مواجهة قضائية “تهويلية”… ماذا تملك غادة عون وهل يحمي القانون الحواط من التوقيف؟
قد تكون المرّة الأولى التي يُستدعى فيها نائب في البرلمان بسبب تعبيره عن آرائه السياسية، وهو ما يكفله له الدستور في المادة 39 ليكون صوته خير تعبير عن مواقف ناخبيه. من بين كل معارضي القاضية غادة عون، والذين ينهالون عليها يومياً بـ”دماثة” الكلام، “طلعت فشّة الخلق” بالنائب زياد حواط، فادّعت عليه بصفة شخصيّة، فيما لم تتحرّك النيابة العامة بسبب كلام حواط المتلفز والموثّق، والذي يجمع قانونيون على أنّه لم يتضمن قدحاً وذماً، لا ضد القاضية عون ولا ضد القضاء ككلّ.
جرمانوس والاستعداد للمواجهة
يقول وكيل النائب حواط، المحامي غابي جرمانوس، لـ”النهار” إنّ “النائب زياد حواط أعطى رأياً شخصيّاً، لا يشكل جرماً بالقدح والذم أو يمسّ بكرامة القضاء، بل هو رأيٌ سياسي حول طبيعة الملاحقات التي تحصل مع المصارف، والتي برأي حواط يجب أن تكون مدروسة وعلميّة، بهدف تحقيق العدالة من دون تدمير القطاع المصرفي”.
ويضيف: “لم يكن حواط في موقع الدفاع عن المصارف، والعبارة التي وردت على لسانه “ملاحقات فولكلورية” هي تعبير عن رأي سياسي لناحية توصيف هذه الملاحقات، ولا تتضمن تحقيراً للقضاء، ولا قدحاً وذماً. والحواط كنائب له كامل الحق بإعطاء آراء سياسية من دون أيّ ملاحقة، وهذا أمر يكفله له الدستور، ويدخل من ضمن مهامه كممثل للشعب اللبناني”.
معلوم أنّ المدعي العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون اتخذت صفة الادعاء الشخصيّ أمام قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور بجرائم القدح والذم والتشهير وتهديد قاضٍ. وقد حدّد القاضي منصور جلسة للاستماع إلى النائب الحواط يوم الخميس 23 آذار.
حتى السّاعة، وبحسب جرمانوس، “لم يتبلغ حواط شخصياً الشكوى. وعند حصول التبلّغ، سنأخذ القرارات القانونية المناسبة، كتقديم الدفوع الشكلية التي يُطلب بموجبها ردّ الدعوى قبل البحث فيها، نظراً إلى أنّ المدّعى عليه نائب في البرلمان اللبناني، والدستور يكفل له التعبير عن آرائه السياسية بحرية وعدم ملاحقة، إذ “لا تجوز إقامة دعوى جزائیة على أيّ عضو من أعضاء المجلس بسبب الآراء والأفكار التي یبدیها مدة نیابته””…
وجدّد التأكيد أن النائب حواط مع محاسبة المصارف بطريقة علميّة وموضوعية، والخلاف مع القاضي لا يشكّل خلافاً مع القضاء، وهو على استعداد تام لتطبيق القانون وما يفرضه القانون عليه كأيّ مواطن يحترم التعاطي مع القضاء تحت سقف القانون.
مالك وتهويل غادة عون
الخبير القانوني الدكتور سعيد مالك يعلّق على مسألة الادعاء على النائب زياد حواط، فيقول: “من الثابت أن نائب الأمّة، وعملاً بأحكام المادة 39 من الدستور يتمتّع بحصانة شاملة، وكاملة، وغير مجتزأة، عن التصاريح والآراء التي يبديها. وما أقدم عليه حواط في جلسة تلفزيونية كان إبداء رأي وإبداء موقف من تحقيقات تجريها القاضية عون؛ لذا، لا يجب، ولا يمكن، وليس باستطاعة أيِّ كان، ولو كان قاضياً، مقاضاة نائب أو الادّعاء عليه أثناء قيامه بمهامه، لا سيّما أنّ النائب، عملاً بأحكام المادة 27 من الدستور، يمثل الأمّة جمعاء، ولا يجوز أن تُربط وكالته بأيِّ قيد أو شرط، ممّا يفيد بأنّ إقدام القاضية غادة عون على الادعاء على النائب حواط يُعتبر مخالفاً لأحكام المادة 39 من الدستور، ويقتضي إبطال الإجراءات التي قامت بها والادّعاء أمام قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور”.
وفيما لو ثبت وجود قدح وذم، رفض مالك هذه الفرضيّة، مؤكداً أننا “نتحدث اليوم في إطار قبول الدعوى، أي أن الدعوى لا تُقبل بحق نائب بسبب إدلائه بآراء ومواقف أثناء نيابته، والمادة 40 التي استندت إليها القاضية عون في الكلام عن إمكانية الملاحقة، والتي تقول “إنه يمكن ملاحقته في الأفعال التي يُقدم عليها بإذن المجلس النيابي ما خلا حالة التلبس بالجريمة”، ولما كانت قد اعتبرت القاضية عون أنها قد ادّعت فيما كان زياد حواط متلبّساً بالجريمة، أي بالجرم المشهود، فهذا يستقيم عندما تكون الأفعال المنسوبة إلى النائب تستند إلى أفعال منصوص عنها في قانون العقوبات اللبناني. أما الواقع فيؤكّد أن ما قام به حواط هو إبداء رأي، ولم يتضمّن كلامه أيّ قدح أو ذم، بل كان كلاماً متّزناً، يتّسم بالوصف لما يراه من مسار لهذه التحقيقات، ولديه حصانة شاملة ولا إمكانية لمقاضاته بأيّ شكل من الأشكال”.
استناداً إلى كل هذه الثوابت القانونية لا يمكن للقضاء أن يوقف النائب زياد حواط. أمّا بشأن مثوله أمام قاضي التحقيق، فيقول مالك: “في حال أُبلغ النائب حواط – خصوصاً أنه حتى تاريخه لم يُبلّغ أصولاً – أعتقد أن محاميه سيقصد مكتب قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان، وسيتقدم بدفوع شكليّة، سنداً لأحكام المادة 73 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وسيدلي بعدم الصلاحية، وبوجود سبب يحول دون السير بالمحاكمة، ألا وهو الحصانة النيابية الشاملة”.
ويضيف: “ليس هناك من صلاحية لقاضي التحقيق النظر في هذه الدعوى، وأيضاً هناك سبب أساسيّ وجوهريّ يحول دون سماع الدعوى هو وجوب الاستحصال على إذن المجلس النيابي”. وفي الإطار، يوضح مالك، أنه “حتى المجلس لا يستطيع إعطاء الإذن لا سيّما أنّ الفعل المنسوب إلى حواط هو إبداء آراء وأفكار ضمن مدّة نيابته”، مجدّداً التأكيد أنه “يتمتع بحصانة شاملة ولا يمكن نزعها عنه بأي شكل من الأشكال”.
قد يكون من الطبيعي السؤال عن سبب إقدام القاضية غادة عون على عمل نتيجته خاسرة حتماً، لكن باعتقاد مالك أن “خطوة القاضية عون هي لتسجيل موقف فقط، وقد تكون رسالة إلى جميع الأفرقاء الذين يتعمّدون مهاجمتها عبر وسائل الإعلام أنّها لم تتوان عن الادعاء على نائب الأمّة فكيف بالأحرى هم؛ وبالتالي هو ضرب من ضروب التهويل الذي تعتمده القاضية من أجل إسكات الأصوات التي تنتقدها في سياق عملها”.