التعطيل “حق مشروع”…هل نواب المعارضة “يتبنّون” نهج “حزب الله”؟!
حين كرّس نواب “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” في الانتخابات الرئاسية الأخيرة مبدأ “تعطيل النصاب” في الجلسات التي كان رئيس البرلمان نبيه بري يدعو إليها، من أجل “ضمان” فوز مرشحهما آنذاك الرئيس ميشال عون، تعرّضوا للكثير من السهام والانتقادات على خلفية ما وصفها خصومهما بـ”الهرطقة الدستورية”، من خلال “تفصيل” الدستور على قياس مرشح، وعدم القبول بقواعد اللعبة الديمقراطية.
أكثر من ذلك، ذهب بعض خصوم “الحزب” و”التيار” إلى حدّ اعتباره “مقاطعتهما” لجلسات الانتخاب الرئاسية بمثابة “الجرم”، خصوصًا بعدما أدّى ذلك إلى “فراغ” في سدّة الرئاسة استمرّ لفترة طويلة، واعتبر كثيرون أنّ هؤلاء النواب “يقصّرون في واجباتهم”، باعتبار أنّ حضور الجلسات هو من “البديهيات” التي يتطلّبها دورهم كنواب، وأن “حقّ الغياب” ليس منصوصًا عليه في أيّ نصوص قانونية ودستورية.
ولكن، مع بدء العدّ العكسي للانتخابات الرئاسية لهذا العام، بدأ الكثير من معارضي “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” بالحديث عن خيارات “مفتوحة” بين أيديهم، من بينها مقاطعة الجلسات، في حال تبيّن أنّها ستفضي إلى فوز مرشح لا يرضون عنه، أو ينتمي إلى قوى الثامن من آذار، ما يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول “مبدئية” هؤلاء النواب، الذين يشرّعون لأنفسهم اليوم ما كانوا يعارضونه بالأمس.
مسألة “نسبية”؟!
رغم النقاش “المفتوح” في العديد من الأوساط السياسية حول “حق” تعطيل الجلسات، يتريّث الكثير من نواب المعارضة في تحديد موقفهم، بمن فيهم أولئك الذين عارضوا بشدّة هذا النهج في الانتخابات السابقة، يوم استخدمه “حزب الله” و”لتيار الوطني الحر”، باعتباره “حقًا ديمقراطيًا مشروعًا”، ولو أدّى إلى “تطيير” الانتخابات الرئاسية إلى أجل غير مسمّى، كما حصل أساسًا يومها، حيث سيطر “الفراغ” على قصر بعبدا لأكثر من عام كامل.
بين هؤلاء المعارضين من يقول إنّ المسألة “نسبية”، وإنّ النقاش الحاصل اليوم ما كان ليحصل لولا “سابقة” 2014، علمًا أنّ الكثيرين في المعارضة حذروا يومها، من أنّ ما فعله “الحزب” و”التيار” من شأنه أن يؤسّس لـ”عرف” قد يستخدمه أيّ طرف يجد أنّ نتيجة الانتخابات لن تكون في صالحه، وهو ما يحصل اليوم بشكل أو بآخر، علمًا أنّ هناك من يعتبر “التعطيل” خيارًا على الأقلّ بانتظار نضوج الظروف، وتنسيق المواقف بين بعض الأطراف.
ولعلّ اللافت في هذا السياق أنّ نواب “التغيير” يتبنّون هذا الخيار بشكل أو بآخر، وهو ما عبّر عنه أكثر من نائب من صفوفهم في الأيام الأخيرة، حيث أشاروا إلى أن الدستور بمجرد تحديده النصاب، يعطي النواب “الحق المشروع” في الحضور أو المقاطعة، علمًا أنّ المقاطعة هي بحدّ ذاتها “موقف” يجوز لأيّ نائب يعترض على مسار الأمور أن يسلكه، بمعزل عن النتيجة التي يمكن أن تترتّب على هذا الأمر على المستوى العملياتي.
قبل.. وبعد الفراغ!
وبعيدًا عن “المبدأ” الذي يحكم الأمر، ثمّة في صفوف المعارضة من “يميّز” بين مرحلتين، ما قبل حصول الفراغ الرئاسي، وما بعده، إذ يعتبرون أنّ لكلّ ظرف مقامه، فقبل أن تقع الواقعة، يشكّل “تعطيل النصاب” سلاحًا بيد النواب، ويرون أنّ هذا السلاح قد “شرّعه” الدستور أصلاً بإعطاء مهلة شهرين لإنجاز الانتخابات، ما يعني أنّ جلسة واحدة قد لا تكون كافية لذلك، وبالتالي فيمكن للنواب استخدام هذا السلاح لرفع أسهم مرشح محدّد، أو الضغط على آخرين.
أكثر من ذلك، ثمّة إشكالية “أخلاقية” يطرحها هذا الأمر برأي البعض، باعتبار أنّ “التعطيل” يمكن أن يستمرّ إلى “ما شاء الله”، إذا لم يتنازل أحد، ولم يتمّ التوصل إلى أيّ تسوية بين الفرقاء المتنازعين، وهو ما يعني أنّ من يدافع عن خيار “الغياب” بوصفه حقًا مشروعًا، يمكن أن يسمح بسريان “الفراغ” لسنوات وسنوات، وهو وضع لا يمكن أن يستقيم في القانون والدستور، وفق ما يقول الخبراء.
يمعزل عن النقاش حول “حقّ” النواب بالغياب عن الجلسات من عدمه، وحول كون المقاطعة بحدّ ذاتها “موقفها”، ثمّة إشكاليات كثيرة تُطرَح عن “حدود” هذا الحق، إذا ما أدّى إلى “فراغ شامل”، وأبعد منها، ثمّة خشية لدى كثيرين من “فوضى” يمكن أن تخرج عن الحدود، خصوصًا في ظل الحديث عن “فتاوى واجتهادات غب الطلب”، تحوّل الدستور من دوره “الناظم” للشأن العام، إلى “وسيلة” يحوّرها كلّ فريق كما يحلو له!