محليات

الجنس في المدارس: بين الغياب والحضور والمخاطر

كتبت كريستال النوّار في موقع mtv:

تغيب التربية الجنسيّة عن المدارس، ممّا يُعرّض الأطفال والمراهقين لتجارب قاسية قد تطبع حياتهم وتؤثّر سلباً في مستقبلهم على مختلف الأصعدة، لا سيّما النفسيّة.
ونتيجة عدم الإلمام الكافي بالثقافة الجنسيّة في لبنان وغيابها عن المناهج التعليميّة في معظم المدارس، تتزايد المخاطر التي قد يتعرّض لها الفرد في حياته، ويُمكن خفض هذه المخاطر من خلال تعليم التربية الجنسيّة والإنجابيّة منذ سنّ مبكرة، تفادياً لاكتساب معلومات غير دقيقة من وسائل التواصل الإجتماعي والمواقع الإباحيّة.

وفي جولة على بعض المدارس في مختلف المناطق اللبنانيّة، شكّلت مدرسة خاصّة في منطقة الأشرفيّة عيّنة عن مدارس كثيرة لا تُدخِل التربية والتوعية الجنسيّة والإنجابيّة ضمن مناهجها، رغم أنّها تُعدّ من الحقوق المهمّة التي لا يتمّ إلقاء الضوء عليها عموماً.
هذه المدرسة تعتمد توعية التلاميذ من خلال تنظيم حملات توعية، حيث تُنسّق مع إختصاصيّين وأطبّاء يُشاركون معلوماتٍ صحّية وطّبية مع التلاميذ بعد تقسيمهم إلى فرق صغيرة موزّعة وفق الصّفوف والأعمار. كما تعمد الإدارة إلى تقسيم التلاميذ وفق الجنس، حيث يُشارك الإختصاصيّون التلاميذ الإناث المعلومات الخاصة بهنّ، والذّكور معلومات أخرى تتعلّق بهم فقط.
مدرسة أخرى في كسروان، يؤكّد مصدرٌ في إدارتها لنا، أنّ التوعية على الصحّة الجنسيّة والإنجابيّة تدخل ضمن إطار المناهج التي تُعلَّم للتلاميذ في مادّة علوم الأحياء (Biology) التي تُعنى بدراسة الحياة والكائنات الحيّة، بما في ذلك هياكلها ووظائفها ونموّها وتطوّرها وتوزيعها وتصنيفها.
هذا واعتكفت إدارة مدرسة رسميّة في بيروت عن الردّ عند تواصلنا معها، مستغربةً التطرّق إلى هكذا مواضيع ضمن الحصص المدرسيّة”.
مثالٌ آخر لا يختلف كثيراً، مدرسة تقع في المنصف – قضاء جبيل، حائزة على البكالوريا الدوليّة. يُفيد مصدرٌ في إدارتها لموقعنا، أنّ التوعية الجنسيّة والإنجابيّة فيها تبدأ للتلاميذ في الصفّ السابع Grade 7، ضمن حصّة مادّة علوم الأحياء. ويُضيف المصدر: “الأساتذة حذرون في هذا الموضوع خصوصاً بسبب الإنتماءات الدينيّة المتعدّدة للتلاميذ فيها، فالموضوع حسّاس”.

ويُتابع: “عندما كنّا نعمل من أجل الحصول على البكالوريا الدوليّة، أوضحنا مدى أهمّية تحلّي التلميذ بالثقافة والوعي الجنسي. نظّمت المدرسة جلسات توجيهيّة فيها، أدارها إختصاصيّون ركّزوا على أهمّية الإطلاع على هذه المواضيع وتقبّل الآخرين”، كاشفاً: “في مدرستنا جوّ عائلة، هناك عدّة أساتذة يُتابعون التلاميذ وأخبارهم الشخصيّة ويُحاولون توجيههم one on one، لأنّ هذا الموضوع ورغم أهمّيته لا يمكن التوعية عليه في صفٍّ خاص، خصوصاً وأنّ هناك بعض الأهل الذين قد يرفضون الفكرة أو قد لا يتقبّلونها بسبب العادات والتقاليد الإجتماعية”.

هذا ما يُعمَل عليه…

هنا تُشير رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء البروفسورة هيام إسحق، إلى غياب التوعية على الصحّة الإنجابيّة في المدارس اليوم، بحيث يحصل التلاميذ على نوعٍ من المعلومات في دروس العلوم، في المناهج الرسميّة، وبعضها مُجتزأ وخاطئ. في وقتٍ لا بدّ من أن يكون هناك منهج كامل عن التربية الصحّية، وتنظيم لقاءات مع أطباء وجمعيات.

وتكشف إسحق، في حديثٍ لموقع mtv، أنّ المركز التربوي وضع منهجاً كاملاً متكاملاً عن الصحة الإنجابيّة والمهارات الحياتيّة وكيف يمكن أن تُساعد هذه المهارات على مقاومة الضّغوط وتعليم كيفيّة استخدام سبل الوقاية. “وُقِّع منهج للصحة الإنجابيّة، بانتظار دمجه مع المناهج الجديدة وإدخاله بمنهجٍ عام جديد بكلّ المواد وهذا ما لم يحصل حتى الآن، مع الأمل في أن يُدمَج مع المناهج العامّة فور السّير بتجديد المناهج”.

ماذا عن التّطبيق؟

يُمكن تطبيق التوعية على الصحّة الجنسيّة والإنجابيّة بطريقة منهجيّة أي ضمن منهجٍ يشمل التلاميذ من عمر الـ 10 سنوات إلى 18 سنة ذكوراً وإناثاً من دون حصره بالإناث، لأنّها تشمل الجنسين على حدّ سواء، وتطبيقها يكون ممنهجاً ضمن الصّفوف المدرسيّة للفئات العمريّة المذكورة، وفق ما ترى الإختصاصيّة في علم النّفس والمعالجة النفسيّة غنى هاجر.

وتلفت في حديثٍ لموقع mtv، إلى أنّ توعية التلاميذ قابلة إلى التّطبيق من خلال حصص لاصفّية، تُعطى من قبل جمعيّات أو منظّمات أو مؤسسات متخصّصة، محلّية أو غير حكوميّة، وقد تكون ضمن منهج تبعاً لتطوير المناهج التي تعمل عليه وزارة التربية والذي ما زال يخطو خطواته البسيطة في هذا المجال.. ومن ضمن الشق الكبير الذي يُعمل عليه في الوزارة وهو التعلّم الإجتماعي الإنفعالي.

وعن التّطبيق الإجرائي لهذه التوعية، من الضّروري أن تكون مادّة مستقلّة وتُعطى من قبل متخصّص يأخذ بالإعتبار بعض التفاصيل المهمّة لإيصال المعلومات بوضوح ومن دون التباس إلى التلاميذ، كما يجب أن يخضع لـ therapy ليعرف كيفيّة نقل المعلومات إلى التلاميذ بشكلٍ جيّد، والفصل بين مشاكله وبين ما ينقله إليهم. هذه نقطة بالغة الأهمّية وإلا يُصبح هناك نوع من الخطورة لأنّ الموضوع حسّاس خصوصاً للأعمار الصغيرة، وهذا ما تؤكّده رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء. مع الإشارة إلى أنّ التربية الجنسيّة والإنجابيّة، إذا أُدخلت ضمن موادٍ أخرى، قد لا تُعطي نتائجها بالشكل اللازم.

الأهل شركاء أيضاً…

التوعية والتربية الجنسيّة لا يجب أن تقتصر على المدارس، بل من المهمّ جعل الأهل شركاء أيضاً فيها. وتلفت الموجّهة التربويّة مع وزارة التربية والمدرّبة مع المركز التربوي للبحوث والإنماء غنى هاجر، إلى أهمّية عدم استبعاد الأهل من خلال القيام بحلقات توعية لهم وليس للتلاميذ فقط، باعتبار أنّهم شركاء في التوعية والتربية.. وهذا ممكن من خلال تزويد الأهل بمعلوماتٍ عن الصحة الإنجابية والجنسية لكلّ فئة عمريّة لأولادهم مع مراعاة المعايير الدينيّة والاجتماعيّة.

وتشرح أنّ هذه الحلقات تهدف إلى تزويد الأهل أو المربّين بموارد تساعدهم على توعية أولادهم. وهذه الموارد يمكن أن تكون على شكل كتيّبات أو powerpoint أو فيديوهات قصيرة أو مواقع إلكترونيّة آمنة ومراجع موثوقة، توضَع بمتناول الأهل والتلاميذ، على شكل رزمة مخصّصة لكلٍّ منهما.

المواضيع الجنسيّة مُهمَّشة.. هل من حلّ؟

أمّا عن تهميش التوعية الجنسيّة والإنجابيّة في المدارس، فترى إسحق أنّ الجدل إجتماعيّ بإمتياز لأنّ “التابو” ما زال مسيطراً، والمحرّمات موجودة، والطريقة التي ننظر من خلالها إلى الأمور الجنسيّة خصوصاً من النظرة الدينيّة، بالإضافة إلى تاريخيّة التصوّرات عن الجنس.. هناك تقاليد اجتماعيّة وثقافات خاطئة تزيد من الحذر والتردّد عند الحديث عن التربية الجنسيّة وتربطها مباشرةً بالصحة الإنجابيّة فقط.

وتوافقها غنى هاجر مُشدّدةً على أنّ المفروض أن يُسلَّط الضّوء بشكلٍ أكبر على المواضيع الجنسيّة والإنجابيّة، تبعاً للمشاكل التي تظهر كالتحرّش والإدمان على المواقع الإباحيّة والمُحادثات الجنسيّة عبر مواقع التواصل الإجتماعي، تأخّر سنّ الزواج، العادة السرّية والإدمان عليها، والزواج المبكّر.

كما تقترح، إنطلاقاً من الظواهر المذكورة والتي نشهد تزايداً في نسبتها، أنّه يُمكن القيام بإحصاءات مبنيّة على استطلاعات رأي ودراسات، والتوجّه إلى الأهل والمربّين والتلاميذ ورجال الدين، للوصول إلى خلاصات لضرورة عدم تهميش هذه المواضيع وليُعاد وضع أسس لمقاربتها للحدّ من المشاكل.
وتُضيف أنّ هذه التوعية حاجة ضروريّة، خصوصاً للتلاميذ في أعمارٍ معيّنة والذين نُطلق عليهم تسمية الأحداث (كلّ شخص تحت الـ18 سنة).

إذاً، العمل جارٍ رسميًّا على إدخال التوعية الجنسيّة والإنجابيّة ضمن المناهج المدرسيّة، فهل تُطبَّق فعلاً وكما يجب لتربية جيلٍ واعٍ جنسيًّا؟ أم تخضع لضغوطٍ وتُغلَّف تحت الغطاء الدّيني والمجتمعي الضيّق؟

تمّ إنتاج هذا التقرير بدعم من مؤسسة مهارات ومنظمة “Hivos” ضمن مشروع We Lead، وتجدر الإشارة إلى أنّ المحتوى لا يعبّر بالضرورة عن آراء منظمة “Hivos”.

Related Articles

Back to top button