لماذا لا يصارح جبران باسيل ناسه ولو لمرّة واحدة
بصراحة ما بعدها صراحة لم نعد نفهم على رئيس “التيار الوطني الحر” السيد جبران باسيل. في الأساس لم نكن نفهم. أمّا هذه المرّة فأغلب الظنّ أنه هو نفسه لم يعد يعرف ماذا يريد بالتحديد. يطالب من جهة بأن تكون أولوية النواب والوزراء انتخاب رئيس للجمهورية، ولكننا نراه في الوقت نفسه يعمل بعكس ما يطالب به. فالذي يريد أن تكون أولويته انتخاب رئيس جديد لا يتصرّف كما يتصرّف هو. فبـ”الورقة البيضاء” لا يمكن تسريع العملية الانتخابية. بل هي نوع متطور لتقطيع الوقت في انتظار “الوصفة السحرية” من الخارج. وهو يعتقد أنه من خلال الإكثار من زياراته لقطر يستطيع أن يعيد خلط الأوراق الرئاسية، أقّله لجهة رفع العقوبات الأميركية عنه. ولكن يبدو أن هذه الزيارات المكوكية لم تؤتَ ثمارها بعد، وأن المسؤولين القطريين، الذين يلتقيهم ويعّول عليهم كثيرًا، لم يستطيعوا أن يقنعوا مستشاري الرئيس الأميركي جو بايدن بما لا يمكن إقناعه به.
فالذي يريد حقيقة أن تكون أولوية الأولويات لديه انتخاب رئيس للجمهورية يكون تصرّفه في كل المجالات غير التصرّف الذي لا نزال نشهده. فالانتخابات الرئاسية ليست مباراة “فوت بول”، وهي ليست لعبة حظ، بل نتيجة تراكمات تحتاج إلى كسب ثقة الناس أولًا قبل إقناع ممثليهم في البرلمان بانتخابه. فرئاسة الجمهورية ليست “لهاية” تُعطى لمن “ينق” أكثر. فإذا كان البعض يفهم رئاسة الجمهورية ودورها الوطني التوحيدي على غير حقيقتها فهذا لا يعني تفصيلها على قياس مفهوميته ومحدوديته.
فمن يريد أن يكون صادقًا في ما يطالب به أمام نفسه أولًا وأمام الناس ثانيًا عليه خوض هذه الانتخابات بشفافية مطلقة، وليس عبر إطلاق شعارات لا جدوى منها سوى إذا كان المقصود ذرّ المزيد من الرماد في العيون.
فعلى جبران باسيل قبل غيره، باعتباره يتبجّح بأنه “يملك” أكبر كتلة نيابية، أن يحدّد خياراته في الدرجة الأولى، ومن ثم الإقلاع عن خيار “الورقة البيضاء”، الذي لا يعني سوى أمر واحد لا غير، وهو أن من يتكّل عليهم من حلفائه اللصقين غير مقتنعين به، وهم يرون أنه لا يصلح لأن يكون رئيس المرحلة. وقد يأتي الوقت الذي ستقال فيه الأمور كما هي، وأن وقعها لن يكون أثقل من تحمّل تبعات ست سنوات عجاف مشابهة لتلك التي عاشها اللبنانيون وهم في قعر جهنم.
فإذا كان يريد جبران أن يكون صادقًا مع نفسه ومع ناسه عليه أولًا الذهاب إلى خيار غير خيار “الورقة البيضاء”، وليسمِ من يرى فيه المواصفات التي تشبه تطلعاته الرئاسية، خصوصًا إذا اقتنع أن لا أحد يريده أن يحمل الرقم 14 في التسلسل الرئاسي، حتى الذين لا يزالون “يسايرونه” لأسباب لم تعد خافية على أحد.
بهذه الطريقة يمكن إقناع الناس بأولوية الأولويات، وليس بتوجيه السهام إلى غير الوجهة المقصودة. وإذا بقيت الديماغوجية هي التي تتحكّم بالمسار الرئاسي، كما هي الحال مع جبران باسيل، فإن العشب سينبت من جديد على طرقات بعبدا.