ملف المرفأ: الصدمة المطلوبة

كتب مستشار السّياسة الخارجيّة السّابق للرّئيس الأميركي السّابق دونالد ترامب، وليد فارس:
لرفع موضوع المرفأ في الاعلام الدولي، بالاضافة الى مذكرة من الكتلة السيادية في البرلمان اللبناني الى الامم المتحدة، وهذا امر جيد وحد ادنى، المطلوب “معالجة صدمة” Shock Treatment على الارض داخل وفي محيط مرفأ بيروت. فالرأي العام الدولي لن يقرأ مذكرة من مشرعين في خضم الاحداث الدولية، بل سيسمع ويرى مدنيين ينظمون تواجد دائم Sit in على ارض “البور” ويطلع على مطالبهم، كما جرى في اول اربعة ايام بعد الانفجار، او ليوم واحد في الذكرى السنوية الاولى للانفجار.
ان اعتصام للمواطنين على ارض المرفاء، واصدار “بيانات ذكية”، ورفع دعاوى دولية، وتحركات منسقة للNGOs، ودور فعال للكتلة النيابية “السيادية-التغييرية” المشتركة، وتحرك متوازي للجمعيات الاغترابية، ورفع مذكرات واضحة وليست فقط انشائية نظرية، هو الاكثر فعالية في هذه المرحلة.
ولا ننسى ان الوقت مهم، والتوقيت اهم. لو انطلق هكذا تحرك في آب ٢٠٢٠، لكانت ردة الفعل الدولية اسرع واكبر. ولو انطلق في آب ٢٠٢١، لا سيما بعد المسيرة الضخمة، لكانت النتائج لا بأس. واذا انطلقت هذا الشهر من ٢٠٢٢، سيكون لها وقع، بالرغم من الاحداث العالمية. للاسف ففي هذا العالم يجب تطبيق مبدأ Il faut partir a temp اي الانطلاق في الوقت المناسب.
و الاهم هو المطلب. ان المطالبة بتحديد المسؤولية عن الانفجار دوليا ستأخذ وقتا طويلا، كما تعّلم اللبنانيون مع ملف اغتيال الحريري. هذه المطالبة ضرورية و لكن تحقيقها سيأخذ وقتا طويلا. الاهم عمليا هو المطالبة -و الضغط – باجراء تغيير على الارض. فثمن الانفجار، كما صرحنا في صيف ٢٠٢٠، كان يجب ان يكون خطة امنية للمرفاء وجزء من بيروت، اي سحب اي تواجد لحزب الله و تراخيصه من بيروت الادارية على الاقل، كمقدمة لسحبه من منطقة حرة. اليوم البعض يرفع شعار بيروت منزوعة السلاح. لا بأس، و لكن المجتمع الدولي يريد ان يسمع لماذا؟ لذا مآساة المرفأ كانت مناسبة هائلة للمطالبة بخطة امنية تمنع السلاح، يعني الميليشيات في بيروت الادارية، كما كان اغتيال الحريري وخروج مظاهرة مليونية تحت ظل القرار ١٥٥٩ في آذار ٢٠٠٥، بابا لاخراج الجيش السوري من لبنان. التحرك الدولي يحتاج لحالة حامية وليست باردة، وصورة دراماتيكية، والاهم مطالبة واضحة تحتوي على مشروع واضح. فالمطالبة “باحقاق العدالة” ستبقى على المكاتب وفي “الجراوير”. اما مطلب واضح ومفصل وتحت ضغط شعبي جارف، فله حظ اكبر.
اما الاسوأ في الثقافة السياسية التى فرضها حزب الله على لبنان، هو “الاستسلام المسبق” Preemptive surrender. حيث يبث الحزب روح الاستسلام قبل ان يبدأ النشاط. فيبدأ “مهبطي الحيطان” بالصراخ: “العالم تركنا و لن يساعدنا احد” قبل التحرك نفسه. هكذا صراخ هو عمليا من صنع الحرب النفسية الايرانية لتهديم ارادة المقاومة عند الناس.
للاسف، وبتقديري، محاولة استصدار قرار دولي يتهم حزب الله بمسؤولية انفجار المرفأ، ولو ان المحاولة ضرورية ايا كانت النتائج، هذه للمحاولة لن تنجح الآن.
لان مؤسسات الامم المتحدة تمر عبر مجلس الامن، و هذا الاخير منقسم و لن تسمح روسيا و الصين بقرار ضد ايران او حلفائها. اما المحكمة الدولية او مؤسسات الامانة العامة فهي تحتاج لجهة صالحة لتقديم الملف. الحكومة اللبنانية تحت نفوذ حزب الله، فلن تدفع بالملف دوليا.
اما البرلمان اللبناني فيرأسه حليف لايران. و المعارضة السيادية لا تريد رفع ملف ال١٥٥٩ الان، لترفع عبره ملف المرفأ، لان اولويتها هي ملف رئاسة الجمهورية.
اذا ملف “البور” هو في ارض بور…حتى ان تقرر القوى السيادية ان تذهب باتجاه التدويل، جديا…
بقلم الدكتور وليد فارس من واشنطن
الأمين العام للمجموعة النيابية الاطلسية و خبير العلاقات الدولية في واشنطن.