“الثنائيّ الشيعيّ” يتجه نحو معادلة فرنجية أو الفراغ.. ولكن!
ما تزال غالبية القوى السياسية النافذة عالقة على شجرة مواقفها من موضوع الانتخابات الرئاسية، فالثنائي الشيعي ما زال متمسكاً بمرشحه غير المعلن رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية والقوى السيادية التي بقيت تصوّت للنائب ميشال معوض حتى آخر جلسة لانتخاب الرئيس ما زالت ترفض السير بمرشح من قوى 8 آذار اعتراضاً على تكرار تجربة الرئيس ميشال عون في الحكم التي أوصلت البلاد نتيجة سياسات العهد وتحالفه مع حزب الله إلى الانهيار المتدحرج. وإذا كان رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل يعترض على ترشيح فرنجية، فإن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي اقترح سلّة أسماء للخروج من الانسداد الرئاسي ليس بينها فرنجية ولا معوض، وتتضمن هذه السلّة قائد الجيش العماد جوزف عون والوزير السابق جهاد أزعور والنائب السابق صلاح حنين، إلا أن حزب الله و«حركة أمل» يصرّان على الحوار للتوافق على الاستحقاق الرئاسي لم يتجاوبا مع طرح جنبلاط، ما عزّز الاعتقاد أن هذا الثنائي يطرح الحوار للتوافق على فرنجية، محاولاً فرض معادلة إما فرنجية أو الفوضى أو الفراغ المفتوح.
وإذا كان حزب الله نجح بين عامي 2014 و2016 في تطبيق معادلته: ميشال عون أو لا رئيس، مستفيداً من اتفاق المصالحة المسيحية الذي عقدته القوات اللبنانية في معراب مع التيار العوني وسير الرئيس سعد الحريري بالتسوية الرئاسية على قاعدة أن الحفاظ على الهيكل أفضل من سقوطه، إلا أن الزمن الأول تحوّل وهذه المعادلة لم تعد تصح حالياً بعدما تبيّن أن الفريق الممانع يستغل حرص الفريق السيادي على البلد لفرض أجندته وقيادة البلد نحو الأسوأ، فضلاً عن أن فريق الممانعة لم يعد يمتلك أوراق القوة التي تمكّنه من إيصال مرشحه الرئاسي، وهذا ما يفسّر توتر أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في اطلالته الأخيرة، حيث وصلته رسائل الفريق السيادي عبر الإعلام بأن التنازل صار وراءنا ولن يتم السماح بوصول رئيس ممانع ومعاد للدول العربية والخليجية وأن المخرج الوحيد هو انتخاب رئيس إنقاذي واصلاحي.
وإذا كان الاجتماع الخماسي في باريس الذي ضمّ فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والسعودية وقطر ومصر لم يتخذ قراراً واضحاً بدعم ترشيح رئيس بعينه بسبب التباينات في الموقف من فرنجية من جهة ومن قائد الجيش العماد جوزف عون من جهة أخرى، فإن رمي الكرة الرئاسية في ملعب بكركي هو أمر غير بريء خصوصاً أن فريق التعطيل معروف ومن غير الجائز تحميل الموارنة مسؤولية عدم انتخاب رئيس، لأن الأزمة وطنية وليست مسيحية، وبالتالي تقع المسؤولية على مَن يصادر رأي طائفة بكاملها وليس على طائفة تتميّز بتعدديتها وبتنوّع خياراتها السياسية.
ولكن على الرغم من ذلك، كلّف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي راعي ابرشية انطلياس المارونية المطران أنطوان أبو نجم القيام بجولة على القيادات المسيحية والمرشحين المحتملين للرئاسة، فزار كلاً من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب سامي الجميّل ورئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية ورئيس «حركة الاستقلال» ميشال معوض والنائب نعمة افرام والوزير السابق زياد بارود، وإستمع إلى آرائهم من الاستحقاق الرئاسي، وهي آراء ليست بخافية على أحد. فمعروف أن باسيل يضع فيتو مزدوجاً على فرنجية والعماد عون ويقترح سلسلة اسماء بينها جهاد أزعور وزياد بارود وبيار الضاهر، فيما جعجع لن يكرّر تجربة ميشال عون ويبدي الاستعداد للاتفاق على اسم تحت سقف بكركي يلتزم به كل النواب المسيحيين، ولا يمانع الجميّل ومعوض السير بخيار آخر شرط أن يكون المرشح سيادياً وإصلاحياً ويحمل برنامجاً واضحاً، أما فرنجية فلا يعتبر نفسه مرشح حزب الله ولا مرشح تحد ويبدي استعداده ليكون مرشحاً توافقياً.
وخلافاً لما تسرّب عن فشل لقاءات المطران ابو نجم مع القيادات المسيحية، فإن راعي الأبرشية لم يشأ الحديث عن الوصول إلى حائط مسدود. وينطلق البعض في تقويم جولة أبو نجم من مدى نجاحه في التحضير للقاء القيادات المسيحية في بكركي أو في كسر الجليد بين التيار والقوات، في حين أن البطريرك في غنى عن تحمّل فشل لقاء مسيحي موسّع في بكركي وعن تحميل الموارنة والمسيحيين مسؤولية عدم انتخاب رئيس. وقد أجاب البطريرك بوضوح على كل من يطالبه القيام بمبادرة رئاسية بقوله «إن الكرسي البطريركي ما توانى يوماً عن تحمل المسؤولية ويتمنى على جميع القوى السياسية أن تشاركه المسؤولية ليكون النجاح حليفنا» ويعتبر أنه «إذا كان رئيس الجمهورية مارونياً فالناخبون ليسوا جميعهم موارنة ومسيحيين. وإذا كان جزء من مسؤولية الشغور الرئاسي يتحملها القادة المسيحيون، فالمسؤولية الكبرى تقع على غيرهم. لأن المسيحيين مختلفون على هوية الرئيس بينما الآخرون مختلفون على هوية الجمهورية». ويضيف «ليس خوفنا أن تتغيّر هوية رئيس الجمهورية المارونية وطائفته، بل أن تتغيّر سياسته ومبادئه ويلتحق بسياسات ومحاور ودول تجاهد ليل نهار للسيطرة على البلاد وتحويلها إقليماً من أقاليمها».
من هنا، فإن البطريرك الراعي وعلى الرغم من تشديده على ملء الشغور الرئاسي في أسرع وقت لكنه لا يلتقي كثيراً مع مَن يبدّون الرئاسة كيفما كانت على الرئيس ومشروعه سواء داخل لبنان أو في عواصم القرار.