بارود: سأعلن ترشحي إذا رأيت في هذا الإعلان خطوة إلى الأمام
مرشح طبيعي او غير طبيعي. تصنيفات مضحكة. وترشيحات لا تقدم ولا تؤخر، لانها تنطلق من سياسات عدائية واحادية ولا تهدف إلى إعادة جمع اللبنانيين حول الرئاسة التي تبقى الضمانة والامينة على الدستور وعلى حسن سير المؤسسات، او هكذا يجب ان تكون. ولا يتحقق الامر بالتحدي في بلد معقد مثل لبنان. الخيار الثالث بات متقدما، وثمة اسماء مطروحة وقد تضمنتها لائحة بكركي، ومنها الوزير السابق للداخلية زياد بارود، الذي لم يسقط بالباراشوت، بل انه ناضل في منظمات المجتمع المدني، وجد في الاوساط الحقوقية والاكاديمية. وهو من الاسماء المطروحة حاليا. معه كان هذا الحوار.
– هل زياد بارود مرشح طبيعي لرئاسة الجمهورية؟
لست أدري إذا كان أي منّا لا يزال طبيعيا في هذه الأيام! في الواقع، لا، لست مرشحا طبيعيا، فلا أنا أحمل صفة الزعيم ولا أترأس حزبا ولا أشغل موقعا يؤهلني بشكل “طبيعي” لهذا الموقع. أكاد أقول أنه من غير الطبيعي بالمفهوم اللبناني أن أكون مرشحا، فأنا أنتمي إلى فئةٍ من خارج النادي السياسي بمعناه التقليدي، وأنا خارج الاصطفافات الحادة، على الرغم من علاقة جيدة تربطني بالجميع تقريبا إنطلاقا مما نسجته من علاقات خلال خدمتي في الداخلية حيث كانت الملفات الأمنية وإدارة الانتخابات النيابية ثم البلدية تستوجب أعلى درجات التواصل مع كل الأفرقاء.
– لماذا إذاً لم تعلن ترشيحك رغم تداول إسمك وحصولك على أرقام متقدمة في استطلاعات الرأي؟
لا موقف سلبيا من الترشح في المطلق. الأصوات التي حصلت عليها، ودون ترشح، من ثلاثة نواب أتشرف بها وثقتهم غالية، لكن الترشّح عندي يجب أن يكون في توقيتٍ وفي ظروف لا تجعله “زيادة عدد” مرشحين فيكون عندها واضحا وغير ملتبس ويترافق مع أجوبة حاسمة حول كل المواضيع المطروحة في البلد وهي متوافرة، وحبّذا لو كان الترشيح والبرنامج إلزاميين. لكن حاليا، الأمور لا تزال في مكان آخر والترشّح بذاته لا يغيّر في المعادلة العقيمة. طالما لم يتحرّك الجمود القاتل وطالما المراوحة سيدة الموقف، فالخطوة تبقى رمزية وشكلية، لا فعلية وهادفة. سأعلن ترشحي إذا رأيت في هذا الإعلان خطوة إلى الأمام، بمعزل عن حسم النتيجة مسبقا. المطلوب مشروع دولة، لا شخص. المطلوب فريق عمل، لا شخص. المطلوب مهمّة واضحة كائنا من كان الشخص. ماذا سيفعل وكيف سيفعل وبأية أدوات عمل؟
– يعني لا رئيس في المدى المنظور؟
هذا ضربٌ في الرمل. لا جواب حاسما لدى أي كان، لأن أي طارئ قد يسرّع في انتخاب الرئيس كما أن أية عراقيل داخلية أو خارجية ستبقي الأمور على ما هي عليه، رغم أن ثمة إجماع على أن الوضع لا يحتمل التأجيل، في السياسة والأمن والاقتصاد. الفراغ قاتل وغياب رئيس الدولة عن المشهد ليس تفصيلا ولو كانت رئاسة الجمهورية موقعا ثانويا لما كنا شهدنا فراغا في الموقع.
– من يختار رئيس جمهورية لبنان؟
أتمنى لو أن الرئيس ينتخب بالاقتراع المباشر من الناس مع ما يقتضيه ذلك من ضوابط لحسن التمثيل لن أتوسع فيها هنا. ولكن طالما أن مجلس النواب هو الذي ينتخب الرئيس، فإن المهمة والمسؤولية تقعان على النواب وعلى الكتل النيابية مهما قيل عكس ذلك. طبعا، هناك دائما إستحضار للخارج في كل استحقاق، وأنا مع لبننة هذا الاستحقاق بالكامل. الخارج يستطيع أن يدعم ويساند ما يتفق عليه اللبنانيون واللبنانيات، ولكي نتمكن من فرض احترام الغير لنا، يجب أن نبلغ الرشد السياسي ونقرر بأنفسنا ثم نطلب مساعدة أصدقاء لبنان. ما يحصل من رمي للمسؤولية على الخارج سخيف ومهين للبنانيين. علينا أن نتحمّل نتائج تخاذلنا.
– بالمناسبة، هل أنت مرشح الفرنسيين؟ لماذا يتم الربط دائما بينك وبينهم؟
لن أكون سوى مرشّح اللبنانيين واللبنانيات في حال اخترت الترشّح، ثم ان الفرنسيين كرروا مرارا أن ليس لديهم أي مرشح وهذا ما تظهّر من الاجتماع الخماسي في باريس. أما علاقتي بالفرنسيين فأعتزّ بها وهي قديمة ومتينة و”فوق الطاولة” وأضعها دائما في خدمة لبنان. وهذا يصح أيضا بالنسبة للعلاقة مع أصدقاء لبنان وفي مقدمهم الخليج والمحيط العربي.
– البعض يعتبر أن تجربتك في وزارة الداخلية تؤهلك للموقع الأول، فيما يأخذ عليك آخرون استقالتك حول مبنى الاتصالات.
تجربتي في الداخلية تجربة مدنية في موقع سياسي وإداري وأمني. لا أدّعي أنها كانت كاملة ولكن حرصت خلال السنوات الثلاث التي أمضيتها فيها أن تكون الوزارة لكل المواطنين ولا مجال هنا لتعداد ما تم تحقيقه خلال خدمتي فيها وأنا لم أقم إلا بواجبي، من تنظيم انتخابات 2009 في يوم واحد وفتح كوّة في بعض المسائل المعبّرة كشطب القيد الطائفي ووضع اللامركزية على السكّة. أما الاستقالة، فهي لي مصدر اعتزاز ولو تكرّر الظرف لعاودتها لأنها فعل قوة لا ضعف. وبعدما واجهت على مدى ثلاث سنوات أصعب التحديات، وصلت في حادثة مبنى الاتصالات إلى اتخاذ أقصى وأقسى التدابير دون أن يتغيّر الواقع. قالوا لي يومها ان المسألة أكبر مني ومن رئيس الحكومة، فكانت الاستقالة بعدما رأيت من المستحيل أن أضع حدا لمخالفة تبيّن لاحقا حجمها العابر للحدود، فقررت أن أستقيل حتى لا أكون شاهد زور ولأقول إن الكرسي لا يعني شيئا بمقابل فرض احترام القانون وانتظام المؤسسات وبمقابل الكرامة الشخصية. استقلت بعدما واجهت. وأعترف أن المنظومة غلبت القانون. أحيانا كثيرة تكون الاستقالة أكثر جرأة وتعبيرا عن موقف من أي فعلٍ آخر واستقالتي كانت جزءا من المواجهة. يعرف الجميع أن المشكلة لم تكن مع اللواء ريفي الذي امتازت علاقتي معه بالرقي والاحترام والتعاون. ما حصل كان بين فريقين يقصفان أحدهما الآخر بالأسحلة الثقيلة في السياسة. شعرت يومها كم من الصعب أن تكون مستقلا ولكن أيضا كم أن استقلاليتك تحررك من أي اصطفاف.
– في حال انتخبت، هل تستقيل إذا واجهتك عراقيل كبرى؟
هذا أمر غير وارد إطلاقا. فالمواقع مختلفة وكذلك أساليب المواجهة، ولا رئيس بالوكالة في حال الاستقالة.
– ماذا يستطيع أن يفعل رئيس جديد للجمهورية في ظل الأزمة العميقة؟
التباكي على صلاحيات رئاسة الجمهورية غير مجد وفيه قراءة مجتزأة للدستور. لا يزال الرئيس يتمتع بهامش من الصلاحيات تسمح له بالقيام بالكثير ولكن من باب كونه حامي الدستور ورئيس الدولة والجامع بين الجميع في بلد بالغ التعقيد كلبنان، وهو نقطة ارتكاز لانتظام المؤسسات الدستورية والحياة السياسية.
وإذا كان الرئيس، أي رئيس، بمنأى عن المصالح الشخصية والعائلية وغير متصل بفساد سياسي أو مالي وغير ساع لأي أمر لنفسه، فباستطاعته ممارسة دور جامع ومحوري، بعيدا عن المحاصصة. عليه أن يوحي الثقة في الداخل والخارج. وهذا يصح في الأزمة الحالية حيث دوره الأول حماية الدستور، إن في التشريع أو في الممارسة، كما أن دوره أساسي في تشكيل الحكومة والعمل مع رئيسها على اختيار خيرة الناس لتولّي الحقائب الوزارية.
– من الأصلح لرئاسة الحكومة في العهد الجديد؟
أشبّه مجلس الوزراء في المرحلة المقبلة بخليّة نحل. رئيسه نشيط، كفوء، نظيف الكف، يتمتع باحترام داخلي وخارجي، يعرف الإدارة وكيف تعمل، يعرف مشاكل البلد، يصارح الناس ويكون على أفضل ما يمكن من علاقة مع رئيس الجمهورية ومع المجلس النيابي، وعلى تماس مع القوى الحية في البلد.
– ألا يحتاج لبنان لرئيس ملمّ بالاقتصاد ؟
يحتاج لبنان إلى رئيس ملمّ باختصاصات متنوعة لأن الأزمة ضربت كل القطاعات، لكن الرئيس موقع قيادي سياسي وليس إداري تكنوقراطي ولذلك على أي رئيس أن يحيط نفسه بفريق عمل عالي التخصص والكفاءة. التحديات مالية-إقتصادية ولكنها أيضا معيشية-إجتماعية وقضائية وأمنية وخارجية. نحتاج إلى رئيس ينظر إلى العدالة الاجتماعية بعين الأولوية والطاقة والبيئة والهجرة والشباب ودور المرأة… باختصار، رئيس يدير فريق عمل بهدف تحقيق نتائج. لم يكن فؤاد شهاب إقتصاديا ولكن من مؤسسات مراسيم 1959 إلى بعثة IRFED إلى تنمية الأرياف أحسن إدارة كل الملفات.
– فؤاد شهاب كان قبل اتفاق الطائف، كيف تنظر إلى هذا الاتفاق؟
بعد أكثر من ثلاثة عقود، لا بدّ من تقييم الاتفاق وسدّ الثغرات التي حالت دون تطبيقه كاملا. التقييم عمل ديموقراطي ويستحق اللبنانيون أن يحصلوا على أجوبة. لماذا لا يزال استحداث مجلس الشيوخ معلّقا؟ لماذا لا تزال اللامركزية الإدارية عصية على الإقرار؟ والمادة 95 من الدستور؟ كلها في صلب الطائف وبعضها دخل الدستور ولا تزال معلّقة التطبيق. فإما أن نطبّقها، أو نعدّل فيها للأحسن. أزمة النظام تتعاظم في ظل الجمود وعلينا بالمعالجة ديمقراطيا قبل أن يعدّل النظام بغالب يفرضه على مغلوب بالدم والخراب.
– والسلاح؟
إستكمال بناء الدولة يفرض إعادة طرح وإقرار استراتيجية دفاعية جامعة ومتفق عليها من قبل الجميع، تأخذ في الاعتبار ضرورة تموضع لبنان خارج المحاور، وقد يكون إعلان بعبدا مدخلا. المطلوب اليوم أن نتصارح ونتحاور، حتى أن أغلى الغلاة السياديين يقولون، وعن حق، أن ليس المطلوب حربا أهلية بل حوار وإنما بصدق وصراحة وحزم وبشكل هادف. موضوع السلاح ليس كلاما إنشائيا بل هو في صلب النظرة إلى الدولة بمعناها الدستوري.
– كيف تقرأ مخارج الأزمة المالية؟ وتوزيع الخسائر؟
البعض يود أن يحبط الناس قصدا والأمر سهل لأن ما حصل يفوق كل تصوّر. المطلوب هو خارطة طريق واضحة ومقنعة تقول للمودعين حقيقة الخسائر التي منيت حساباتهم بها ولكن تقول لهم أيضا أن تحديد المسؤوليات بأهمية توزيع الخسائر وبأهمية إعطاء رؤى واعدة لإعادة حركة النمو والنهوض ونموذج إقتصادي يواكب عالما متغيّرا. ما حصل لا يمكن أن يمر من دون محاسبة والخسائر لا يتحمّلها بالنسبة ذاتها المخطئ والضحية. إعادة هيكلة المصارف خطوة أساسية والقانون يجب أن يقر في أسرع ما يمكن وأن يترافق مع سائر الإصلاحات التي نصح بها صندوق النقد الدولي والتي هي إصلاحات من المفترض أن يطالب بها اللبنانيون، لا صندوق النقد وحده. إعادة تنشيط القطاع المصرفي على قواعد شفافة وصلبة أولوية للاقتصاد. جزء من ترتيب المسؤوليات سياسي وإداري ولكن الجزء المهم هو قضائي وهو في مهبّ ما يتعرّض له القضاء من انتكاسة خطيرة. لا يمكن إعادة إحياء الاقتصاد من دون قضاء يوحي الثقة.
– هل يعجز القضاء عن هذه المهمة؟
ليس من باب العجز. لدينا خيرة القضاة ولكن السياسة نخرت عميقا في هيكل القضاء والتشريع القائم لا يتناسب مع موقع القضاء كسلطة دستورية كما أنه لا يتناسب مع الدور المطلوب من القضاء في المرحلة القادمة. لا بد من إقرار سريع لقانون إستقلالية السلطة القضائية. إن لم نشهد أداءً قضائيا منتفضا على من يخنقون صوته، فلا أمل بترميم ثقة المواطنين بدولتهم.
المصدر: النهار