هلع الزلازل… أين أصابت وأين أخطأت توقعّات الخبير الهولندي؟
مع تكرار الأنشطة الزلزالية والهزات في دول الشرق الأوسط، ولا سيما بعد أن توقّع خبير الزلازل الهولندي فرانك هوغربيتس، حدوث الزلزال المدمِّر الذي وقع في تركيا وسوريا، لا يزال الرجل يثير الجدل، إثر سلسلة توقعات أطلقها تعارض النظريات العلمية السائدة، وأصاب البعض منها.
ورغم أنّه، كلّما أصدر تغريدة يذكر فيها أنّه لا يمكن توقّع تاريخ الزلازل وتوقيته ومكانه، يعود ويتوقّع وقوع زلزال خلال فترة زمنية يحدّدها. وبعد وقوع الزلزال، يعيد نشر تغريدته التي تنبّأ فيها بوقوعه.
وفيما يبني الخبير فرانك هوغربيتس توقّعاته على نظرية مفادها أنّ لحركة الكواكب ومواقعها تأثيراً على الزلازل، يبرز السؤال: أين أصابت وأين أخطأت توقعاته؟
توقعات أصابت
- زلزال جنوب تركيا وشمال سوريا في 6 شباط 2023 بقوة 7.8 درجات على مقياس ريختر. توقّع الخبير حدوثه بين 4 و6 شباط في منطقة الشرق الأوسط في منطقة جنوب تركيا والأردن ولبنان، قبل 3 أيام من وقوعه.
- زلزال جنوب تركيا وشمال سوريا في 20 شباط 2023 بقوة 6.3 درجات على مقياس ريختر. توقّع الخبير حدوثه بين يومي 20 و22 شباط 2023 من جملة زلازل طالت دولاً أخرى أيضاً، قبل يومين من حدوثها.
- زلزال طاجيكستان في 23 شباط 2023 بقوة 6.8 درجات على مقياس ريختر، بحيث أعاد الخبير، بعد حدوث هذا الزلزال، نشر تغريدته التي توقّع فيها نشاطاً زلزالياً بين يومي 20 و22 شباط 2023، لإثبات صحة أقواله.
توقعات أخطأت
- توقّع الخبير حدوث زلزال في منطقة الشرق الأوسط في منطقة جنوب تركيا والأردن ولبنان، قبل 3 أيام على وقوع زلزال تركيا في 6 شباط. إلّا أنّ زلزالي لبنان والأردن لم يحدثا.
- حركة الكواكب والأقمار، بحسب الخبير، تشير إلى وقوع زلزال أقوى محتمَل في منطقة الشرق الأوسط وتحديداً في دول مصر ولبنان والأردن، و”قد يكون خلال أسبوع وفقاً لحركة الكواكب”. لكن لم يحدث أي زلزال في أي من هذه الدول، باستثناء 3 هزات أرضية في مصر في 24 شباط 2023، وهزات ارتدادية في لبنان من جراء زلزال تركيا وسوريا.
كذلك، توقّع الخبير أمس، حدوث بعض الأنشطة الزلزالية في الفترة ما بين 25 و26 شباط الجاري، “لكن ربما ليست كبيرة، إلا أنّ الأسبوع الأول من شهر آذار سيكون حرجاً”، وفق تعبيره. فلننتظر إن كان سيصيب أم لا.
وبحسب هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، من المرجَّح أن تحدث الزلازل في الصباح أو في المساء بنفس القدر. وفيما أظهرت العديد من الدراسات في الماضي عدم وجود ارتباطات ذات دلالة إحصائية بين معدّل حدوث الزلازل والمدّ والجزر شبه اليومية عند استخدام كتالوغات الزلازل الكبيرة، فقد وجدت العديد من الدراسات الحديثة وجود علاقة بين المدّ والجزر (بسبب موقع القمر بالنسبة للأرض) وبعض أنواع الزلازل.
هل في العلم توقعات؟
من جهتها، كتبت عالمة الزلازل في جامعة ويسترن واشنطن، جاكي كابلان أورباخ، في رسالة إلى The Post، أنّه “تقلّ احتمالية حدوث توابع الزلزال مع مرور الوقت، كما تقلّ احتمالية وقوع أحداث كبيرة ومدمرة. ومع ذلك، يمكن أن تستمر هذه التسلسلات لأشهر أو حتى سنوات”. وبعد كل زلزال، تظل خطوط الصدع نشطة حيث تستمر قطع القشرة الأرضية في الاستقرار بعد الانزلاق، ويُحرَّر الضغط المكبوت على مدى عقود أو قرون في غضون ثوانٍ. لكن هذا في حدّ ذاته يمكن أن يؤدي إلى ضغوط جديدة. والتحدي المضاعَف هنا، هو أنّ من الممكن أيضاً أن يتسبّب الزلزال بحدوث زلازل أخرى بطريقة ليست تابعة تقليدياً للزلزال. فلدى الانزلاق، يتغيّر مجال الضغط في المنطقة، فيخفّ الضغط في بعض المناطق. لكن يُحتمل إضافته في مناطق أخرى، ويمكن أن يزيد ذلك من فرص حدوث نشاط قريب”.
وإذا حدث انزلاق على خط صدع آخر قريب، فقد يكون ذلك من الناحية الفنية حدث زلزال منفصل. وتشرح الأستاذة أنّه قد تجلّى ذلك بالفعل في تسلسل زلزال تركيا، إذ لا يزال علماء الزلازل منقسمين حول ما إن كان الزلزال الذي بلغت قوته 7.7 درجة ينبغي اعتباره تابعاً بقوة 7.8 درجة أم حدثًا منفصلاً.
ورأت الأستاذة في جامعة كورنيل، جوديث هوارد، أنّه على مدى الأسبوعين المقبلين، قد تكون بعض توابع الزلزال المدمِّرة توقّعاً واقعياً – والحق يقال- لا يمكن استبعاد وجود ضخم للزلازل في الأشهر القادمة. وسوف يتضاءل الخطر، لكن في منطقة نشطة زلزالياً مثل تركيا وشمال سوريا، تشكل الزلازل مصدر قلق دائم.
من جانبه، يؤكّد رئيس قسم وأستاذ فيزياء الفلك في جامعة سيدة اللويزة، الدكتور باسم صبرا، أنّه “علمياً، لا شيء يثبت تأثير مواضع وحركة الكواكب على الزلازل”. وفي حديثه لـ”النهار”، يوضح أنّه بالرجوع إلى الوراء آلاف السنين، وإذا ما أخذنا مواقع الكواكب بتواريخها وأحصينا بالمقابل عدد الزلازل، فسنجد أنّ هناك مصادفة تصل إلى حد 50 في المئة. وهنا نتحدّث عمّا نسمّيه بالعامية “طرّة نقشة”، أي إنّها مصادفة لا أكثر ولا علاقة علمية ولا منطقية في ما بين هذه المتغيّرات، على عكس ما ثبت علمياً وهو أمر مفروغ منه أنّ “لِحركة القمر وتموضعه تأثيراً على المدّ والجزر، فطبعاً المدّ والجزر يتبعان حركة القمر”.
لكن أيّ متغيّرين أو حدثين يتحرّكان بحركة عشوائية، إذا ما وضعناهما في تسلسل زمني، فسيكون في ما بينها تقارب، لكن هذا التقارب لا يعني علاقة سببية أو ترابطاً، فهناك أحداث تجري دون أي علاقة في ما بينها. ويمكن البدء بالتفكير في علاقة بين هذه المتغيّرات عندما تصدق نسبة 70 أو 80 في المئة من هذه المصادفات.
وبرأي صبرا، لا يمكن توقّع حدوث الزلازل ولا بأي شكل من الأشكال، لا سواء عبر تحديد الزمن والتاريخ ولا عبر رمي تنبّؤات عن إمكانية حدوثها بعد 10 سنوات، “فهذا أمر ليس علمياً ولا منطقياً عندما نتحدّث عن زلازل”.
والخبير الهولندي، بنظر صبرا، أطلق نظريته وشرع يدافع عنها دون أيّ أساس علمي، إذ إنّ المنطقة التي وقع فيها الزلزال في تركيا هي منطقة يلتقي فيها فالقان ضخمان، وهو فالق اليمّونة الواقع في لبنان، وفالق الأناضول الآتي من قبرص. ويلتقي هذان الفالقان في النقاط التي وقع فيها الزلزال في تركيا.
وفي الشرح عن السبب العلمي لهذه الزلازل، يوضح صبرا أنّ نقاط الزلازل هذه كانت مضغوطة منذ أكثر من 100 سنة، وكان لا بدّ من أن تتحرّك بعد هذا الضغط كلّه، وهو بالتالي عامل جيولوجي بحت لا علاقة له بالكواكب.
فهذه الجبال تقع حيث تقع الفوالق في مناطق عديدة، فمثلاً فالق اليمونة يقع إلى جانب السلسلة الغربية وفالق سرغايا يقع جنب السلسلة الشرقية، وفالق الأناضول يقع جانب جبال طوروس، وكذلك الأمر في إيران. وهنا تشهد هذه البقع ضغطاً من وجود هذه الفوالق. ونتيجة ضغطها وتحرّكها، تنزلق هذه الجبال. وكلّما استغرق وقتاً أطول لتتحرّك هذه الفوالق، يكون الزلزال أقوى.