بعيداً من الجدل “الطائفي”… ما الفائدة الاقتصادية من نظام التوقيت الصيفي؟
شكّل تأجيل تغيير التوقيت الصيفي الاستثنائي للمرة الأولى في لبنان الى منتصف ليل 20-21 نيسان المقبل مادة جديدة للجدل. في ردود الفعل، برز معطى سياسي-طائفي مع ارتباط التأجيل بصوم المسلمين وبمركز القرار، لكننا في الآتي فضلنا التركيز على الجانب التاريخي والاقتصادي لتعديل التوقيت الصيفي.
بالعودة إلى تاريخ العمل بهذا الحدث عالمياً، كان الأميركي بنجامين فرانكلين أول من طرح فكرة التوقيت الصيفي في عام 1784، وهدَف من زيادة التوقيت الرسمي ساعة، تبكير أوقات العمل والفعاليات العامة الأخرى، لكي تنال وقتاً أكثر أثناء ساعات النهار التي تزداد تدريجاً من بداية الربيع حتى ذروة الصيف، وتتقلَّص من هذا الموعد حتى ذروة الشتاء.
هذه الفكرة لم تبد جدّيةً إلا في بداية القرن العشرين ولأول مرة أثناء الحرب العالمية الأولى، حين أجبرت الظّروف البلدان المتقاتلة على إيجاد وسائل جديدةٍ للحفاظ على الطاقة. فكانت ألمانيا وحلفاؤها من دول المحور بدءاً من عام 1916، أول دول تستخدم التوقيت الصيفي، وكان الهدف من ذلك حفظ الفحم خلال الحرب. بعد ذلك لحقت بريطانيا وأغلب حلفائها وكثير من الدول الأوروبية المحايدة بالحدث.
وانتظرت روسيا وقليلٌ من الدّول حتى السنة التالية، وتبنّت الولايات المتحدة التوقيت الصيفي في عام 1918. منذ ذلك الوقت، شهد العالم العديد من التشريعات والتعديلات والإلغاءات لتحسين التّوقيت. وبدأ العمل في لبنان بالتوقيت الصيفي، وفق قرار اتّخذه مجلس الوزراء في عام 1998.
في حديث لـ”النهار”، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور باتريك مارديني، أنّ لِنظام التوقيت الصيفي إيجابيات يتصدّرها توفير الطاقة. فبالانتقال إلى التوقيت الصيفي نكسب ساعة ضوء من النهار وهو ما يوفّر إضاءة الأنوار لمدّة ساعة، وهنا نتحدّث عن توفير في فاتورة استهلاك المحروقات. لكن هناك دراسات أخرى خلُصت إلى أنّ ما نوفّره باستهلاك الأنوار والطاقة خلال هذه الساعة، ننفقه في أجهزة تبريد الهواء التي تُستخدم في الصيف لمدة ساعة إضافية.
وبعض القطاعات تستفيد من التوقيت الصيفي مثل قطاعات الترفيه والسياحة التي تتعزّز. فعندما يصبح يوم الناس أطول، يتّجهون إلى تمضيته عبر إقامة النشاطات خارج منازلهم، وينفقون خلالها.
وبحسب مقال نشره “CBS news”، يعتقد الخبير الاقتصادي كورت رانكين أنّ التحوّل إلى التوقيت الصيفي الدائم يمكن أن يفيد قطاعاً واحداً من الاقتصاد: شركات الضيافة مثل المطاعم والفنادق. وقد يؤدي المزيد من ضوء النهار في نهاية اليوم إلى زيادة الطلب على هذه الخدمات، ممّا سيساعد تلك الشركات وكذلك عمّال الاقتصاد المؤقت مثل سائقي DoorDash.
وقدَّرت مجلة “fortune” في عام 1984 أنّ زيادة سبعة أسابيعٍ من التوقيت الصيفي، ستعود بـ30 مليون دولار أميركي إضافي على متاجر “7-Eleven” وحدها. كما قدَّرت مؤسسة “ناشيونال غولف” أنّ الزيادة ستزيد من عائدات صناعة الغولف ما بين 200 مليون إلى 300 مليون دولار.
وقدَّرت دراسة في عام 1999 أنّ التوقيت الصيفي يزيد من عائدات قطاع الاستجمام في الاتحاد الأوروبي بما يقارب 3 في المئة. ويستفيد تُجار التجزئة وصانعو السلع الرياضية وغيرها من الشركات من زيادة وقت النهار بعد الظهر، لأنّ العملاء يقضونه في التسوُّق والمشاركة بالألعاب الرياضية في الهواء الطَّلق بعد الظهر.
قطاعات تتضرّر من التوقيت الصيفي
وعلى النقيض من ذلك، فمن المُمكِن أن يؤثر التوقيت الصيفي سلباً على الفلاحين وآخرين ممَّن يعتمدون في عملهم على الشمس. فيُفَضّل الفلاحون حصاد الحبوب بعد تبخّر الندى. ويشتكي عاملو الألبان أيضاً من هذا التغيير، فحين يتقرَّر حلب الأبقار في وقتٍ أبكر يتسبَّب ذلك بعرقلة نظامها. ويَضُرُّ التوقيت الصيفي أيضاً بتقييمات البث في أوقات الذروة ومختلف أنواع المسارح.
ويورد مقال في “New York Times” أنّ التوقيت الصيفي يعني أنّ الأعمال التجارية تتضرّر من تغيير التوقيت الصيفي. في دراسة عن إصابات التعدين في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وجدوا ارتفاعاً في إصابات مكان العمل بنسبة 6 في المئة تقريباً يوم الاثنين بعد التحوّل إلى التوقيت الصيفي. والسبب الأكبر للقلق هو أنّ شدة هذه الإصابات، مَقيسةً بأيام العمل المفقودة بسبب الإصابات، زادت بنسبة هائلة بلغت 67 في المئة، وهو ما يمثل 2600 يوم عمل إضافي ضاع، بسبب الإصابات التي حدثت في ذلك اليوم. لذا فإن تغيير الوقت سيّئ لعمال المناجم (وشركات التعدين)، لكن ماذا عن بقيّتنا؟
في دراسة متابعة، وجد الباحثون أنّ العمال يستخدمون أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم والوصول إلى الإنترنت للانخراط في أنشطة لا تتعلق بالعمل. علاوة على ذلك، وجدنا أنّه مقابل كل ساعة من النوم المتقطع في الليلة السابقة، كان المشاركون في المختبر يرتدون ملابس إلكترونية بنسبة 20 في المئة من المهمة الموكَلة إليهم. عندما يُستقرأ العمل ليوم كامل، فإن ذلك يعني أن التوقيت الصيفي وفقدان النوم يمكن أن يؤدي إلى خسائر إنتاجية كبيرة.
وقُدّر تأثير هذه التكلفة على الاقتصاد الأميركي بأكثر من 434 مليون دولار سنوياً، وذلك ببساطة من تحوّل دقيق للساعات. لسوء الحظ، لا نستعيد تلك الإنتاجية عندما ندخل بتغيير الخريف ساعة إلى جداولنا.
ويرجع تغيير قوانين الوقت والتوقيت الصيفي بتكلفةٍ اقتصاديةٍ مباشرة، حيث يتطلَّب جهداً كبيراً لتنظيم الاجتماعات عن بعد (بين أشخاصٍ في بلدان وقارات متباعدة) ودعم برامج الحاسب الآلي وما شابهها. وعلى الرغم من أنَّ البعض يرى أنَّ تأخير أو تبكير التوقيت يرتبط بتدهور الكفاءة الاقتصادية، وأنه في عام 2000 قُدِّرت الخسائر الناتجة عن استعمال التوقيت الصيفي بحوالي 31 مليار دولار يومياً في البورصات الأميركية، فإنَّ الأرقام المُقدَّرة ما زالت محلَّ خلافٍ وجدلٍ كبيرين.
دول تعتمد نظام التوقيت الصيفي
تالياً لائحة الدول التي تعتمد التوقيت الصيفي: ألبانيا، أندورا، أنتاركتيكا، أستراليا، البهاماس، جزيرة ألند، أنتيغوا وبربودا، بلجيكا، برمودا، البوسنة والهرسك، بلغاريا، كندا، تشيلي، كرواتيا، كوبا، قبرص، تشيكيا، الدنمارك، إستونيا، فيجي، فنلندا، ألمانيا، جبل طارق، اليونان، هايتي، هنغاريا، إيرلندا، فلسطين، إيطاليا، جرسي، الأردن، كوسوفو، لاتفيا، لبنان، ليشتنشتاين، لتوانيا، لوكسمبورغ، مالطا، المكسيك، مولدوفا، مونتينيغرو، المغرب، هولندا، نيوزيلندا، نورث مقدونيا، النروج، الباراغواي، بولندا، البرتغال، رومانيا، سان مارينو، موناكو، صربيا، سلوفاكيا، سلوفينيا، إسبانيا، سويسرا، السويد، سفالبارد، سوريا، أوكرانيا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأميركية، الفاتيكان، الصحراء الشرقية، جزر توركس وكايكوس، سانت بيار وميكلون، جزيرة نورفولك، غرينلاند، جنرسي، جزيرة فارو، جزيرة بوفي.
وعادت مصر بداية الشهر الجاري لاستئناف العمل بنظام التوقيت الصيفي بعد توقّف دام 7 أعوام، في مسعى من الحكومة لتوفير الطاقة.