“الجوع لا يتنافى مع الكرامة”… السويداء السورية “تخرج عن القانون” بطريقتها
كسرت السويداء خلال يوم واحد “حالة السكون” التي تعيشها المحافظات الخاضعة لسيطرة النظام السوري في سوريا.
ورغم أن الاحتجاجات التي شهدتها الأحد “روتينية”، إلا أنها تميّزت بالشعارات التي رددها مواطنون وما فعلوه. هتفوا “الشعب يريد إسقاط النظام” وحرقوا صور بشار الأسد ومبنى المحافظة (السراي الحكومي).
وشكّل الهتاف بإسقاط النظام، ومن ثم حرق صور الأسد، “فارقة” لم تشهدها المواعيد السابقة من هذه الاحتجاجات، بينما كان إطلاق الرصاص من جانب قوى الأمن نقطة استثنائية أخرى، وكذلك الأمر بالنسبة للقتيلين اللذين سقطا، أحدهما مدني وآخر عنصر من الشرطة، فيما أصيب 18 آخرين.
وتحظى السويداء، ذات الغالبية الدرزية، برمزية وموقع حساس في سوريا، وتسمى بـ”حاضرة بني معروف”، ولطالما اعتاد السكان فيها خلال السنوات الماضية على الخروج بمظاهرات شعبية، مناهضة لسياسيات النظام السوري.
ومنذ مطلع العام الحالي، شهدت المحافظة الواقعة في جنوب سوريا 3 احتجاجات، كان يفصل بين الواحد والآخر بضعة أشهر، وفي حين اعتبرت الأوضاع المعيشية السيئة المحرّك الأساسي لها، تطورت الشعارات فيها شيئا فشيئا، لتصل في آخر محطاتها، الأحد، إلى إسقاط النظام السوري.
ونادرا ما كان النظام السوري يعلّق على ما تشهده السويداء بين الحين والآخر، وكذلك بالنسبة لوسائل إعلامه، لكن الأحداث “الاستثنائية” بحرق صور الأسد ومبنى المحافظة دفعت “الداخلية السورية” لإصدار بيان، وصفت فيه من أقدم على ذلك بأنهم “خارجون عن القانون”.
وجاء في البيان، الذي حمّل لهجة تهديدية: “تؤكد وزارة الداخلية السورية بأنها ستلاحق الخارجين عن القانون، وستتخذ الإجراءات القانونية بحق كل من تسول له نفسه العبث بأمن واستقرار محافظة السويداء وسلامة مواطنيها”.
وعاد الهدوء إلى شوارع المدينة، الاثنين، بعد يوم من الاضطرابات غير المسبوقة، من احتجاجات وما تبعها من حوادث عنف وإطلاق نار، وفق ما يوضح الصحفي ومدير شبكة “السويداء 24” الإخبارية، ريان معروف.
ويقول معروف لموقع “الحرة”: “المحال التجارية فتحت أبوابها اليوم في المدينة. حركة المارة محدودة في الأسواق. وقد تسبب إطلاق النار والانفجارات، بتضرر بعض واجهات المحلات في محيط مبنى المحافظة”.
“الضرر الأكبر كان في مبنى محافظة السويداء، إذ احترق بالكامل”، وتحدث معروف أن الاستنفار لا يزال مستمرا في مبنى قيادة الشرطة، المجاور لمبنى المحافظة.
نقطة فارقة
وتُحسب السويداء على مناطق سيطرة النظام السوري، وبذلك فإن ما تشهده من حراك شعبي متكرر يعتبر “نقطة فارقة” قياسا بباقي المحافظات، التي قلما تخرج بهكذا احتجاجات، بسبب القبضة الأمنية المفروضة هناك.
وقبل أن ينفجر المشهد أمام مبنى المحافظة كانت سوريا دخلت في أسوأ أزماتها المعيشية، بعدما انقطعت المحروقات بالكامل في معظم المناطق، لأسباب ربطتها حكومة النظام السوري بـ”ضعف التوريدات القادمة من إيران”.
وعلى إثر هذه الأزمة، باتت حركة النقل في عموم سوريا مشلوشة، بينما زادت ساعات تقنين الكهرباء – المقطوعة لساعات طويلة في الأصل- واشتدت هذه التداعيات لتنسحب على قطاع الاتصالات السلكية، لتصبح جميع المقاسم في البلاد “خارج الخدمة”.
“غضب الناس انفجر بسبب تردي الظروف المعيشية، ووصولهم إلى مرحلة بالفعل لا تطاق”، كما يقول الصحفي معروف، معتبرا أن “التظاهرات التي خرجت الأحد كانت عفوية إلى حد ما. شباب دعوا إليها على الفيسبوك، ولاقوا صدى كبيرا بسبب احتقان الشارع”.
ويضيف: “توجد قناعة عند الشارع أن الوضع المعيشي لا يمكن أن يتحسن في ظل النظام الحالي. النظام عاجز عن تأمين أدنى مطلبات الحياة. الناس فقعت. من أسبوعين وصل طلب بنزين واحد إلى السويداء. طلبات تدفئة لا يوجد”.
ولم يكن من المتوقع أن تقابل الأجهزة الأمنية في المحافظة المتظاهرين بالرصاص الحي. وفي مطلع أحداث الثورة عام 2011 كان السكان في السويداء ذات الغالبية الدرزية يشاهدون هذه المظاهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيق “يوتيوب”.
ويتابع معروف: “لم يطلق علينا منذ زمن. كنا نشاهد ما تقدم عليه الأجهزة الأمنية بحق المتظاهرين في دمشق وحمص. لأول مرة تشهد السويداء هذه الأحداث”.
وحتى الآن، لا يلوح في الأفق أي مخرج لأزمة المحروقات التي تعيشها المحافظات السورية، وكان وزير النفط في الحكومة السورية، بسام طعمة قد أعلن قبل أيام أن “سبب الأزمة يرتبط بتأخر وصول ناقلات النفط، مما اضطر الحكومة إلى اتخاذ إجراءات لتغطية الحاجات الأساسية فقط”.
وقال طعمة: “أزمة المحروقات لم تكن وليدة اليوم، إنما هي منذ أكثر من 50 يوما، لكن الحكومة تعمل على معالجتها بالاستفادة من المخزون الذي تم تجميعه خلال الفترة الماضية”.
بدورها نشرت “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك” بيانا، السبت، أوضحت فيه أن “توقف التوريدات ناتج عن ظروف الأصدقاء الذين يزودون سوريا بالمشتقات النفطية، ويجري العمل على حلها. هذا ظرف قاهر يعالج دون ضجة إعلامية”.
“الجوع لا يتنافي مع الكرامة”
في غضون ذلك وكما حصل في مواعيدها السابقة، لاقت الاحتجاجات في المحافظة تضامنا من قبل الشارع السوري المعارض، ومع ذلك جادل البعض من هذه الفئة بأن ما حصل دافعه معيشي لا أكثر، بعيدا عن المطالب السياسية الأولى التي ترددت، عقب عام 2011.
أما في الأوساط الموالية للنظام السوري، فقد عبّرت شخصيات بطريقة خاصة، إذ اتهمت السكان في السويداء بأنهم “خونة وعملاء”، وحتى أن آخرين اتهموا المتظاهرين بأنهم ينفذون “مشاريع إسرائيل”، وفق تعبيرهم، وضمن ما تحدثوا به حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي.
بدورها تقول السياسية السورية المعارضة، أليس مفرج: “الأحد لم يكن استثناء لأن حراك السويداء مستمر منذ 2011. هو متواصل ومتقطع بنفس الوقت حسب طريقة النظام السوري في التعامل”.
“لدينا (في إشارة إلى المحافظة) ما لا يقل عن 2700 معتقل من 2011. وحتى اللحظة بينهم مختفين ومختفيات”.
وتضيف مفرج لموقع “الحرة” أن التظاهرات سببها الضائقة المعيشية التي يعاني منها كل السوريين والسوريات، مشيرة إلى حملة “بدنا نعيش” التي دعا إليها ناشطون قبل أكثر من عامين، ولاقت صدى في الشارع.
وتوضح: “الجوع ورغيف الخبز لا يتنافيان مع الكرامة. الكرامة بأن تكون شبعان الخبز ويكون لديك الحد الأدنى من مقومات الحياة”.
“عندما تحصل تظاهرات بسبب الجوع والضائقة الاقتصادية فهي تعبير سياسي عن تردي الأوضاع المعيشية، وعن عدم قدرة النظام السوري لإدارة المناطق الخاضعة لسيطرته. هي أقوى أنواع الاحتجاجات التي تتمظهر بشكلها الثوري والسياسي”.
وتتابع السياسية المعارضة: “حرق الصور أداة سلمية وحرق المركبة أداة سلمية أما حرق المحافظة أعتقد أن هناك من دفع في هذا الاتجاه لحرف الوضع عن مساره”
من جانبه يشير الكاتب والمحلل السياسي، حافظ قرقوط، إلى أن السويداء “دائما ما تجد عناوين خاصة بها يمكن تعميمها على الوضع السوري، للتعبير على أن الثورة مازالت متوقتة وأن شعلتها مستمرة حتى بداية عهد جديد”.
ويقول لموقع “الحرة: “ما حصل هو رسائل ليست داخلية فحسب، بل لكل الدول التي تعمل على تأهيل النظام السوري. هذا النظام ليس قادرا على تشكيل الدولة السورية”.
“هو حراك مدني. ناس مدنيون عزل هتفوا وحاولوا ومزقوا صور بشار”، كما يضيف قرقوط، معتبرا أن هذه التفاصيل دفعت القوى الأمنية لإطلاق الرصاص على البشر.
ومرارا تظاهرت السويداء ثم خمدت، فيما يرى المحلل السياسي أن المحافظة “لا يمكن أم تحرر سوريا من الاستبداد لوحدها. المشوار مازال طويلا. هي محافظة صغيرة نصف سكانها أصبح مهاجرا. يوجد صخرة موجودة على السوريين ويجب طرقها حتى تتفتت.. وستتفتت”.
“قد تحصل القطيعة”
وحتى الآن لم تعرف ماهية “الإجراءات القانونية” التي هددت بها وزارة الداخلية السورية، بحق كل من تظاهر وأقدم على حرق مبنى المحافظة.
وكان شيوخ عقل طائفة الموحدين الدروز قد أبدوا مواقفهم، حال حدوث الاضطرابات، وبينما اتفقوا على أن ما حصل سببه الأزمة المعيشية، تباينت آرائهم في نقاط أخرى.
ودعا الشيخ حمود الحناوي “الجميع للتهدئة وتغليب العقل والحكمة، لأننا في ظروف صعبة من جميع النواحي. هذه الظروف لا تواجه إلا بالصبر والتحمل وتقدير العواقب”، وفق تعبيره.
واعتبر الحناوي أن “الأمور وصلت إلى درجة لا يمكن أن تقبل للتحمل. ظروفنا من أصعب الظروف في السويداء وهذا لا يبرر الغلط. التصرف الذي جرى اليوم فوجئنا به”.
من جهته اعتبر الشيخ يوسف الجربوع أن “الظروف الاقتصادية التي تمر على سوريا والمنطقة بشكل عام شكلت ضغطا على الناس، وصنعت ردود أفعال سيئة، وهناك من استثمرها باتجاه التصعيد، ويكون بتخريب لمنشآت الدولة وهذا أمر مرفوض”.
أما الشيخ يوسف الهجري، وبينما عبّر عن موقف الرئاسة الروحية برفض أي تحرك مسلح ضد الأهالي، أضاف: “نرفض إراقة الدماء ونرفض أي تخريب للمتلكات العامة أو الخاصة، لأنها تخص الشعب كله. الناس بعفويتها والغضب الشعبي يتحرك بلا توجيه”.
ويعتبر الكاتب قرقوط أن “إطلاق الرصاص الذي حصل بحق المتظاهرين مؤشر تراكمي للمستقبل. قد يؤدي إلى قطيعة السويداء عن النظام، اختلافا للسابق”.
ويقول: “الآن مع الدماء أصبحت القطيعة أكبر وأكثر وضوحا”.
وفيما يتعلق بموقف رجال الدين، يرى الكاتب أن “دورهم سلبي. هم يحاولون بشكل أو بآخر عبر مجالسهم تسويق النظام. إما أن يلتزموا بخطهم الديني أو لا يدخلوا بالسياسة”، وفق تعبيره.
في المقابل اعتبرت السياسية، أليس مفرج، أن “السويداء ليست جزيرة معزولة على امتداد الجغرافيا السورية، بل تحلم بالتغيير الجذري الديمقراطي في سوريا. نتذكر مظاهرات العام الماضي التي رفع فيها علم الثورة والمطالبة بالمعتقلين وإسقاط النظام”.
وتضيف: “المتظاهرون تحدثوا الأحد بلسان جميع السوريين والسوريات داخل سوريا”، في إشارة منها لمناطق سيطرة النظام السوري”، معتبرة أن بيان “الداخلية السورية” بأن من تظاهر “خارج عن القانون” يعيد “سردية النظام الواهمة بأنه يعتبر نفسه الشرعي وصمام أمان البلاد لحماية الحدود من الإرهاب. هذه الاسطوانة ما زالت قائمة”.