعي»، يطالب وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال مصطفى بيرم، «الشركات في القطاع الخاص بالنظر في وضع العمال لديها». بيرم يلفت في حديث إلى «نداء الوطن»، إلى أنه «هناك شركات تأقلمت مع التطوّرات الحاصلة، وأصبحت تتداول بالفريش دولار». ومن الطبيعي برأي بيرم أن «ينعكس هذا الأمر على وضع موظفيها». وعلى قاعدة الغُنْم بالغُرْم، يخاطب بيرم من «يكسب بالفريش»، ويدعوهم إلى «إنصاف موظفيهم، وتخصيص جزء من الأرباح لهم، لأن على أكتافهم تجنى الأرباح، فهذا مطلب إنساني من أجل تحمّل المسؤولية في هذا الظرف الصعب، لتقطيع هذه المرحلة الصعبة». ويؤكد «مواكبة وزارة العمل ولجنة المؤشر لوضع العمال، وحماية حقوقهم». ويكشف الوزير بيرم عن «شكاوى تصل إلى الوزارة من موظفين في شركات يتراوح راتبهم ما بين 6 و7 ملايين ليرة أي ما لا يزيد عن 60 إلى 70 دولاراً، وهو معيب بحق هؤلاء».
لبّ المشكلة إنهيار سعر الصرف
يؤكد عضو تكتل الجمهورية القوية النائب رازي الحاج أن «الانهيار الحاصل زاد الإقتصاد النقدي بالسوق، وهذا غير سليم لا على مستوى العدالة الضريبية والإمتثال الضريبي من جهة، ولا على مستوى إنتظام العمل وحقوق العمال من جهة أخرى».
ويوضح الحاج لـ»نداء الوطن»، أن هناك «جزءاً من المؤسسات الخاصة يمتثل ضريبياً، مقابل جزء كبير من المؤسسات الجديدة أو الموازية لا يمتثل ضريبياً». بالتالي، يرى الحاج أنه «لا يمكننا الإستمرار في زيادة الأعباء على الذي يمتثل ضريبياً، في حين مَن لا يمتثل ضريبياً ليست عليه أعباء، فهذا غير منصف».
ويُشخص الحاج لبّ المشكلة بـ»انهيار سعر الصرف»، مشدداً على أنه «من دون إصلاح هذه النقطة المركزية، ليصبح لدينا سعر صرف مرن، وإطلاق عجلة الإقتصاد، سنستمر في واقعنا المأزوم، ومن أزمة إلى أزمة».
«ما حدا مبسوط»
ومن جانبه، يؤكد رئيس المجلس الإقتصادي الإجتماعي شارل عربيد، أنّ «اليوم ما حدا مبسوط» لا صاحب مؤسسة ولا الموظف ولا حتى المستهلك». يرفض عربيد، في حديث مع «نداء الوطن» التعميم والقول إنّ جميع المؤسسات تقبض فريش دولار وتدفع رواتبها بالليرة»، ويشير إلى أنّ «هناك مؤسسات تقبض باللبناني وتدفع باللبناني، وأخرى تقبض فريش وتدفع فريش، فكل شركة تختلف عن أخرى». ويلفت عربيد إلى أن «الموضوع ليس كما يتمّ تصويره. فهناك قطاعات مرتاحة وقادرة، بينما هناك قطاعات أخرى متعثرة»، ويشدد على أنّ «لا أحد يعلم قدرات وإمكانيات المؤسسة مثل موظّفيها وصاحب العمل».
الحوار هو الحلّ
من هنا يدعو عربيد إلى «التفاهمات المرنة بين صاحب العمل والعمال، وأن لا ينتظروا الدولة أو أي طرف آخر لكي تجد لهم حلاً، رغم الجهود التي يقوم بها وزير العمل ومحاولاته الدائمة لإيجاد مخارج ترضي الجميع». ويردف، قائلاً «لنرتّب أمورنا قدر المستطاع، حسب إمكانيات المؤسسة وحسب إنتاجية الموظفين». ويصف عربيد الواقع الحالي بـ»مرحلة إدارة الأزمات، فلا حلول جذرية»، وبالتالي يرى أن «الجميع يعيش في مرحلة من الضياع».
العمل وفق سلّم متحرك
وفي ظل هذا الواقع، وإذ يستبعد عربيد «إمكانية إعتماد خطة متكاملة بسبب القلة والأزمة التي تمسّ الجميع من دون إستثناء»، يقترح «العمل وفق سلّم متحرك للحدّ الأدنى وحتى لبدل النقل يكونان مرتبطين بسعر السوق»، ويلفت إلى أنّ «هذا ما يطالب به باجتماعات لجنة المؤشر وبالإجتماعات مع كافة قوى الإنتاج، لكي يكون هناك تعويض ولو بحد أدنى للموظف ليتمكّن من تسيير أموره».
وحول تهرّب بعض الشركات من دفع الضرائب؟، يتساءل عربيد «هل هناك شركات تحقق أرباحاً اليوم؟ لأن دفع ضرائب يجب أن يكون مبنياً على تحقيق الأرباح». وبغض النظر عن «الربح أو الخسارة»، يرى عربيد أنه في «المرحلة الحالية من المهم جداً المحافظة على إستمرارية العمل لأننا بكل وضوح نحن في مرحلة إدارة الأزمة». ويشير إلى «مؤسسات تربح القليل، وتحاول المحافظة على استمرارية العمل وإيجاد توافق بينها وبين عمالها». ويدعو إلى ضرورة الحوار بين المعنيين لأن حل المشاكل لا يتم إلا عبر الحوار، فالتهديد «والهوبرة» لا تفيد أحداً بل على العكس تؤزّم القضية». ويصف كل مواطن لبناني يستفيق صباحاً ويذهب إلى عمله بـ «البطل في ظل هذا الظرف الصعب». ويأسف لأن «الأفق في السياسة ما زال مسدوداً، ما ينعكس سلباً على الاقتصاد، وسنبقى على هذا الحال إلى أن تفرج سياسياً، فلا إرتياح إجتماعياً إذا كان الإقتصاد يعاني ولا إقتصاد في ظل أزمات سياسية».
ويلفت إلى بقعة ضوء في هذا الظلام، إذ «هناك قطاعات تنمو وتتطور وتصدر». ولا يرى أي خيار سوى «الصبر والمحافظة على الموجود إلى حين إيجاد حلول سياسية تعيد انتظام العمل في لبنان على كافة المستويات».