بعد الحكم البريطاني.. بانتظار معرفة مفجِّري المرفأ
استنشق أهالي ضحايا انفجار المرفأ رائحة الأمل مجدداً، بعد صدور أول حكم قضائي دولي يثبت مسؤولية إحدى الجهات المتورطة في هذا الانفجار، فيما لا يزال الملف نفسه عالقاً داخل القضاء اللبناني منذ أكثر من عام. وسرعان ما طُرحت أسئلة كثيرة حول أهمية هذا القرار القضائي في سير التحقيقات اللبنانية، وإن كانت التعويضات المادية ستشمل جميع أهالي الضحايا أو لفئة محددة منهم. لذا، كان من الضروري تسليط الضوء على هذه الأسئلة والتحقق منها لطرح الإجابات الصحيحة.
تحقيق دولي
في تاريخ الثاني من آب 2021، تقدم مكتب الإدعاء في نقابة المحامين في بيروت بدعوى مدنية أمام محكمة العدل العليا البريطانية ضد الشركة الإنكليزية “سافارو ليمتد”، المسؤولة عن شحنة نيترات الأمونيوم التي فُجّرت في مرفأ بيروت في الرابع من آب عام 2020، وصدر حكم حينها بوقف عملية التصفية التي أطلقتها الشركة في أوائل عام 2021 للتنصل من مسؤولياتها.
وبناءً على الدعوى المقدمة وبعد عقد عدة جلسات، وإجراء التحقيقات اللازمة، أصدرت المحكمة العليا حُكماً قضائياً بتحميل شركة “سافارو ليمتد” المسؤولية تجاه الضحايا الممثلين في هذه الدعوى، فيما ستكمل المحكمة مرحلتها الثانية من المحاكمة لتحديد قيمة التعويضات التي تستحقها كل ضحية.
دعوى مدنية
وهنا يجب أن نوضّح أنها دعوى مدنية ضد شركة “سافارو ليمتد” لمطالبتها بالعطل والضرر، ومقدمة من أربع ضحايا (واحد منهم لا يزال على قيد الحياة ومصاب بضرر جسدي دائم)، وليست دعوى جزائية، وتهدف لإثبات مسؤولية شركة “سافارو ليمتد” تجاه المتضررين، إضافة لإدانتها بتحميل وإدخال مادة نيترات الأمونيوم المتفجرة التي دمرت مدينة بيروت.
وتوضيحاً لما عُرض أعلاه، أشار المحامي البروفسور نصري دياب، في حديثه لـ”المدن”، أنه وفقاً لما ذكر في البيان الرسمي الصادرعن مكتب الإدعاء في نقابة المحامين في بيروت، فإن الدعوى البريطانية هي دعوى مدنية وليست جزائية، وبالتالي منفصلة عن الدعاوى اللبنانية. وأنهم تقدّموا بها بالتعاون مع مكتب المحامين Dechert في آب عام 2021، بالوكالة عن 4 ضحايا فقط للمطالبة بالتعويض عن الضرر الجسدي والمادي والمعنوي الذي أصابهم.
وحول المرحلة المقبلة أوضح دياب: “أنه وبعد صدور الحكم البريطاني، ستبدأ المرحلة الجديدة التي تهدف إلى تحديد مبلغ التعويضات المستحقة لهؤلاء الضحايا والتي سيحكم على الشركة أن تدفعها لهم، على أن ينطلق العمل في دراسة كيفية تحديد هذا المبلغ لكل ضحية وفقاً لظروفها الشخصية، وهو الأمر الذي سيتطلب بضعة أشهر سيتم خلالها تسليم المحكمة البريطانية لوائح ودراسات وتقارير فنية وطبية وغيرها، على أن تصدر المحكمة حكماً ثانياً يحدد قيمة المبالغ”.
مساران منفصلان
وفيما يخصّ الدعاوى اللبنانية، يتابع دياب، أنها تسير في مسار مختلف وهي عبارة عن دعاوى جزائية أمام المحقق العدلي، طارق البيطار، ويُمثّل فيها مكتب الإدعاء حوالى 1200 ضحية.
هذا وقد حدد الحكم البريطاني مسؤولية الشركة من بين مجموعة من المسؤولين عن سلسلة الأحداث التي بدأت في 2013 وأدت عام 2020 إلى انفجار المرفأ. الأمر الذي يعني أن سائر الدعاوى العالقة أو التي سترفع في لبنان والقضاء الخارجي ستؤدي إلى تحديد مسؤولية سائر الأطراف المعنية ومعاقبتهم.
ويؤكد دياب على استقلالية الدعوى البريطانية عن الدعاوى اللبنانية، ولكنها ستعطي القضاء اللبناني إمكانية الاستفادة من المعطيات والمستندات التي تم الكشف عنها خلال المحاكمة في بريطانيا.
“سافارو ليمتد” مُدانة!
وإن كانت أهداف هذه الدعوى هي تثبيت مسؤولية شركة “سافارو ليمتد” في قتل مدنيين وإلحاق الأضرار الجسدية بهم جراء انفجار مادة نيترات الأمونيوم، غير أن أهدافها الأساسية تنحصر في إدانتها بمسؤولية مدنية، وفي استفادة القضاء اللبناني من التحقيقات التي أجرتها المحكمة البريطانية العليا، وذلك عن طريق الحصول على عدد أكبر من المستندات والمعلومات والإفادات التي ستساهم في تقدّم التحقيق اللبناني في حال أكد حاجته لها واستعان بها. كما أن التحقيقات الدولية من الممكن أن تظهر الخيوط الخفية في قضية المرفأ، كأسماء المتورطين في إدخال هذه المواد المتفجرة، والمخزنين لها، والمفجرين أيضاً، وهي سلسلة طويلة من التحقيقات.
تورّط أحد المدعي عليهم
وحسب المحامي شكري حداد، فإن القرار القضائي الدولي يدين الشركة بشكل مباشر. وهو الأمر الذي بإمكانه مساعدة التحقيقات القضائية اللبنانية، حيث أن التحقيقات البريطانية قد أثبت تورط أحد من المدعي عليهم في ملف المرفأ عند القضاء اللبناني، معتبراً أن القرار البريطاني سيعطي أملاً للبنانيين لإمكانية الوصول إلى العدالة المطلوبة. من أجل ذلك، فإن مكتب الإدعاء في حالة متابعة ومناقشة دائمة لتقديم دعاوى وإجراءات جديدة لمتابعتها في القضاء الدولي.
ولهذا القرار الدولي تأثيره الإيجابي على أهالي ضحايا المرفأ، الذين وضعوا ملف المرفأ قضية أساسية في حياتهم اليومية. فهو بمثابة خيط من الأمل، راجين الوصول إلى الحقيقة كاملة ومعاقبة المسؤولين عن فاجعتهم.
وتمنّت والدة الضحية أحمد قعدان في حديثها لـ”المدن” أن نكون أمام الخطوة الأولى من الوصول إلى حقيقة ما حدث في الرابع من آب، نحو معاقبة الفاعلين. معتبرةً أن ما من شيء قادرعلى إراحة نفوسهم وطمأنة قلوبهم. فلن يتمكن المال من إحياء الموتى أو تجميع الأشلاء المقطعة. واختتمت بالقول: “سنسعى دائماً للحصول على الحقيقة وتحقيق العدالة، علّ أرواح الضحايا ترقد في سلام بقبورها، ولن نرتاح قبل أن تعلّق المشانق لقاتلي ضحايانا”.
خطوة إيجابية
هذا وقد اعتبر نقيب المحامين، ناضر كسبار، أن هذه الدعوى أثبتت حق المتضررين. إذ كان من الممكن أن تفرض علينا المحكمة البريطانية غرامة مالية تصل إلى مئة ألف دولار أميركي في حال ردت الدعوى وتبين معها أننا على غير حقّ. ومن شأن هذا القرار التأثير إيجاباً على مسار التحقيقات اللبنانية في حالة واحدة، وهي عدم امتلاك القضاء اللبناني للمعلومات والوقائع والحقائق والإفادات التي توصلت إليها المحكمة البريطانية خلال التحقيقات.
ولكن لا يخفي بعض المتابعين للتحقيقات الدولية أن العدالة ملتصقة ومرتبطة بالقضاء اللبناني، ومئات الأحكام الدولية لن تخدم ملف التحقيقات القضائية اللبنانية، إلا لحظة عودة الحياة إلى ملف المرفأ المجمد منذ أشهر طويلة.
التخلص من العراقيل
في السياق نفسه، يصف كسبار القرار البريطاني بأنه “المخدر الموضعي” بالرغم من أهميته الكبرى، وأن الخطوة الأولى لتحقيق العدالة هي معالجة مشاكل دعاوى الرد في قضية المرفأ، والوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف.
واعتبر كسبار أن آلاف التحقيقات الدولية لن توصل التحقيقات اللبنانية إلى العدالة قبل معالجة مشاكل الملف داخلياً، وإلا سيبقى على حاله أكثر من مئة عام، مشدداً على ضرورة اقتران التحقيقات اللبنانية بالقرار الاتهامي، قائلاً: “لا أؤيد الطريقة الأخيرة التي اعتمدها المحقق العدلي طارق البيطار في تحقيقاته، وكنت أتمنى لو رسم خريطة أخرى لمعالجة هذا الأمر، كأن يطلب من المدعى عليهم الحضور كشهود في المرحلة الأولى، ومن ثم استجوابهم كمدعى عليهم، ولحظة تخلفهم عن الحضور، يُدّعى عليهم ويُصدر القرار الاتهامي، فإن عدم معالجة هذا الملف والتخلص من العراقيل المسيطرة عليه سيُبقى القضية “مجمدة” مدى الحياة”.
إذا، من الممكن أن يساهم القرار البريطاني في دعم مسار التحقيقات اللبنانية، غير أننا لا نخفي أن الملف اللبناني بات في حاجة إلى”عصا سحرية” لإخراجه من أزماته وإعادته إلى الحياة مجدداً.
المصدر: المدن