مواد كيماوية واشعاعية ونووية خطرة ستنقل إلى منطقة بقاعية!
جاء في الاخبار:
«الأخبار»، حصلت على وثيقة صادرة عن قيادة الجيش، تُظهر نية الحكومة اللبنانية، وعبر وزارة المالية، إقامة «مخزن للّقى الملوثة إشعاعياً» في جرود بلدة نحلة البقاعيّة، لـ«تنفيذ التزامات لبنان تجاه الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمواد الكيماوية والبيولوجية والإشعاعية والنووية «CBRN».
الوثيقة المؤرّخة في 4 نيسان من هذا العام (تحمل الرقم 6250 /ت.ج تصنيف 221/1)، تتضمّن مراسلة من قيادة الجيش إلى وزارة الدفاع الوطني، تستند بدايةً إلى مقررات مجلس الدفاع الأعلى بتاريخ 26 كانون الثاني 2021، الذي كلّف وزارة المالية إيجاد العقار المناسب في سلسلة جبال لبنان الشرقية من قبل المديرية العامة للشؤون العقارية بالتنسيق مع وزارة الدفاع الوطني، وتأمين الاعتمادات اللازمة لإنشاء المخزن، أو العمل على تأمين تمويل خارجي أو هبات.
وتذكر الوثيقة أن رئيس الهيئة الوطنية لتنفيذ التزامات لبنان تجاه الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمواد الكيماوية والبيولوجية والإشعاعية والنووية (CBRN) رئيس الهيئة الوطنية للطاقة الذرية الدكتور بلال نصولي، أحال مراسلة إلى المديرية العامة للشؤون العقارية بضرورة حصر لائحة العقارات المقترحة من قبلها بـ 15 عقاراً فقط، بعدما اقترحت المديرية، بحسب معلومات «الأخبار»، 200 عقار من العقارات التابعة للدولة اللبنانية لغرض إنشاء المخزن.
وعلى ما تشير الوثيقة المذيّلة بتوقيع قائد الجيش العماد جوزف عون، فإن المؤسسة العسكرية حصلت لاحقاً على لائحة من المديرية العامة للشؤون العقارية، بـ 13 عقاراً في منطقة نحلة العقارية. وأعدّ الجيش صوراً فضائية أُسقطت عليها مخططات عقارية تبين العقارات الـ13، ودراسة مفصلة عنها تضمنت: المساحة والتضاريس والشكل الهندسي والانحدار ومسافة البعد عن الطريق المعبدة وخطوط المياه والكهرباء، وكيفية الوصول إليها والمسافة التي تفصلها عن المنشآت السكنية. وبعد التدقيق في العقارات، تمّ التوصّل إلى إمكانية اعتماد العقارات الثلاثة المدرجة بالأفضلية: العقار رقم 5144/نحلة، العقار رقم 5143/نحلة، العقار رقم 5135/نحلة، قبل أن تطلب قيادة الجيش، ختاماً، اطلاع وزارة الدفاع الوطني وفي حال الموافقة، إيداع المعطيات الواردة رئاسة مجلس الوزراء لاستكمال تنفيذ توصيات المجلس الأعلى للدفاع.
ما هي هذه المواد؟ وما هي خطورتها؟ وكيف يمكن أن تُخزّن على مقربة من قرية مسكونة؟ يجيب نصولي بدايةً مدافعاً عن المشروع، معتبراً أن المواد التي يتمّ الحديث عنها، «غير خطرة ولا تستدعي الخوف، فبعضها موجود أصلاً منذ سنوات في غرف داخل مبنى الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية في بيروت، ولا تشكل خطراً علينا». يعرف نصولي أن الاسم يثير الخوف، لكنه يؤكّد أن «الاسم كبير، والمحتوى ما بينحكى فيه»، وأنه على استعداد لشرح أدق التفاصيل لسائر فعاليات المنطقة و«حتى تنظيم زيارات لعدد منهم لمخازن مواد ملوثة إشعاعياً في بعض الدول».
ويشرح ماهيّة اللّقى الملوثة إشعاعياً، أنّها «بنسبة 95% مواد خردة يتم إدخالها بواسطة التهريب إلى لبنان، وعند تصديرها إلى الخارج بقصد إعادة التدوير عبر مرفأ بيروت يتم ضبطها من قبل الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية والجمارك»، مضيفاً أن «تُجّار الحروب يشترون دمار مستشفيات ومراكز طبية واستشفائية تستعمل التصوير النووي والمحوري الطبقي (بما فيها قطع حديد المباني وما يعثر عليه من معدات ونفايات)، وتباع لتجار خردة يسعون لتصديرها عبر مرفأ بيروت لإعادة تدويرها. وهي مواد مشعة لا يمكن تصديرها لأن لبنان من الدول الموقعة على اتفاقيات دولية تحظر تصدير المواد المشعة، وكنا قد طالبنا بمراقبة تهريب الخردة وبؤر جمعها لكن من دون جدوى».
ويتابع أنه «عند ضبط اللقى الملوثة إشعاعياً، لا بد من حفظها وفق إجراءات وبروتوكولات علميّة، وفي مقدمها عزلها عن البشر. صحيح أنها غير قابلة للاشتعال أو الانفجار، لكن ينبغي أن تحفظ وتعزل في مخزن دائم لحمايتها ومنع استخدامها بطريقة غير قانونية أو لصنع قنابل قذرة. مشكلة تخزين مثل هذه المواد الأمن وليس الأمان».
بعد تفجير مرفأ بيروت، ومن أجل حفظ وعزل اللّقى الملوثة إشعاعياً، حصلت نقاشات في مجلس الدفاع الأعلى ومع حكومة الرئيس السابق حسان دياب وقيادة الجيش، بهدف إيجاد حل جذري لنقل المواد الملوثة من مخزن غير دائم إلى آخر دائم.
يكشف نصولي، أن خيار جرود نحلة لم يكن الأول، فقد «تقرر في مرحلة من المراحل إنشاء المخزن في إحدى الثكنات العسكرية، إلا أن الرفض من فعاليات المنطقة المحيطة بالثكنة، دفع الدولة للبحث عن عقار في السلسلة الشرقية».
وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن الخيار الأول كان موقعاً للجيش في بلدة عدلون الجنوبية، قبل أن تؤدي الاعتراضات إلى البحث عن خيارات بديلة على السلسلة الشرقية. تبلغ مساحة المخزن 250 متراً مربعاً في طابق أرضي، على أن ينشئ الجيش مركزاً عسكرياً ملاصقاً لحمايته.
الرواية الرسمية، تغيب عنها الدراسات العلميّة التي تثبت صلاحية المنطقة لإنشاء مخزن من هذا النوع فوق خزان جوفي. على الأقل، دراسة الأثر البيئي التي لم تبدأ بعد. فجرود بلدة نحلة أصلاً استثنيت من المخطط التوجيهي للمقالع والكسارات، لكونها الأغنى في محيطها بالينابيع النظيفة والآبار على عمق 50 متراً، بالإضافة إلى أنها السد المانع الطبيعي لنبع اللجوج الذي يغذي مدينة بعلبك بمياه الشرب، بحسب المخطط التوجيهي للمنطقة.
وزير البيئة الحالي ناصر ياسين الموجود في مصر للمشاركة في قمة المناخ ليس على علمٍ بالموضوع، إذ إن المشروع أقرّ أيام الوزير دميانوس قطّار الذي حاولت «الأخبار» الاتصال به مراراً، فيما تغيب الموظّفة المسؤولة عن الملف من قبل وزارة البيئة عن العمل بإجازة من دون راتب. وفي حين كان من المفترض أن يتابع آخرون في الوزارة المسألة، إلّا أن اللجنة المعنية لم تجتمع منذ فترة، ولا يحضرها جميع المشاركين بانتظام.
ليس سهلاً إيجاد خبير بالمواد المشعّة في لبنان من خارج الهيئة الوطنية أو فوج الهندسة في الجيش للاستماع إلى رأي علمي آخر. لكن خبير البيئة والسموم الكيماوية ناجي قديح لا يطمئنه المشروع. يعتبر قديح أن «هذه المواد خطرة ويجب تخزينها بطرق محدّدة تحت الأرض وتحفظ بدروع من معدن الرّصاص. واللقى ليست جميعها متشابهة ونسب خطورتها متفاوتة، لديها عمر لكي تنتهي إشعاعاتها، من سنوات قليلة إلى خمسين ومئة سنة، لذلك يجب أن تحفظ في مناطق بعيدة عن وصول البشر والأفضل على عمق معين تحت الأرض». ويضيف قديح أنه «يجب إنجاز العديد من الدراسات قبل الشروع في عمليّة البناء، لأن هذه المواد خطرة، ولولا أنها خطرة، لما كان يجري تخزينها بهذه الطريقة، وهي خطرة ليس من الناحية الأمنية فقط، إنّما كمصدر للتلوّث الإشعاعي».
مصدر عسكري من مكتب (CBRN) التابع لفوج الهندسة في الجيش، يؤكّد مسألة تدريع اللقى بالرصاص، «الأمر حاصل الآن مع اللقى الموجودة». ويشير إلى أن عملية الكشف الآن على هذه اللقى تحصل من قبل الخبراء من دون ملابس واقية لأن اللقى أصلاً مدرعة بالرصاص وهي ستكون في المخزن بهذه الحالة، وعملية بناء المخزن تعتمد المعايير الدولية». وحول دراسة الأثر البيئي، يجيب المصدر أن «جميع الدراسات لم تحصل بعد، دراسة الأثر البيئي، دراسة الزلازل، الدراسة الهندسية، ومن المفترض أن تبدأ الدراسات قريباً. هناك لجنة من جهات حكومية ورسمية عدة تنفذ قرار المجلس الأعلى للدفاع».
الحماسة للمشروع لا تعوّض العقبة الأساسية أمام الدولة. إذ إن العمل لا يزال حتى اللحظة، كلاماً في الهواء، لأن الدولة لا تملك التمويل، والدول المانحة لن تدفع ليرة واحدة إلا بعد التأكد من الشروع بالعمل، فيما يجري البحث عن مصادر تمويل، لا سيّما من الولايات المتحدة أو ألمانيا أو الوكالة الدولية للطاقة الذرية.