فرنجية مطمئناً: أنا الرئيس..
يقلّل سليمان فرنجية من الإطلالات والتصريحات. يغيب عنها على الرغم من التداول باسمه كمرشح لرئاسة الجمهورية. يصر على البقاء بعيداً من بيروت، حيث يرتاح في منزله ببنشعي، هو الذي لا يترك المنطقة إلا نادراً. غالبية لقاءاته السياسية والديبلوماسية يعقدها هناك، ولكن تبقى هناك استثناءات ترتبط بمواعيد لا بد منها في العاصمة، كما كان يحصل معه سابقاً، فيختار جناحاً في أحد الفنادق لعقد لقاءاته والعودة إلى الشمال. وللشمال حكاية لدى فرنجية. إذ يحاول دوماً إبعاده عن سياق الحروب التاريخية لجبل لبنان، سواء بين أهل “الجبل” من طائفة واحدة أم حروب طائفية، أو بينهم وبين الآخرين. لذلك يحرص على الامتداد الطرابلسي والعلاقة التاريخية بين سليمان فرنجية الجدّ والرئيس رشيد كرامي، وتلك التي يحرص الرجل على استمراريتها مناطقياً واجتماعياً مع مختلف المكونات. يخرج الرجل من خلفية ذهنه الصراع التاريخي بين بشري وزغرتا أيضاً، منذ أيام المقدمين. وكان قد خرج سابقاً من مسألة الصراع الاحترابي مع القوات اللبنانية، بمصالحة سمير جعجع.
علاقات واضحة
على هذه القاعدة، ينظر فرنجية إلى نفسه كنقطة وصل لا تفريق. فهو المرشح الدائم لرئاسة الجمهورية، وتحديداً في هذه المرحلة. فهو الأقوى بالنسبة إليه ولقراءاته وللأرقام التي في حوزته. في دردشة غير رسمية معه بين طرائد صيده، تكاد أن تكون مواقفه كلها معروفة، فلا يتراجع عنها، من العلاقة الاستراتيجية والصادقة مع حزب الله، إلى العلاقة القوية مع الرئيس نبيه برّي، وهو الذي لا يتخلى عن مجاهرته في علاقته القوية مع سوريا الأسد، ولطالما أكد أن “الأسد أكثر من أخ”، والعلاقة معه سياسية، عائلية، شخصية وأخوية. لا يحتاج موضوع علاقته مع دمشق إلى الإكثار من الحديث، بخلاف الآخرين. فهو الذي كان وبقي إلى جانب الأسد في أحلك الظروف، بخلاف الذين يسعون إلى ترتيب العلاقة معه حسب المصلحة وما تقتضيه.
حساب المسيحيين
يصمت الرجل لدى استهدافه من بوابة التمثيل المسيحي أو من بوابة الميثاقية. هذا المنطق بالنسبة إليه لا يستقيم، فلا احد يمكنه الطعن بميثاقية أحد. كما يرفض مبدأ أن “المسيحيين مستهدفين”. فلا أحد يستهدفهم بقدر ما هم يستهدفون أنفسهم، منذ ما قبل الطائف إلى الآن. ففي العام 1989 تقاتل المسيحيون فيما بينهم على النفوذ والسلطة، فجاءت التسوية على حسابهم، والخوف اليوم من أن يتكرر السيناريو نفسه، من خلال أي تسوية قد تلوح في الأفق إقليمياً، سواء كانت سعودية- إيرانية، أم سعودية- سورية. وبحال لم يواكبها المسيحيون فستكون على حسابهم. أما عن الشعارات المرتبطة بأن المواقع المسيحية مستهدفة في الدولة، فإن هذا المنطق يبدو خاطئاً بالنسبة إلى فرنجية، لأن بعض “عتاة” المسيحيين يضعون أنفسهم في مواجهة مع الجميع ويصارعون الجميع، وعندما تأتي الطوائف الأخرى لتدافع عن نفسها ومكتسباتها أو مواقعها.. يخرج هؤلاء المسيحيون ليشيعوا أنهم يتعرضون للحرب. هذا المنطق يبدو أخطر ما يتعرض له المسيحيون، لأن مثل هذه الطروحات تدفع البعض إلى رفع شعارات الفيدرالية أو التقسيم، أو تدفع آخرين للتفكير بالذهاب إلى مغامرات تشبه الحروب. يرفض أن يكون المسيحيون قوى تعطيلية لكل الاستحقاقات.
يرفض أن يكون في موقع المختلف مع الجميع. سعى في الفترة الأخيرة إلى فتح خطوط التواصل وكل القنوات مع القوى السياسية المختلفة، الحلفاء وغيرهم. بخلاف القوات اللبنانية التي تدخل في صراع مع حلفائها، لا سيما تيار المستقبل والسنّة، بالإضافة إلى الاختلاف مع الحزب التقدمي الاشتراكي. والأمر نفسه ينطبق على التيار الوطني الحرّ، الذي دخل مؤخراً في خصومة مع حزب الله ومع رئيس مجلس النواب. أي الخلاف مع الحلفاء إلى جانب الخلاف مع الخصوم. من هنا يصر فرنجية على أن يتقدم بصورة مختلفة لبناء العلاقات مع الجميع.
الرئاسة: عاجلاً أم آجلاً؟
هذه الظروف والوقائع، تجعله حسب ما يرى من يلتقيه أنه الأقرب إلى رئاسة الجمهورية. لأن أي معادلة ستكون قائمة، لا بد لها أن توفر شخصية ترضي الفريق الذي ينتمي إليه الرجل، أي ترضي تحالف قوى 8 آذار، على أن لا تكون هذه الشخصية استفزازية للآخرين ومقبولة منهم، فهو يعتد بعلاقته مع السنّة وأنه قادر على تحصيل عدد لا بأس به من أصواتهم، كما أنه قادر على تحصيل 10 أصوات لنواب مسيحيين بالحدّ الأدنى. وفي مقابل هذا الرئيس، فلا بد من اختيار رئيس للحكومة يرضي الطرف الآخر ويطمئنه أيضاً.
لا يبدو فرنجية مستعجلاً للانطلاق في حركة سياسية في سبيل الوصول إلى الرئاسة. يبدو مطمئناً نوعاً ما بأنها ستأتي عاجلاً أم آجلاً. فهو لم يسمع بأي فيتو داخلي أو خارجي عليه باستثناء فيتو القوى المسيحية، أي التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية. ولكن الديناميكية الداخلية قادرة على تجاوز هذه المسألة، طالما أن الدستور يضمن نصاب الثلثين وبالتالي الميثاقية متوفرة، ولا يمكن لأحد الذهاب إلى اختيار رئيس للحكومة خارج إرادة السنّة ومن دون أصوات نواب سنّة، ويتغاضى عن مبدأ الميثاقية، فيما يسعى إلى تطبيقه في رئاسة الجمهورية. وثانياً، من يتحدث عن التمثيل وصحته فلينظر إلى نتائج هذا القانون الانتخابي الذي أوصل نواباً بسبعين صوتاً.
سيناريو العام 2016
“أنا الرئيس” تلك معادلة ثابتة في حسابات فرنجية، وقراءته لتطورات الوضع داخلياً وخارجياً، الأهم أن يتم الذهاب إلى التسوية قريباً لأن الوضع لا يحتمل. يرى أن كل التطورات في الخارج تقود إلى وصوله، خصوصاً أنه لا بد من التوقف عند التقارب السعودي الإيراني، والسعودي السوري. وفق ما يعتبر، فإنه لم يتبلغ بأي فيتو من أي جهة حتى الآن. فالفرنسيون لا يمانعون وصوله، والأميركيون لا يضعون فيتو على انتخابه، فيما لم يتبلغ أي ممانعة سعودية. لكنه في المقابل لم يتبلغ أي موافقة سعودية.
إلا أن النظرة السائدة لا تزال تراهن على تكرار سيناريو العام 2016 عندما انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية بعد فراغ طويل. وكان لا بد من انهاء الفراغ. فسار الحريري في ركب التسوية من دون تدخل سعودي، وكان ما كان. اليوم يمكن للأمر أن يتكرر، وفي حال لم تبد السعودية تدخلاً، فإن فرنجية سيكون قادراً على توفير 65 صوتاً من بينهم نواب سنّة، وعندها يمكن الدعوة لجلسة انتخاب. فبحال تم تعطيل النصاب من قبل القوى الأخرى ستنقلب مشكلتهم عليهم في التعطيل. أما بحال لم يتم التعطيل، فحينها سيكون رئيساً، لينصب التركيز على كيفية طمأنة السعودية ووقف الحملات ضدها.
يسجّل فرنجية نقطة أنه المرشح الرئاسي الوحيد الذي قال إنه قادر على تحصيل من حزب الله ومن سوريا ما لا يمكن لأحد تحصيله. فيعود الرجل إلى معادلته المنطقية ذاتها، رئيس يطمئن محور المقاومة، ورئيس للحكومة يطمئن الفريق الآخر. هذا المخرج الوحيد للفراغ ولإنجاز التسوية. أما بحال لم يحصل ذلك، وذهبت الأمور باتجاه آخر، فهذا يعني أن ما جرى هو أكبر من الجميع في الداخل والخارج.
المصدر: المدن