التسويات تتسارع في المنطقة.. وتخوّف لبناني من “جنون” إسرائيلي
كتب منير الربيع في “المدن”:
هل يمكن أن تكون ضربة إسرائيل لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزّة، فاتحة مسار الوصول إلى اتفاق ترسيم الحدود مع لبنان؟ ما يدفع إلى هذا السؤال بعض من ما تضج به الكواليس السياسية، حول الحرص الأميركي على عدم رغبة إسرائيل وحزب الله في الذهاب إلى حرب. وكذلك توكيد المسؤولين الأميركيين أنهم لا يريدون أي تصعيد، ولا يغطون إسرائيل في أي عملية عسكرية ضد حزب الله. حتى أن بعض الإجابات على ما جرى في غزة، يركز على أن الأميركيين منحوا الإسرائيليين هذه الفرصة لتحقيق مكسبين، أمني وسياسي، وتجنّب التصعيد في أي منطقة أخرى. فلا أميركا ولا أوروبا تريدان أي تصعيد في لبنان، لا بل إن أوروبا تدفع بكل قوتها للوصول إلى اتفاق نووي مع إيران.
لا بد إذًا من مراقبة مسار التطورات من منظور أوسع. ثمة ما يشير إلى متغيرات استراتيجية: تجدد المفاوضات النووية، حجم الضغوط الأوروبية لتقديم تنازلات لإيران، وضعف الإدارة الأميركية وحاجتها لأي إنجاز. وهذا لا ينفصل عن التحول في المسار الاستراتيجي التركي: إعلان وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو عن لقائه وزير الخارجية السوري فيصل المقداد. والحدث الأخير تحولٌ كبير يرتبط بالمصالح الاستراتيجية للدول، ولا حاجة هنا للدخول في تفاصيلها. بل الارتكاز على هذا التحول لقراءة ما يجري في المنطقة، وانعكاساته في لبنان. ولا يمكن إغفال مسار المفاوضات الإيرانية- السعودية، والتحضير لعقد لقاء بين وزيري خارجية البلدين.
انتصارات خدمة للتسوية
تدفع هذه التطورات إلى التعامل بواقعية مع الاستحقاقات، خصوصًا في حال التوصل إلى إحياء الاتفاق النووي، وانعكاسه على ترسيم الحدود في لبنان. فلبنانيًا، يمكن قراءة الصورة من لقاء وليد جنبلاط بمسؤولي حزب الله.
هذا يعكس أيضًا جانبًا من ما يجري، تحت عنوان البحث عن توافق وتسويات. والعودة إلى التأكيد الأميركي بعدم وجود أي رغبة في الحرب، تؤدي إلى استنتاج واضح: أميركا منحت إسرائيل الغطاء اللازم لتنفيذ ضربة غزة، لتعلن إسرائيل أنها حققت انتصارًا في عمليات الاغتيال التي نفذتها. ومقابل إعلانها هذا وتحييدها حركة حماس، يبرر الإسرائيليون لأنفسهم تقديم تنازل في ترسيم الحدود مع لبنان، تجنبًا لحرب واسعة. وهذا معطوف على التسريبات المتعلقة بوقف عملية الاستخراج من كاريش.
التسلسل المنطقي للأحداث يشير إلى هذه القراءة، ما لم تحصل تطورات مفاجئة تعيد الأمور إلى السلبية وتفجر الأوضاع. لا سيما أن إسرائيل أبرز المتضررين من الاتفاق النووي، ومن فرض حزب الله شروطه في ترسيم الحدود. فهو من وضع محددات الاتفاق، ووجدت إسرائيل نفسها مضطرة إلى التجاوب مع شروط الدولة الدولة اللبنانية.
خوف لبناني
لكن يجب عدم التفاؤل في الوصول إلى اتفاق، لأنه لا يمكن الوثوق بإسرائيل. لذا ثمة في لبنان من يبدي قلقه من لجوء إسرائيل -أثناء حفلة المزايدات الانتخابية بين قواها السياسية- إلى التهور بالذهاب إلى خطوات عسكرية. التفاؤل اللبناني مبني على كلام المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، بأن بلاده تسعى للوصول إلى اتفاق واستكمال مساره وإنجازه.
أما القلق اللبناني فمبني على عدم موافقة إسرائيل حتى الآن على هذا الأمر. لذلك لا يزال حزب الله على استنفاره، لقناعته بأن الجنون الإسرائيلي قد يؤدي إلى غياب أي فعل منطقي في موسم الانتخابات. وطالما أن لبنان لم يحصل على الجواب النهائي والخطّي عبر الوسيط الأميركي، هناك تخوف من أن تضع إسرائيل الجميع تحت الأمر الواقع بما فيه أميركا. وقد يلجأ الإسرائيلي إلى تخريب الاتفاق النووي، أو يقوم بتحركات أمنية وعسكرية بعد حصوله.
هذه الحسابات تؤخذ في الاعتبار لبنانيًا، على قاعدة أنه لا بد من تحصين الساحة الداخلية، تحسبًا لأي تطورات، سواء ذهبت المنطقة نحو التسويات أم فُرض التصعيد أمرًا واقعًا.