هل تنخفض أسعار النفط في حال العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران؟
في غمرة سعي روسيا لاستخدام الغاز والنفط، كورقة ضغط على الدول الأوروبية والعالم الرافض لغزوها لأوكرانيا، باتت إيران أقرب لعقد اتفاق لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، ما قد يفتح بابا جديدا على تلك الدول قد يغنيها عن موسكو.
في هذا الصدد، قال تقرير لصحيفة نيويورك تايمز، إنه إذا وافقت طهران وواشنطن على إحياء الاتفاق النووي، قد يتم رفع العقوبات الاقتصادية على طهران، التي حدّت من قدرتها على تصدير الطاقة.
لكن الصحيفة عادت لتؤكد أنه حتى لو تم التوصل إلى اتفاق في المدى القريب، فسيكون تنفيذه معقدا وعلى مراحل “ومن المرجح أن يستغرق عدة أشهر “.
يقول خبراء إن أي اتفاق قد يكون له تأثير مبكر على الأسعار في سوق النفط، لكن الإمدادات ستأتي بعد فترة “ولن يكون ذلك قبل فصل الشتاء المقبل”.
وبينما تمتلك إيران الكثير من الغاز، إلا أنها تستخدم معظمه محليا، وتفتقر إلى خطوط أنابيب تمتد إلى أوروبا أو مرافق لتسييل الغاز الطبيعي.
في هذا الصدد قال سيمون تاجليابيترا، خبير الطاقة في “بروغل” Bruegel، وهي مؤسسة للأبحاث الاقتصادية: “سيكون لإيران على المدى القصير بعض صادرات النفط الإضافية، لكن ليس الغاز، وهو ما تحتاجه أوروبا حقا”.
ثم تابع “لن أراهن على إيران لإعادة التوازن إلى سوق الطاقة العالمي في الوقت القريب”.
من جانبه، قال جاكوب فونك كيركيغارد، الخبير الاقتصادي في صندوق مارشال الألماني، إن “ما تحتاجه أوروبا الآن هو الغاز ولا توجد طريقة للحصول عليه من إيران وليس في إطار زمني قريب، لا سيما هذا الشتاء”.
وحتى مع تدافع الدول الأوروبية لإيجاد مصادر طاقة بديلة، يصر المسؤولون الغربيون على أن سعر النفط قد انخفض أصلا بشكل كبير، مقارنة بالارتفاعات السابقة، بداية هذا الصيف.
بينما ركز معظمهم على فكرة أن تدفق النفط الإيراني قد يساعد على إبقاء الأسعار منخفضة.
ويقترح البعض أن إيران، التي تمتلك رابع أكبر احتياطيات نفطية في العالم، يمكنها في النهاية تصدير أكثر من مليوني برميل يوميا من النفط الخام، وهو ما يزيد عن ضعف ما تصدره الآن.
وشحن النفط أسهل من الغاز، كما أن روسيا، التي تجني أموالا من النفط أكثر بكثير من الغاز، واصلت ضخ وبيع النفط عند مستويات قريبة من مستويات ما قبل الحرب.
وحتى الاتحاد الأوروبي، الذي فرض عقوبات تدريجية على النفط الروسي، مع استثناءات عديدة، يشتري النفط من روسيا، ما كان يشتريه قبل الحرب.
لكن قد يتغير ذلك في كانون الثاني المقبل، يقول التقرير، عندما يتم فرض المزيد من العقوبات على موسكو، خاصة تلك التي سيقرها الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي سيضر بقدرة روسيا على تصدير بعض نفطها خارج خطوط الأنابيب.
تقرير “نيويورك تايمز” قال كذلك: “يمكن لصفقة نووية يتم تنفيذها على مراحل والتي قيل إنها ستتضمن بعض التنازلات المبكرة لإيران لتمكينها من بيع بعض نفطها المخزن، أن تخفف من حدة السوق عن طريق إضافة المزيد من النفط”.
يقول خبراء إن إيران تصدر حوالي 800 ألف برميل يوميا، اشترتها الصين معظمها، خلال السنوات الأخيرة، لكنها قد تزيد الإنتاج بسرعة إلى حد ما، بعد التوصل إلى اتفاق مع الدول الغربية وأميركا على وجه التحديد.
وبعد أن أعاد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب، فرض العقوبات على طهران في عام 2018، خفض الإيرانيون الإنتاج بحدة، لكنهم تعاملوا مع عمليات الإغلاق بطريقة حذرة قللت من الأضرار، ومن المفترض أن تسمح لهم، عندما تسنح الفرصة، باستعادة الإنتاج بسرعة.
جهّز مسوقو النفط الإيرانيون أنفسهم لزيادة المبيعات بمجرد رفع العقوبات.
ويقدر خبراء أن حوالي 44 مليون برميل من الخام الإيراني يتم تحميلها بالفعل على ناقلات، معظمها نحو الصين.
ويلاحظ ذات الخبراء أن بعض هذه السفن قد تكون منخرطة في عمليات نقل من سفينة إلى أخرى تهدف إلى تجنب العقوبات وإخفاء وجهة النفط.
وتعادل إضافة 1.3 مليون برميل في اليوم نسبة 1% فقط من الطلب العالمي الحالي، لكنها ستحدث فرقا، يؤكد التقرير.
وتنتج منظمة المنتجين التي تقودها السعودية وروسيا والمعروفة باسم “أوبك بلس” حوالي 2.7 مليون برميل يوميا (أقل من قدرتها)، على الرغم من الضغط من إدارة بايدن وآخرين من أجل رفع الإنتاج، وفقا لوكالة الطاقة الدولية، ومقرها باريس.
لذلك، فإن إعادة النفط الإيراني إلى السوق، وفق الصحيفة الأميركية، من شأنه أن يعوض بعضا من هذا النقص ويحد من الانخفاضات المحتملة في الإنتاج الروسي.
“إيران يمكن أن تكون مصدر إمدادات كبيرة إذا تم تخفيف العقوبات، على الرغم من أن عودتها إلى السوق لن تحدث بين عشية وضحاها”، وفق محللين.
قالت إيلي جيرانمايه، الخبيرة في الشؤون الإيرانية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن بعض الدول الأوروبية استوردت كميات كبيرة من النفط الإيراني قبل إعادة فرض العقوبات الأميركية في 2018، بما في ذلك إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وهولندا، لذلك ترى بأن تلك الدول ستعتبر “إيران كحل على المدى القصير”.
وقالت إنه حتى إذا لم تجد إيران أسواقا مبكرة للنفط في أوروبا، “فقد يخفف ذلك بعض الضغط العالمي على الأسواق في آسيا، مما قد يحرر بعض الإمدادات إلى أوروبا”.
لكن تاجليابيترا، خبير الطاقة المعروف، قال من جانبه إن العقوبات ليست العائق الوحيد أمام صادرات إيران “هناك بنية تحتية سيئة للتصدير، مع عدم وجود خطوط أنابيب إلى الاتحاد الأوروبي ولا مصانع لإنتاج الغاز الطبيعي السائل”.
وتحتاج إيران إلى الخبرة الفنية لشركات النفط العالمية، والتي من المرجح أن تحجم عن دخول البلاد مرة أخرى حتى بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024، حيث قد يقرر أي رئيس جمهوري يفوز بها الانسحاب مجددا من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات.
“هل ستعود الشركات الكبيرة التي كانت في إيران من قبل إلى هذا المستوى مع العلم بما قد يحدث في عام 2024؟” يتساءل أحد الخبراء تحدثت إليه نيويورك تايمز.
يذكر أن السعودية ألمحت إلى أنها قد تخفض الإنتاج إذا عادت إيران إلى السوق، لضمان ارتفاع أسعار النفط.
وقالت حليمة كروفت، رئيسة السلع في “آر بي سي كابيتال ماركتس”، في مذكرة حديثة للعملاء: “يمكن لأوبك بالفعل أن تخفض الإنتاج بمجرد أن تبدأ البراميل الإيرانية في الوصول إلى السوق”.