جنبلاط “يستفزّ” جعجع.. هل يقع “الفراق” من جديد بين الجانبين؟!
لم تنزل الإطلالة التلفزيونية الأخيرة لرئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط “بردًا وسلامًا” على العديد من حلفائه المفترضين، ولا سيما حزب “القوات اللبنانية”، أو أقلّه هذا ما فُهِم من تعليق النائبة ستريدا جعجع عليه، والتي وصل بها الأمر لحدّ التوجّه إلى “البيك”، قائلةً: إذا كان “الفاجر بياكل مال التاجر” فاعرف جيدًا “نحنا ما حدا بياكلنا حقنا“.
ففي سلسلة تغريدات لها بعد المقابلة، بدا واضحًا أنّ جعجع أرادت، باسمها وباسم حزبها، توجيه العديد من الانتقادات، أو ربما “التحفظات”، على مواقف “البيك”، بدءًا من تمنّيها عليه “التقيّد بالشراكة المسيحية الدرزية ومصالحة الجبل”، وصولاً إلى رفضها موقفه المدافع عن مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي، مرورًا بتذكيره بالقوى التي كانت تعمل “على تحجيمه”، على حدّ وصفها، فيما هو يصرّ على فتح قنوات التواصل معها.
وإذا كان لافتًا أن تكون النائبة جعجع هي التي تولت تظهير موقف “القوات” من كلام جنبلاط، فإنّ تعليقها أثار الكثير من علامات الاستفهام، فهل يؤشر إلى “افتراق” بين الجانبين على أبواب الانتخابات الرئاسية، بعدما يئس جعجع من الرهان على “أكثرية معارضة” كما قال خلال اللقاء، مستشهدًا بتجربة انتخاب نائب رئيس البرلمان؟ وأيّ انعكاسات لها على العلاقة بين الجانبين، وقد أكّدا سابقًا تنسيق المواقف، بل التحالف السياسي؟!
تفاوت في الآراء
صحيح أنّ “الحزب التقدمي الاشتراكي” و”القوات اللبنانية” حرصا بعد الانتخابات النيابية الأخيرة على إظهار “التقارب” بينهما، وعملا على بلورة “تنسيق سياسي” في مختلف الاستحقاقات، إلا أنّ الصحيح أيضًا وفق ما يسجّل العارفون، أنّ هذا “التنسيق” لم يترجم على أرض الواقع في معظم المحطات التي تلت الانتخابات، بل كان التفاوت في الآراء والاختلاف في الإستراتيجيات سيد الموقف في معظمها.
ويشير هؤلاء إلى العديد من الأمثلة منها انتخابات رئيس مجلس النواب حين اختار “الاشتراكيون” التصويت للرئيس نبيه بري بوصفه “الصديق التاريخي”، فيما كانت “القوات” تقود “المعركة” في وجهه، ليتكرّر الأمر في استشارات تسمية رئيس الحكومة، حين اختار “الاشتراكي” التصويت للسفير نواف سلام، متوقّعًا أن “تجتمع” المعارضة على دعمه، فإذا بـ”القوات” ترفض هذا الخيار وتتموضع ضدّه.
ويعتبر البعض أنّ المشكلة التي أفضت إلى هذا الاختلاف تكمن في أنّ “المعادلة” التي كان يُعتقَد أنّ الانتخابات أفرزتها سرعان ما ثبت “زيفها”، حيث اعتقد كثيرون أنّ “الاشتراكي” و”القوات” يمكن أن يقودا ما اعتُبِرت “أكثرية جديدة” انبثقت عن الانتخابات، وأطاحت بالأكثرية السابقة التي كان “حزب الله” يمتلكها، فإذا بالوقائع تثبت أنّ هذه الأكثرية هي أكثريات، لا يمكن أن تتقاطع على موقف واحد، خصوصًا مع موقف نواب “التغيير” من “القوات” و”الاشتراكي“.
ريبة “القوات“
على أنّ ما يمكن وصفه بـ”الريبة”، أو ربما “النقزة القواتية” من مواقف “الاشتراكي” بدأت بالظهور مؤخرًا، بحسب ما يقول العارفون، حيث يشيرون إلى أنّ “القوات” فوجئت بالموقف الذي اتخذه جنبلاط من قضية ملاحقة المطران موسى الحاج، الذي اختار “التمايز” من خلاله عن مواقف كل القوى الأخرى، حين كان حتى من يؤيدون الملاحقة يصمتون أو ينأون بنفسهم، منعًا لأيّ حساسيّة يمكن أن تنتج عن أيّ تصريح يدلون به.
ويشير العارفون إلى أنّ ما أغاظ “القواتيين” أكثر جاء في مقاربة “البيك” لملف الانتخابات الرئاسية، التي تحدّث عنها بصراحة في إطلالته التلفزيونية الأخيرة، والذي دفع النائبة جعجع إلى تذكيره بضرورة “احترام الإرادة الشعبية وبكركي والمرجعيات المسيحية”، خصوصًا بعدما فُهِم من كلام جنبلاط “انفتاحه” على كلّ الخيارات الرئاسية، بما فيها خيار رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، إذا ما قدّم برنامجًا متكاملاً، كما قال.
وفيما يعتبر العارفون أنّ ما أزعج “القواتيين” أيضًا في الأداء “الجنبلاطي” يتمثّل في “انفتاحه” على “التيار الوطني الحر” نفسه، ودفاعه عن اللقاء الذي جمعه مع النائب غسان عطاالله، يشدّد هؤلاء على أنّ “القطبة المخفية” تبقى في عودة جنبلاط بشكل أو بآخر إلى خيار “الوسطية”، ربما من باب الحنين إلى الزمن الذي كان يلعب فيه دور “بيضة القبان”، إلا أنّ الظروف اليوم مختلفة، حيث يعتبر “القواتيون” أنّ المطلوب تشكيل “جبهة سيادية قوية”، لا “الاستسلام“.
يقول كثيرون إنّ العلاقة بين “القوات” و”الاشتراكي” لطالما كانت “ملتبسة” للكثير من الأسباب والاعتبارات، على رأسها أنّ جنبلاط يصرّ على “التمايز” عن جعجع، وهو ما كان يُلاحظ حتى حين كان الرجلان تحت مظلة واحدة، كما في أيام “14 آذار” الأولى. ولذلك، فإنّ ما يرجّحه العارفون هو أن يبقى التحالف بينهما، إن جاز التعبير، “على القطعة”، باعتبار مثل هذه الاستراتيجية “الوصفة الأفضل” في الظروف الحالية