الصرّافون “يبقّون البحصة” بالتحقيق: سياسيون وأمنيون ومصرف لبنان
أقفلت “مركزيات” الدولار الكبيرة في أغلب المناطق اللبنانية، وطغت كلمة “ملغى” على أغلبها، بعد استفاقة أمنية ضربت سوق الدولار السوداء، وأنتجت توقيفات لعدد كبير من الصرافين في بيروت والشمال والجنوب.
هجرة جماعية لـ”الغروبات” وعلي نمر سلّم نفسه
توقفت “غروبات” الواتساب عن العمل، وبعضها فرغ من سكانها الذين استوطنوها طيلة الأشهر الماضية لمعرفة أسعار الصرف وتثبيت عمليات البيع والشراء. فكان الهروب سيد الموقف خشية من الملاحقة الأمنية، فغاب صرافون كبار عن السمع وتواروا عن الأنظار بعد معلومات وصلتهم بأنهم ملاحقين، وفضّل بعضهم الآخر تسليم نفسه كما فعل علي نمر الخليل أمس.
لم يُداهم فرع المعلومات الضاحية الجنوبية حيث يعمل علي نمر الخليل لتوقيفه، كما قالت وسائل إعلامية محلية. فحسب مصادر “المدن”، قرر الشاب أمس السبت عند الساعة الخامسة عصراً تسليم نفسه إلى فرع المعلومات، بواسطة أحد الضباط الأمنيين في قوى الأمن الداخلي، لكي لا يدخل في معمعة “المداهمات” والتوقيفات، ولكي لا يكون “هدفاً” للمزايدات الأمنية الجارية بين جهازين أمنيين يعملان في ملف توقيف الصرافين.
وتُشير مصادر “المدن” إلى أن الخليل المتهم بالمضاربة على الليرة اللبنانية، وكان من أكثر الصرافين في السوق السوداء شهرة، بسبب التسريبات الصوتية التي كانت تحصل بين حين وآخر، يُريد معالجة هذا الملف لكي لا يعيش حياته ملاحقاً، فهو يعتبر أن صيته قطع بأشواط حقيقة ما يقوم به، كاشفة أن الخليل لديه ملف آخر غير الصرافة يُريد تسويته أيضاً في فرع المعلومات.
تؤكد المصادر أن علي نمر الخليل لعب قبل أشهر دوراً كبيراً إلى جانب إحدى الشركات التي كانت تجمع الدولار للمصرف المركزي، فكان الأقوى في بيروت، كونه الطرف الوحيد الذي كان يتولى بيع الدولارات إلى هذه الشركة المكلفة من المركزي جمع الدولارات، مشيرة إلى أن المركزي بعدما قرر إخراج الشركات من اللعبة، تبدّل دور علي نمر الخليل، وأصبح الأقوى شخص في مكان آخر، هو الملقب بـ”الدكتور” .
قرار ببقّ البحصات كلها
اليوم، وحسب المصادر، لا يوجد أي صراف بمأمن عن التوقيف، حتى “الدكتور” نفسه، فالصرافون في السوق السوداء تحدثوا عنه في التحقيقات، كاشفة أن ما سيتحدثون عنه سيحمل أسماءً سياسية وأمنية كبيرة كانت تشارك بعمليات مالية معهم، فقرار الصرافين في السوق السوداء اتخذ قبل فترة، عندما بدأت أخبار توقيفهم تنتشر. إذ قرروا أنهم لن يكونوا كبش محرقة لأحد. لذلك، فكل التحقيقات الاولية التي أجريت معهم دلوا فيها على دور مصرف لبنان بعمليات شراء الدولار. وهم يُثيرون أسئلة حول سبب عدم توقيف بعض الأسماء التي اشتهرت مؤخراً في السوق السوداء. وهذا ما سيدفع بالأجهزة الأمنية لتوقيف هؤلاء، ولو كان الأمر شكلياً. مؤكدة أن الحملة الأمنية مستمرة.
“لم نُفاجأ بقرار التوقيف، لكننا ننتظر لنعرف ما هي الخطوة الثانية، خصوصاً أن الجميع يعلم بأن مشكلة سعر صرف الدولار ليست بالصرافين، إنما بمن يؤمن لهم الليرات ويطلب منهم الدولار”، يقول أحد الصرافين في السوق السوداء لـ”المدن”، مشيراً إلى أن المركزي هو من يحدد السعر، من دون أن ينفي دور المضاربين برفعه أحياناً.
يبدي الصراف تخوفه عبر “المدن” من أن يكون قرار التوقيف قد اتخذ لإخفاء تفاصيل ما كان يجري، سائلاً: من يضمن أن الأجهزة الأمنية ستعمل حسب التحقيقات التي تجري، ومن يضمن أن يعرف اللبنانيون ما سيقوله الموقوفون بالتحقيقات؟
حسب مصادر “المدن”، فإن السوق حالياً متوقف عن العمل بشكل كامل. والمشكلة ليست بالعمليات اليومية، إنما بسوق الكشف والعمليات المؤجلة. فمع إلغاء المجموعات واختفاء أو توقيف الصرّافين أصبحت هذه العمليات على المحك، ولم يجر الاتفاق على كيفية التعامل معها. كاشفة أن التوجه هو لإلغاء هذه العمليات، ما قد يسبب إفلاساً لعدد من الصرافين الكبار.
الملاحقات مستمرة
في الأثناء، تنفّذ القوى الأمنية القرارات القضائية وتجوب الشوارع بحثاً عن أسماء معروفة وأخرى تحظى بها صدفةً.
وإنفاذاً لقرار النائب العام التمييزي، القاضي غسان عويدات، تلاحق القوى الأمنية عدداً من الصرّافين، فيما يسلّم آخرون أنفسهم طوعاً. ففي صيدا، لاحقت شعبة المعلومات بعض الصرافين وأوقفت 3 أشخاص تم تداول أسمائهم على مجموعات الواتساب المخصصة للمضاربة على العملة. ويضاف هذا العدد إلى 7 موقوفين قبض عليهم في صيدا يوم أمس.
أما في شتورا، فسلّم الصراف “ع.ح” (الملقّب بـ”الحوت”) نفسه إلى القوى. وفي بيروت وصور حيث تنتشر أنباء الملاحقات، بدا الشارع هادئاً وحركة الصرافين المتجوّلين تتراوح بين المعدومة والخجولة تبعاً لتحركات القوى الأمنية. لكن مَن يريد البيع والشراء، يعرف كيف يجد الصرافين بين المحال التجارية بشكل غير مباشر.