مَن سيُقاضي غادة عون؟
بعد أقلّ من 11 شهراً على تجميد التحقيق بانفجار مرفأ بيروت لا تزال المحاولات مستمرّة لفتح ثغرة في جدار “البلوك” القضائي قد تمهّد لمعاودة الهيئة العامّة لمحكمة التمييز المولجة بتّ الدعاوى ضدّ القاضي طارق البيطار مهامّها، وبالتالي استئناف تحقيقات المرفأ بعد فشل إصدار تشكيلات قضائية جزئية لتعيين رؤساء غرف تمييز بالأصالة وبعد سقوط محاولة تعيين قاضٍ رديف أو منتدب.
شكوك في صحّة التئام الهيئة العامّة لمحكمة التمييز
تحيط علامات استفهام كبيرة بخطوة رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود الذي حاول إعادة إحياء الهيئة العامة لمحكمة التمييز بخمسة من أعضائها المنتدبين الذين لا يحقّ لهم وفق العرف المشاركة في اجتماعاتها. يُضاف إلى ذلك أنّ أحد القضاة توجد دعوى ردّ بحقّه، وأنّ القاضي عبود أصدر سلسلة قرارات جديدة بتعيين قضاة منتدبين محلّ قضاة منتدبين في الهيئة، وهذا ما يجعل الشكوك تحوم أكثر حول صوابية التئامها في ظلّ وضعها القانوني الحالي. حتى نقابة المحامين وقفت ضدّ هذا المسار حين قدّمت اقتراحاً بتعديل القانون يتيح تشكيل هيئة تكون مختصّة ببتّ طلبات الردّ والارتياب المشروع بحقّ المحقّق العدلي.
وفق المعلومات، وفي آخر اجتماع تشاوري للهيئة العامة لمحكمة التمييز مع القضاة المنتدبين، خاطب القاضي ماجد مزيحم (منتدباً وليس بالأصالة) أعضاء الهيئة ورئيسها قائلاً: “هناك قضاة موجودون بيننا سبق أن أبدوا رأيهم في الملفّ، وقضاة آخرون توجد دعاوى ردّ بحقّهم، وبالتالي لا تحقّ لهم المشاركة في اجتماعات الهيئة، ومع خروج هؤلاء من القاعة تفقد الهيئة نصابها”، ملوّحاً بأنّه لن “يشارك أيضاً في الجلسات، وهو ما يُفقد الهيئة نصابها”.من جهتها، تقول مصادر مجلس القضاء الأعلى لـ”أساس”: “حتى الآن تُعقد اجتماعات تشاورية متتالية لدرس إمكانية السير باجتماعات الهيئة العامة أم لا”.
هيئة خارج الخدمة
يُذكر أنّ “الهيئة العامّة” أصبحت خارج الخدمة منذ 12 كانون الثاني الماضي، وهو واقعٌ قانوني أدّى إلى “كربجة” تحقيقات المرفأ نهائيّاً لأنّ الهيئة مولجة ببتّ الدعاوى المقامة ضدّ البيطار الذي كُفّت يده عن التحقيقات بفعل الدعاوى ضدّه منذ 13 كانون الأول 2021 حين أبلغ القاضي ناجي عيد المحقّق البيطار بدعوى طلب ردّه من النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر.
معارضة لإحياء الهيئة العامّة
حتى الآن لا تزال هناك معارضة قضائية – سياسية لاستئناف الهيئة العامة اجتماعاتها بعد فقدانها النصاب والعجز عن إجراء تشكيلات جزئية لرؤساء محاكم التمييز تؤدّي إلى ملء الشغور في الهيئة العامة وفي هذا السياق يبرز أمران:
ـ لا سابقة لاجتماع هيئة محكمة التمييز بوجود قضاة منتدَبين يُكملون نصاب جلساتها، إذ قضى العرف بإكمال نصاب الجلسات في ظلّ وجود قضاة أصيلين وفي الوقت نفسه لا نصّ قانونياً صريحاً يمنع ذلك! والأهمّ ما يتردّد عن عدم اقتناع عدد من القضاة بصوابية التئام الهيئة العامة في ظلّ الشغور الذي يجتاحها.
ـ هناك دعوى ردّ بحقّ القاضي ناجي عيد تعلِّق مشاركته في اجتماعات الهيئة وكان القاضي عبود أصدر انتدابات جديدة، مع العلم أنّ القاضيتين رندة كفوري وجانيت حنّا (أقيمت دعوى ردّ بحقها ورفضتها الهيئة العامة سابقاً) أخذتا موقفاً من القاضي عبود وقاطعتا محكمة التمييز على خلفيّة التشكيلات القضائية هكذا انتدب عبود القاضي فرنسوا الياس محلّ القاضية كفوري رئيساً للغرفة السادسة في محكمة التمييز، وعيّن بالانتداب القاضية مادي مطران رئيسة غرفة تمييز بالإنابة محلّ رولا المصري بعد إحالتها إلى التقاعد، وعيّن جان مارك عويس (قُدّمت بحقّه دعوى مخاصمة) مكان القاضية جمال خوري.
غادة عون تقتحم الهيئة
فيما كان القاضي عبود يستعدّ لإعادة تشغيل محرّكات “الهيئة العامّة” أُحرِجَ بملفّ “ليس على البال” بعد تقديم الرئيس نبيه بري دعوى بحقّ القاضية غادة عون وتخلُّف الأخيرة عن المثول أمام مدّعي عامّ التمييز القاضي غسان عويدات ثمّ تقديم وكيلة عون دعوى ردّ عويدات أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز بداعي خصومة سابقة بينها وبين مدّعي عام التمييز.
في هذا السياق تقول مصادر قضائية لـ”أساس”: “أخطأت القاضية عون كثيراً حين رفضت المثول أمام رئيسها القاضي عويدات”، مشيرة إلى أنّه “بالمفهوم القانوني تُعتبر دعوى الرئيس برّي فارغة وغير صلبة وخالية من الجرم الجزائي، وعون سبق أن ارتكبت أخطاء أكبر من ذلك بكثير لكنّ الخطيئة الكبرى هي في عدم مثولها أمام مدّعي عام التمييز الذي كان سيستمع إلى أقوالها، لكنّ تصرّفها عقّد الأمور”وتؤكّد المصادر: “لم يكن وارداً أخذ القاضي عويدات قراراً بتوقيف مدّعي عام جبل لبنان في حال مثولها أمامه فحتى في حال ارتكاب القاضي جناية لا يمكن توقيفه بحسب النصّ الذي يشير إلى وجوب تعيين رئيس مجلس القضاء الأعلى قاضياً أعلى درجة من القاضي المدّعى عليه للتحقيق معه واستجوابه وإذا ارتأى القاضي توقيف القاضي المدّعى عليه لا يستطيع فعل ذلك إلا بعد توقيع الرئيس الأول لمحاكم التمييز، أي في الحالة الراهنة القاضي سهيل عبود إلى ذلك لا يتمّ توقيف القاضي في سجن بل في مكان خاصّ. أمّا في الجنحة فالتوقيف غير وارد أيضاً”.
جلسة استجواب لعون
ضمن السيناريوهات المطروحة أن تحدّد الهيئة العامة لمحكمة التمييز جلسة للقاضية عون تحضر خلالها النيابة العامة التمييزية كأيّ محاكمة عاديّة، والأرجح أن لا يحصل أيّ إجراء بحقّها، إلا إذا جاء توزيع الأصوات داخل الهيئة العامة ضدّها، وذلك بعد ادّعاء القاضي عويدات على عون بموجب المادّة 346 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تشير صراحة إلى “إقامة الدعوى أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز”، إذا أُسندت الجنحة إلى “أحد رؤساء غرف الاستئناف أو إلى النائب العام لدى محكمة الاستئناف أو النائب العام المالي أو مفوّض الحكومة أو إلى أحد قضاة محكمة التمييز أو أحد أعضاء النيابة العامة لديها أو إلى قاضي التحقيق الأول”.
يقول مواكبون للقضية: “على الرغم من النفور الكبير بين رئيس مجلس القضاء الأعلى ومدّعي عام جبل لبنان، لكنّ القاضي عبود “ليس مستقتلاً” ليفشّ خلق الرئيس بري أو لخلق أزمة بعد استئناف الهيئة العامة لمحاكم التمييز أعمالها التي أراد منها حصراً تسهيل الطريق أمام استئناف تحقيقات المرفأ، والأهمّ بتّ مصير 17 موقوفاً في القضية، بعضهم يقبع ظلماً في الاعتقال”.يضيف هؤلاء: “قضية غادة عون والدعوى التي تقدّمت بها ضدّ عويدات واحتمال محاكمة مدّعي عام جبل لبنان أمام الهيئة العامة واقع طارئ ومُستجدّ لا علاقة له بالمسار الذي كان يعمل عليه القاضي عبود لإعادة إحياء اجتماعات الهيئة العامة لمحكمة التمييز بهدف كسر جمود التحقيقات في قضية المرفأ”.