بيروت تنافس نيويورك… ولكن!

تبوأت بيروت الصدارة الإقليمية في غلاء المعيشة بين المدن العربية، وتقدمت بذلك إلى المركز 12 عالمياً، مقتربة من الكلفة المرجعية في مدينة نيويورك، التي يتم اعتمادها مؤشراً للقياس.
بالتوازي اقترب لبنان، بفارق 6 مراتب فقط، من الحلول في مركز الصدارة العالمي لمؤشر «الأسوأ» في نوعية الحياة، وذلك في دراسة حول العالم شملها تقرير مؤسسة «نامبيو» الدولية.
وتغيب المقومات الأساسية لحياة كريمة بشكل شبه تام، وتتراكم القرائن التي لا تقبل المجادلة، في حين لا يُتْعِب المسؤولون أنفسهم للبحث بجدية عن خطة إنقاذ البلاد وإفقارهم الناس وإفلاسهم الدولة المشلولة منذ ثلاثة أعوام، من دون أن تتم معالجة أي من الأزمات، ما أدى إلى تراكم انهيار سعر صرف العملة الوطنية. وكأنهم بذلك يستفزون المواطنين الذين تعودوا الوقوف ساعات في الطوابير للحصول على الرغيف.
وقمة الاستفزاز أن يستخدم وزير في حكومة تصريف الأعمال فعل «التبشير» للإعلان عن ارتفاع سعر ربطة الخبز إلى 30 ألف ليرة بمجرد أن يوافق مجلس النواب على رفع الدعم عن الطحين.
لكننا في لبنان، حيث يمكن للمجلس أن يستغرق شهوراً ليدرس مسألة ملحة، ويخرج بقوانين عقيمة لا تنفذها الحكومات المنشغلة بالمحاصصة، وحيث يمكن للفاسدين واللصوص أن يتباهوا بإنجازاتهم على الملأ. وأن يُروِّجوا لأنفسهم كشخصيات رائدة وإصلاحية يليق بها تسلُّم مقاليد السلطة، وأن يشكوا من الأزمات الذين يشاركون في افتعالها، وكأنهم من كوكب آخر لا علاقة له بالعروة الوثقى للفساد والمحسوبيات والاستثمار في «نظام الحصانات» و»الإفلات من العقاب»، في حين يكثر الهمس بشأن الصفقات التي استفادوا منها على حساب كل مواطن متواطِئ على حياته وصحته وأمانه معهم عندما أعاد انتخابهم وأعاد لهم سلطة التحكم بمصيره.
والاستفزاز الذي يضرب على وتر من يرفض هذه المنظومة شكلاً ومضموناً، يتحول استغباء لدى من يجد لبعضها مبررات وظروفاً تخفيفية، ليتَّهِم فقط من تصوره له عدواً بكل الموبقات التي نشهدها.
والفظيع أن اللبنانيين لا يتورعون عن سرقة بعضهم البعض، وكأن سرقة أولياء أمورهم لهم لا تكفيهم. وحتى لا نقع في التعميم، هناك فئة منهم لا يهمها إلا البحث عن سبل للسرقة بما يتوافق مع الظروف والأزمات.