محليات

كيف يهدّد تغير المناخ صحة اللاجئين السوريين في لبنان؟

Topskynews – كلارا نبعه

لم يدرك فارس برتاوي (40 عاماً) الذي لجأ للعيش منذ سنوات طويلة في إحدى مخيّمات اللاجئين السوريين في عرسال شرقيّ لبنان، أنّ مكان سكنه الذي احتمى به من الحرب السورية لن يحميه اليوم من الاوبئة والامراض، بما في ذلك وباء الكوليرا الذي ظهر للمرة الأولى في لبنان مطلع شهر تشرين الأول.

كان برتاوي ضمن أوّل المصابين بالفيروس، وقد استمرّ في علاج نفسه لحوالى 20 يوماً. يصف لنا تجربته اليوم بالقول : “كانت الاعراض شديدة جداً، فقد عانيت من ألم كبير مع ارتفاع في درجة الحرارة ترافق مع اسهال شديد”، مشيراً الى أنه قام برعاية نفسه بنفسه مستعيناً بـ “الطب البديل” لعدم قدرته على تحمّل تكاليف المستشفيات الباهظة.

انتشار الكوليرا في لبنان

تُعدّ المخيمات المكتظة المتواجدة في منطقة عكار وبعلبك والهرمل من بين البقع الأولى التي ظهر فيها الوباء وانتشر ليطال اشخاص، سواء لبنانيين أو لاجئين، يعانون من انعدام توفّر المياه النظيفة وخدمات الصّرف الصحّي.

تضم عرسال نحو 170 مخيماً، يعيش فيها حوالي 80 ألف لاجئ سوري يفتقرون لأدنى مقومات الحياة، ويُعانون من نقص في تأمين المياه النظيفة وشبكة مياه سليمة وصرف صحي جيّد.

يُشير منسّق مخيّمات عرسال ماهر المصري الى أنّه تمّ رصد 30 حالة جديدة للكوليرا مؤخراً، فضلاً عن 40 حالة تمّ تسجيلها مسبقاً في 11 مخيّم، محمّلاً “اليونيسف” مسؤولية انتشار الوباء، وذلك بعد قراراها بخفض خدمات المياه في مخيّمات اللاجئين السوريّين في لبنان من 27 ليتراً إلى 7.5 ليترات لكلّ فرد يوميّاً، وخفض معدّل سحب الجور الصحية (تجمعات المياه الآسنة) من 17 ليتراً إلى ليترين فقط لكلّ فرد يوميّاً.

النقص الحادّ في المياه واللجوء الى مصادر مياه غير آمنة شكّل أيضاً سبباً مباشراً لانتشار الكوليرا في عكار – شمال لبنان، بحسب مدير مستشفى طرابلس الحكومي الدكتور ناصر عدرة.

ويوضّح عدرة ان المستشفيات الحكوميّة جميعها أصبحت جاهزة وبدأت باستقبال حالات الكوليرا المؤكدة أو المشتبه بها، فيما تتكفل وزارة الصحة بتغطية تكاليف علاج اللبنانيين بنسبة 100%، أما فيما يخصّ اللاجئين السوريين فإنّ الكثير من المنظمات استنفرت لمكافحة الوباء بطلب من وزير الصحة أهمّها منظمة الصحة العالمية والمفوضية العليا للاجئين واليونسيف والصليب الاحمر الدولي.

خطرٌ حقيقي.. وأرقام غير واقعيّة !

يُعرب الدكتور عدرة عن تخوفّه، خصوصاً في فصل الشتاء، اذا لم تتمّ معالجة مشاكل المياه، ويلفت الى أن ازدياد عدد الحالات مرتبط بوعي الناس على كيفية الوقاية من الوباء، وكذلك بالسعي الى معالجة الاسباب أكثر من معالجة النتائج كالتنبّه الى طريقة ريّ الخضروات مثلاً.

بدورها، تعتبر الباحثة في علم الكيمياء النائبة نجاة صليبا ان المشكلة تحمل مخاطر جدّية، فيما لا يتمّ عرض الارقام الواقعية لعدد الاصابات والوفيات بالكوليرا خوفاً من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والطبيّة. فقد يؤدي الافصاح عن الواقع الحقيقي لانتشار الكوليرا برأيها الى عزل لبنان عن العالم خشية انتقال الفيروس الى بلدان اخرى.

أسباب تُفاقم تفشّي الكوليرا

حذرت منظمة الصحة العالمية مؤخراً من انتشار سريع لوباء الكوليرا في لبنان خاصةً في ظل تفاقم أزمة المناخ العالمية، وأكدت أنّ حالات الجفاف والفياضانات التي يزداد انتشارها في جميع أنحاء الإقليم تحد من توفر المياه النظيفة، تُضعف مرافق المياه والصرف الصحي، كما تهيّئ بيئة مثالية لانتشار الكوليرا.

ويظهر جلياً أن معظم البلدان المتضررة من تفشي الكوليرا في الإقليم هي من الدول التي تعاني من ضعف البنية الأساسية للمياه والصرف الصحي، مع عدم وجود استثمارات ذات قيمة في تلك البنية الأساسية في السنوات الأخيرة.

في هذا السياق، تؤكّد لنا صليبا ان مصدر فيروس الكوليرا ليس صحي وانما بيئي، فهو عبارة عن جرثومة تعيش في مياه الصرف الصحي وتنتقل منها الى الانسان عبر مياه الشرب والمزروعات المروية بمياه المجارير، اذاً النتائج طبيّة انمّا المصدر فهو تلوّث بيئي بامتياز.

وتشرح صليبا، التي نشطت في مجال مكافحة التدهور البيئي والتغير المناخي، أنه عندما يتمّ تسرّب مياه الصرف الصحي الى باطن الارض في ظلّ شحّ المياه الذي يسبّبه تغيّر المناخ، فإنّ ذلك سيؤدي الى تكاثر بكتيريا الصرف الصحي وبالتالي انتشار الاوبئة والامراض منها الكوليرا.

حملات توعية صحية

تشهد المناطق اللبنانية المعرّضة لخطر انتشار الكوليرا عدداً من الحملات التوعوية الصحيّة التي تقوم على ارشاد الاشخاص لتجنّب انتقال العدوى لهم.

في عرسال على سبيل المثال، تمّ تشكيل لجنة للقيام بحملات توعوية في المخيمات فيما تتمّ معالجة الاصابات عبر فريق طبّي لادارة الكوارث في محافظة بعلبك الهرمل بدعم من منظّمة أطباء بلا حدود. تقول مسؤولة الفريق هناء عز الدّين أن “الحالات ما زالت تحت السيطرة، واذا واجهنا حالات شديدة نقوم بتحويلها الى المشفى الميداني للفريق نفسه”.

أمّا في الشمال، فينشط عدد من الجمعيات منها جمعيّة Leb Relief ، اذ يشير المؤثر المجتمعي فيها أحمد ستيتة الى أن اللجنة التوعويّة للجمعية تقوم اليوم بحملات توعية لمواجهة احتمالية تفشي وباء الكوليرا في طرابلس.

ويُشير الى أن الجمعيات المحلية استجابت للأمر خشية تفشي الوباء بشكل سريع، وقد انتقلت الحملات لتطال بلدات عديدة منها باب التبانة التي تعاني اليوم من أزمة مياه، وهي تُعدّ بلدة محرومة ومهمّشة.

الحلول اللازمة : صحيّة أم بيئيّة ؟

لا تتجاهل النائبة صليبا أهميّة الحلّ الآني اليوم المتمثل بمعالجة المرضى في المستشفيات، وتلقي الناس المعرضين للوباء اللقاحات اللازمة، لكنّها تؤكد على اهمية وجود حلول طويلة الامد تكون عبر العلاجات البيئية وهي مسؤولية وزارات الزراعة والطاقة والمياه والبيئة.

الى ذلك، تقدّمت بكتاب لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي للمطالبة بتطبيق قانون البيئة وبانشاء الهيئة الوطنية لادارة المياه التي تنصّ بالقانون على وجوب اجتماع الوزارات المعنية ورؤساء مصالح المياه باستمرار لكي يقرروا كيفية ادارة الصرف الصحي في لبنان مع ادارة محطات التكرير.

كما شدّدت على ضرورة النظر الى المشكلة من الاطار البيئي، فـ “إن حصر الحلول عبر اللقاحات وادوات التنظيف لن يساهم في الوصول الى النتائج المرجوّة الاّ في حال تمّ توقيف مصدر المشكلة” بحسب قولها.

يتحوّل لبنان يوماً بعد يوم الى أرضٍ خصبة لانتشار الامراض على اختلافها وليس فقط وباء الكوليرا، دون أن تلتفت الجهات المعنيّة الى ضرورة معالجة الاسباب الرئيسية التي تؤدي الى التلوث البيئي والصحّي، فهل تتحرك قبل فوات الأوان؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى