أسعار المنتجات الوطنية تفوق المستوردة!
منذ إقرار موازنة عام 2022 ودخولها رسمياً حيّز التنفيذ، بدأت الضرائب تنهال على المواطنين اللبنانيين من كلّ حدب وصوب، بدءاً من ضريبة الجمارك على السلع المستوردة، والتي ارتفعت من 1500 ليرة إلى 45 ألف ليرة، مروراً بضريبة الـ10% التي ستفرض على السلع المستوردة التي يصنّع لها مثيل في لبنان بكميات تكفي الاستهلاك المحلّي، تحت ذريعة حماية الصناعات اللبنانيّة (لم تطبق بعد)، ووصولاً إلى ضريبة الـ3% وتطال كافة السلع الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة، أيّ أنها ستضاف على ضريبة الـTVA الـ11%. (وسيبدأ العمل بها فور انتهاء وزير الاقتصاد ووزير الصناعة من إعداد لائحة السلع، على أن تشملها بعض الاستثناءات للسلع الغذائيّة خصوصاً).
وعلى الرغم من تأكيد كلّ من وزير الاقتصاد أمين سلام، ووزير الصناعة جورج بوشيكيان والتجار والصناعيين بأنّ هذه الضرائب لن تؤثّر على المنتج المحلّي، إلاّ أنّ الفارق بين السلع المحليّة والمستوردة بدا واضحاً على رفوف السوبرماركات، حتى قبل أن تشملها الضرائب الجديدة.
الصناعات الأجنبيّة تتفوّق على المحليّة
وبمقارنة بسيطة بين بعض أسعار السلع المستوردة والمحليّة يتبيّن لنا الآتي:
الجبنة البيضاء المبروشة من ماكسيمس (صناعة لبنانية) 350 غرام بـ4.98$ مقابل جبنة بوك السعوديّة 400 غرام بـ 4.33$، وبانغوان المصريّة 400 غرام بـ3.45$ وسمادس المصريّة أيضاً 350 غرام بـ3.35 $. إذاً بإمكان الفرد الحصول على كميّة أكبر وبسعر أقلّ.
أمّا زبدة الكاري (صناعة وطنيّة) فالـ200 غرام بـ1.32$ مقابل زبدة zer التركية 200 غرام بـ0.55$ وغولدينا التونسيّة 200 غرام بـ0.89$.
أيضاً، جبنة الكاشكافال من ماكسيمس 400 غرام بـ6.49$ مقابل كاشكافال التركية Hajdu 350 غرام بـ 4.42$ وplein soleil الهنغاريّة 350 غرام بـ 5.26$.
وإذا انتقلنا إلى الأسماك نجد أنّ كيلو سمكة الفيليه صناعة صينيّة بـ4.07$ مقابل 4.3$ للكابتن فيشر صناعة الفيتنام و4.61$ للكاري اللبنانية.
أمّا السباغيتي الطويلة فيبلغ سعر الربطة التركيّة 500 غرام 0.5$ مقابل الكاري اللبنانيّة 500 غرام بـ0.65$.
وإذا انتقلنا إلى المعلّبات نجد أنّ علبة فول الوادي، صناعة لبنانية، ثمنها 0.7$ مقابل 0.31$ لعلبة فول أمريكانا المصريّة. فيما علبة البازيلا أورلي صناعة أجنبيّة ثمنها 1.7$ مقابل ماكسيم اللبنانيّة 1.81$. أيضاً علبة الخضار المشكّلة الفرنسيّة من ماركة ديلي يبلغ سعرها 1.3$ مقابل 1.7 دولار لماكسيم اللبنانيّة. وبين علبة الذرة الصينيّة دونيا واللبنانيّة كاري، تحظى الصينيّة بسعر تنافسي أكبر 0.9$ مقابل 1.15 $ للوطني. والأمر نفسه ينطبق على علبة التونا لابيلا الفيتناميّة وسعرها 1.14$ مقابل 1.25$ لتونا كاري اللبنانية.
وبالتالي، بدا واضحاً من جردتنا البسيطة أنّ سعر السلع المحليّة اللبنانية يضاهي أو يفوق سعر تلك المستوردة، على الرغم من أنّ المواد الأوّلية المستخدمة بالصناعة المحليّة معفيّة من الضرائب ومن الدولار الجمركي.
اللبناني يتراجع على حساب التركي والصيني والمصري
وفي هذا الإطار يوضّح رئيس نقابة أصحاب الصناعات الغذائية، منير البساط، في حديثه لـ”المدن” أنّ “لا مجال للمقارنة بين الصناعات اللبنانيّة والمصريّة والسعوديّة والتركيّة والصينيّة. لأنّ هذه الدول تدعم الاستيراد، والانتاج المحلّي عبر عدّة تحفيزات أوّلها في مجال الطاقة، حيث يدفع الصناعيّون في تلك الدول ربع الكلفة التي يدفعها اللبنانيون. والأمر نفسه يسري على كلفة الإنتاج، والتي تأتي أقلّ بكثير على الصناعي الأجنبي من اللبناني”.
وشرح أنّ في لبنان “لا وجود لمعامل تصنع الزبدة، ولا جبنة الموزاريلا ولا القشقوان. ما يعني أنّ هذه المصانع اللبنانيّة إمّا استوردت البضائع من الخارج أوعدّلت فيها، والأمر نفسه ينطبق على سمك الفيليه، حيث تقوم الشركات اللبنانيّة باستيراده وتعليبه في لبنان”.
وعن اختلاف أسعار المعلّبات اعتبر أنّ “أسعار المعلّبات اللبنانيّة أغلى من المستوردة، لأنّ المصانع اللبنانيّة التي تنتج المعلبّات كالوادي الأخضر، تستورد علب التنك من الخارج، وهذه الأخيرة تخضع للدولار الجمركي، بينما الدول الأخرى تصنّعها في بلد المنشأ وتقوم بتعبئتها لتعود وتصدّرها إلينا”.
ما يؤكّد أنّ الدولار الجمركي يطال أيضاً بعض المواد الأساسيّة أو الأوليّة المستوردة، والتي تدخل في عمليّة التصنيع. ما يصعّب على الصناعي اللبناني منافسة الصناعات الأجنبيّة، بما أنّ المواد الغذائية المصنّعة في لبنان تعتمد بشكل أساسي على مواد أوّلية مستوردة.
المشكلة في كلفة الانتاج المرتفعة
وشدّد على أنّ “الصناعيين لطالما اشتكوا من كلفة الإنتاج المرتفعة في لبنان، والتي تعدّ من أغلى التكاليف حول العالم، وما زاد الأمر سوءاً هو التسعيرة الجديدة للطاقة والتقلّبات اليوميّة بأسعار المحروقات، فيستحيل على أيّ صناعة محلّية أن تنافس الأجنبيّة في الوقت الذي تولّد هي بنفسها طاقتها الكهربائيّة. فالمصانع في هذه الدول تدفع 3 سنت مقابل الكيلووات الواحد فيما نحن نتكلّف 50 سنتاً”.
ويتفهّم البساط تفضيل المستهلك الصناعات الأجنبيّة على اللبنانيّة، “القدرة الشرائيّة للمواطن اللبناني لم تعد تسمح له بتشجيع الصناعات اللبنانيّة بما أنّ سعر هذه الأخيرة أعلى من الأجنبيّة. ليبقى الحلّ برأيه هو أن تقوم الدولة اللبنانيّة بوضع خطّة تسمح لها أن تصّدر سلعاً أكثر ممّا تستورد، ما ما يدخل عملات صعبة على البلد وينعش الاقتصاد. إلى جانب تحسين شروط الاتفاقيّات التجاريّة بين لبنان والبلدان الأخرى”.
ولا ينكر أنّ شعار “اشترِ لبناني وأمّن فرص عمل للشباب اللبناني” هو شعار جميل، لكنّه يبقى شعاراً ضعيفاً أمام الوضع الاقتصادي الصعب وانخفاض القدرة الشرائيّة للأفراد، والتي تحتّم عليهم اختيار أصناف معيّنة في سلّتهم الغذائيّة على حساب أصناف أخرى”.
رفع ضريبة الجمرك يقضي على إمكانيّة المنافسة
وعن الدعم الذي تقدّمه الدولة للصناعيين يعلّق “لم تطالب جمعيّة الصناعيين الدولة يوماً بأيّ دعم للصناعة المحليّة، ولكن كلّ ما نطمح إليه هو أن تعمل الدولة على تخفيف كلفة الإنتاج. ففي الوقت الذي تسعى فيه الدولة إلى زيادة إيراداتها عبر رفع ضريبة الجمرك، هي تصعّب فرص منافسة القطاع الصناعي في لبنان للسلع الأجنبيّة.. فالمواد الأوليةّ المعفاة من الضريبة بمعظمها زراعيّة كالقمح والسكرّ، ويحقّ لنا كصنّاع إدخالها من دون دفع الضريبة الجمركيّة. ولكن يتوجّب علينا أوّلاً إثبات أنها تدخل في صناعتنا. من جهّة ثانية، تمّ توقيف العمل بتعرفة الكهرباء المخفّضة للصناعيين منذ العام 2019، حين كانت التعرفة سابقاً موحدة ومقطوعة، فيما اليوم أصبحت تعرفة الكهرباء مرتفعة جداً. هذا، ولجأ معظم الصناعيين إلى تأمين مولدات خاصّة لتشغيل مصانعهم. فيما تبقى الإيجابيّة الوحيدة في الإعفاء الذي تقدّمه الدولة للصناعيّين على ضريبة الأرباح من دخل التصدير، والتي تصل نسبتها إلى 50%. ولا شكّ أنّ هذه الخطوة تحفيزيّة لكنها غير كافية، فالمشكلة الرئيسيّة هي بكلفة الإنتاج المرتفعة”.
ويتفاءل البساط “بارتفاع حصّة الصناعة اللبنانيّة من السلع الاستهلاكيّة كالأكل والشرب والشامبو والورقيّات”، والتي بحسب تقديره “انتقلت من 20% قبل الأزمة إلى 50% اليوم”.
وبناء على ما تقدّم نستنتج أن السياسات الضريبيّة التي تعتمدها الدولة البنانيّة، لا تؤثّر على القدرة الشرائيّة للمواطنين اللبنانيين وحسب، بل تقضي على حظوظ الصناعات اللبنانيّة بمنافسة الصناعات الأجنبيّة. وإذا ما استمرّ الوضع على ما هو عليه، قد تلجأ العديد من المصانع إلى إقفال أبوابها ونقل عملها إلى الخارج. في الوقت الذي نحن بأمسّ الحاجة فيه إلى الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى المنتج كأولى خطوات الخروج من أزمتنا الاقتصاديّة.