إنقسام بين القضاة بشأن مصير الاضراب
كتب يوسف دياب في “الشرق الأوسط”:
تبدأ يوم غدٍ السنة القضائية الجديدة في لبنان، على وقع استمرار إضراب القضاة الذي استكمل شهره الثاني، جرّاء الأزمات المالية والاجتماعية والصحية التي يعانيها القضاة، وغياب الحلول المستدامة، إلا أن باباً فُتِحَ أمام معالجة جزئية تؤدي إلى زيادة رواتب القضاة بشكلٍ ملحوظ، وتقود إلى إنهاء مرحلة الإضراب المفتوح، لكنّ هذه المحاولة تصطدم برفض قاطع من أغلبية القضاة، لا سيما «نادي قضاة لبنان»، الذي يعترض على اجتراح حلّ «يشكّل إهانة للقضاة بدل إنصافهم».
وإزاء الصرخة التي أطلقها نقيب المحامين في بيروت ناضر كسبار، وهدد فيها بعدم السكوت عن وقف مسار العدالة والإضرار بمصالح المحامين وموكليهم، وأمام مؤشرات التفلّت الأمني الذي بدأ يلوح بالأفق ويترجم إما بالاقتحامات المتكررة للمصارف، وإما بجرائم السرقة والسطو المسلّح التي تحصل في وضح النهار، أعلن مصدر قضائي بارز أن الأسبوع المقبل «سيشهد حلاً موقتاً لأزمة الاعتكاف، لا يرقى إلى مستوى طموحات القضاة ومطالبهم».
وكشف لـ«الشرق الأوسط»، أن «عشرات القضاة تلقوا اتصالات من وزارة العدل، تطلب منهم التوقيع على عريضة تناشد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة احتساب رواتب القضاة على سعر الصرف 8000 ليرة للدولار الواحد، بدلاً من سعر الـ1500 ليرة المعتمد حالياً، بما يؤدي إلى رفع قيمة الرواتب خمسة أضعاف»، معتبراً أن هذه المبادرة «تلقى قبولاً عند البعض ورفضاً قاطعاً عند الأكثرية، التي تطالب بمعالجة دائمة للأزمة».
وتسهم هذه المبادرة في رفع راتب القضاة خمسة أضعاف تقريباً، ذلك أن متوسط راتب القاضي يبلغ حالياً 6 ملايين ليرة، وبعدما كان يعادل أربعة آلاف دولار عندما كان سعر الصرف 1500 ليرة للدولار الواحد، بات يعادل 140 دولاراً حالياً بالنظر إلى أن سعر صرف الدولار وصل إلى 38 ألف ليرة. وهنا يجري احتساب الأربعة آلاف دولار على سعر 8000 ليرة للدولار، فيرتفع الراتب إلى 32 مليون ليرة لبنانية، أي بما يقارب الـ900 دولار على سعر الصرف المعتمد حالياً.
وتنقسم الآراء داخل الجسم القضائي، بين مَن يصرّ على الاستمرار في الاعتكاف، ومَن يرغب في كسر حدّته، والعودة إلى العمل جزئياً، وأشار المصدر القضائي إلى أن عدداً كبيراً من القضاة «يفضّلون العودة إلى العمل بالمناوبة لمدة يوم أو يومين في الأسبوع، لتسيير الملفّات الأساسية والملحّة؛ خصوصاً موضوع الموقوفين والدعاوى التي يخشى سقوطها بمرور الزمن»، مشيراً إلى أن «عشرات القضاة خفضوا السقف العالي لمطالبهم التي رفعوها عند إعلان الإضراب، وخلال الجمعية العمومية للقضاة التي انعقدت بحضور رئيس مجلس القضاء القاضي سهيل عبود؛ خصوصاً إذا ما أعيد النظر بواقع الرواتب المالي، وفي تحسين التقديمات الطبية والتربوية لهم ولأبنائهم»، لافتاً إلى «اعتبارات عدّة دفعتهم إلى تليين مواقفهم، منها التحسين الجزئي لأصول الرواتب وتقديمات صندوق تعاضد القضاة، ورفع نسبة تغطية الفاتورة الاستشفائية والدوائية، والتقديمات التعليمية لأبناء القضاة».
هذه المبادرة التي يرى فيها البعض مخرجاً من الأزمة، يقلل من الإحراج واللوم الذي يوجّه للقضاء، تلقى رفضاً قاطعاً من «نادي قضاة لبنان»، الذي يعتبر أن «دعوة القضاة إلى توقيع عريضة تناشد حاكم مصرف لبنان (رياض سلامة)، دفع رواتب القضاة على سعر صرف الـ8000 ليرة، هي إمعان في إذلال القضاة؛ خصوصاً أن غالبيتهم رفضوا هذا الطرح قبل شهرين، واعتبروه رشوة مالية من حاكم البنك المركزي، ومقايضة على ملفاته التي يلاحق فيها أمام القضاء».
وأعلن أحد أعضاء «نادي القضاة»، أن «هناك من يسوّق لفكّ الاعتكاف جزئياً أو كلياً». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «مطالب القضاة ليست مالية فحسب». وقال إن «مطلب القضاة بالدرجة الأولى يكمن في قانون استقلالية القضاء». وأشار إلى أن «العواقب الوخيمة لمنع استقلالية القضاء، تترجم اليوم في تعطيل مراسيم التشكيلات القضائية، وعرقلة التحقيق بملفّ انفجار مرفأ بيروت، والتدخلات السياسية الفاضحة في القرارات القضائية».
وأشار القاضي، الذي رفض ذكر اسمه، إلى أن «نادي القضاة ليس بوارد فكّ الاعتكاف ما لم يكن هناك حلّ مستدام للأزمة». وأضاف: «آلية دفع الرواتب على سعر الـ8000 ليرة رفضناها خلال شهر يوليو (تموز) الماضي لأنها غير قانونية، ونرفضها اليوم لنفس الأسباب، ولن نرضى بحلّ يشكل إهانة للقضاة». وسأل: «إذا حليّنا أزمة القضاة، ماذا نفعل بالمساعدين القضائيين؟ وهل يستطيع القاضي أن يستأنف عمله إذا بقي الموظف معتكفاً ولم يحصل على حقّه؟».