ماذا يعني أن يكون رئيس الجمهورية توافقيًا”؟
قد يكون تعبير “الرئيس التوافقي” أكثر التعابير السياسية انتشارًا اليوم. ولكن لهذا التعبير تفسيرات مختلفة، وقد تكون متناقضة في أغلب الأوقات، بين نظرة هذا الفريق أو ذاك الطرف، وفق جدولة الأولويات في “الأجندات” السياسية، التي غالبًا ما يكون لها ارتباطات خارجية، مع الإشارة إلى أن “الفريق السيادي” يرفض في المبدأ الفكرة التوافقية لرئيس لا يكون له لا طعم ولا رائحة ولا لون، من دون أن يعني ذلك أن المرشح الذي يطرحه، وهو النائب ميشال معوضحتى الآن، هو مرشّح تحدٍّ. أمّا الفريق الآخر، أي “الفريق الممانع” فيريد رئيسًا يحمي “المقاومة” ولا يطعنها في ظهرها، وهو لا يعني بالتالي أنه ليس رئيسًا توافقيًا.
فهذا التعبير، وإن كانت أحرفه محدودة، له أكثر من معنىً، وذلك وفق مصلحة كل طرف، الذي يرى في مرشحه المؤهلات الكافية، التي تجعل منه رئيسًا توافقيًا. فالوزير السابق سليمان فرنجية هو في نظر الكثيرين أكثر من مشروع رئيس توافقي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى “المرشح الزغرتاوي” الآخر، أي ميشال معوض، الذي تسوّق له القوى المؤيدة له بأنه قادر على أن يجمع من خلال طروحاته ومبادئه أكثرية اللبنانيين حول مشروع قيام دولة المؤسسات والقانون من دون أن يكون لها شريك مضارب، لا في الأمن ولا في فرض إرادة الخارج على القرارات الداخلية.
فالرئيس نبيه بري، وهو الذي يتحرّك في اتجاه تأمين الحدّ الأدنى من التوافقية بين مختلف الأطراف السياسية على “مرشح تسوية”، أي على مرشح “لا يموت معه الذئب ولا يفنى الغنم”، أي على “الطريقة اللبنانية”، التي تستند إلى مقولة المثل الشائع “ما الك صاحب إلا بعد خناقة”، أو الرئيس الذي سيكون “مع ستي بخير ومع سيدي بخير”.
وهذا النوع من مشاريع الرؤساء يرفضه كل من “القوات اللبنانية” وحزب “الكتائب” وعدد لا بأس به من النواب “التغييريين” ومثل عددهم نواب مستقلون. فهؤلاء يعتبرون أن ما وصل إليه لبنان من أزمات عمرها من “عمر الخبز” هو نتيجة اعتماد سياسة “تبويس اللحى” و”عفا الله عمّا مضى”، و”مين ما أخد أمي بيصير عمّي”. فهذا الزمن بالنسبة إلى هذا الفريق قد ولّى وإلى غير رجعة. ولذلك يصرّ على عدم تكرار “غلطة الشاطر”، التي تساوي ألف غلطة، وأن يعمل ما لا يُعمل على منع وصول رئيس يشبه الرئيسين ميشال عون وأميل لحود.
أمّا الفريق الآخر، وقد زاد عدد نوابه نائبًا على الأقّل حتى الآن، فيصرّ على أن يكون الرئيس العتيد غير بعيد عن فكرة حماية “المقاومة”. وهو يرفض أن يأتي رئيس يؤتمر من السفارات، سواء في عوكر أو في أي مكان آخر.
وطالما أن الوضع على هذا المنوال من التجاذب فإن “سيناريو” الجلسات السبع سيتكرر ليس سبع مرّات، بل سبعين مرّة سبع مرّات. مع العلم أن موازين القوى لا تميل إلى ترجيح كفّة هذا على ذاك، لأن لا أحد من هذين المحورين يملك الأكثرية، التي تسمح له أولًا بتأمين الـ 65 صوتًا بعد تخطّي عقبة نصاب الثلثين المعتمد لكل الجلسات الانتخابية.
من هنا، وفي غياب “التوافق” الخارجي يبقى تعبير “التوافق الداخلي” من دون أي معنىً عملي حتى إشعار آخر.
فعن أي توافق نتحدّث، وما هي مواصفات الرئيس التوافقي، وكيف يمكنه أن يجمع الأضداد في خندق واحد، أو بتعبير آخر كيف سيتمكن من مزج الماء والزيت في إناء واحد ليصبحا محلولًا متماسكًا؟