من الصحافة

هل قبض “الحزب” ثمن الترسيم؟

كتبت نجوى ابي حيدر في “المركزية”:

يخطئ من يعتقد ان ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل بموافقة وتسهيل غير اعتياديين من حزب الله، مجرد تضحية وطنية قدمها على مذبح لبنان خشية انهياره وزواله وتاليا فقدان ورقة التحكم به لمصلحة راعيه الاقليمي.

فالحزب لا يقدم هدايا مجانية، وليس في هذا الوارد، الا انه في الموازاة لم يقبض الثمن الذي يروَّج اعلاميا انه تقاضاه، اي تلزيمه لبنان مقابل توفير الضمانة لاسرائيل امناً واستقرارا على حدودها، في زمن الجنون السياسي المعرض للانزلاق في اي لحظة نحو مواجهات عسكرية لم يعد العالم قادرا على استيعابها او ضبط مفاعيلها بعد الحرب الروسية- الاوكرانية ووسط مساع دولية لاعادة رسم قواعد الاشتباك.

خلافا لما تتم حياكته من سرديات وتحليلات تربط بين ما استجد ترسيميا والسيناريو المتوقع على مستوى الاستحقاقات اللبنانية رئاسيا وحكومياً، بمعنى ان الحزب سيتمكن من ايصال رئيسه المستورة ورقته حتى الساعة بورقة بيضاء ، وحكومة تناسبه، تقول مصادر سياسية مطلعة على الاجواء السياسية الغربية لـ”المركزية”، “لا يعتقدنّ احد ان المسّ بالمسلمات المحددة للبنان وارد، والربط بين حاجة العالم وتحديدا الولايات المتحدة الاميركية للنفط والغاز ثمنه تنازل بهذا الحجم. ذلك ان العواصم الكبرى غربيا وعربيا على اهتمامها بلبنان ولن تبيعه لايران مهما كلّف الامر.

وليست “انتفاضة” سفير المملكة العربية السعودية وليد البخاري الذي زار اليوم قصر بعبدا مُجدِدا “حرص المملكة على وحدة لبنان وشعبه وعمقه العربي، انطلاقا من المبادئ الوطنية الميثاقية التي وردت في اتفاق الطائف الذي شكل قاعدة اساسية حمت لبنان وامّنت الاستقرار فيه”، وتغريده مساء امس، عن الطائف تحديدا بأن”وثيقةُ الوفاقِ الوطنيِّ عقدٌ مُلزمٌ لإرساءِ ركائزِ الكيانِ اللبنانيِّ التعدديِّ، والبديلُ عنهُ لن يكونَ ميثاقًا آخر بل تفكيكًا لعقدِ العيشِ المُشتركِ، وزوالِ الوطنِ الموحَّد، واستبدالهُ بكيانات لا تُشبهُ لُبنانَ الرسالةَ”، ليس ذلك سوى الدليل الى استمرار الاهتمام بلبنان من منطلق الثوابت التي حددها البيان الثلاثي السعودي- الاميركي- الفرنسي المشترك، وعدم ابرام صفقات على حسابه. وجاء التغريد “البخاري” والزيارة لبعبدا في اعقاب تسريب متعمّد لنبأ عشاء السفارة السويسرية المُمَهِد على ما تعمّد مسرّبوه من فريق الممانعة، بحسب المصادر، الايحاء به وتسويقه لجهة انه توطئة لمؤتمر حوار لبناني سيعقد الشهر المقبل في جنيف يبحث في الصيغة اللبنانية، وقد طار العشاء والموعد اثر انكشاف خلفياته واعتذار بعض المشاركين عن تلبية الدعوة.

وتقول المصادر ان مؤسسة HD وهي احدى المؤسسات السويسرية التي تعمل في لبنان منذ العام 2016 في اطار المجتمع المدني، كانت خلف دعوة السفارة الى العشاء في محاولة لتعزيز قنوات الحوار بين الافرقاء السياسيين اللبنانيين، على غرار لقاءات كثيرة اخرى تعقد في بيروت من حين لاخر داخل مجلس النواب وخارجه، وليست ابدا مقدمة لحوارات ومؤتمرات تعيد صياغة الدستور اللبناني، وفق ما سعى مسربو النبأ الى الايحاء به واستخدامه شماعة وفزّاعة لمن يرفض المسّ بالطائف علّه يقود الى تقديم تنازلات في الاستحقاقات الداهمة.

حدود اتفاق الترسيم، توضح المصادر، تجاوز منطق الحرب في ظل ارتباك اسرائيلي في الداخل عشية انتخابات تشرين وتحييد المنطقة عموما عن اي اشتباك محتمل، وتأمين مصالح الطرفين اللبناني والاسرائيلي في دخول عالم الانتاج النفطي في زمن الشّح. وما يحصل في العراق لجهة انتخاب رئيس للجمهورية وتكليف من يشكل الحكومة، من ضمن تسوية، هو دليل الى محاولة تعميم منطق التهدئة في المنطقة.

صحيح ان الحزب هو اللاعب الاقوى والاقدر على الساحة اللبنانية اليوم بفعل تخاذل سائر القوى، لا سيما الفريق السيادي والتغييري والمستقل العاجز عن توحيد صفه لاعتبارات تبدأ بالانانيات والشخصانيات ولا تنتهي بالمراهقة السياسية التي يمارسها بعضهم، بيد ان له اعتباراته ايضا ومشاكله ونقاط ضعفه، وما يجري على مستوى الداخل الايراني من اهتزازات تصيب النظام في الصميم ليس بعيدا من الوهن المصاب به حزب الله والمعطوف على بدء فقدان زمام التحكم ببيئته المتململة من مقاومة لا تطعم خبزا، بعدما قاد عهد حليفه البلاد الى انهيار لا مثيل له.

اما ثمن تسوية الترسيم لحزب الله فليس تنازلا بل ضغط، إن استمر سيفجر ايران من الداخل والحزبسيكون اولى ضحاياه.

Related Articles

Back to top button