“السَلْبطة الشيعيّة” و”البَهْورة المارونيّة”
كتب داني حداد في موقع mtv:
تابعتُ قضيّة توقيف المطران موسى الحاج ومصادرة ما كان يحمل من مساعدات من الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، كما ردود الفعل السريعة والمتأخرة. ربما حمّل بعض الأقلام القضيّة أكثر ممّا تحتمل، ولكن لا بدّ من التعبير هنا عن الرأي، ولو بصراحة فجّة.
لا أقول إنّ القاضي فادي عقيقي، الذي أمر بتوقيف المطران، مرتبطٌ بإيران ويريد كسر بكركي “التي لا تنكسر”، كما سمعنا كثيراً في اليومين الماضيين. إلا أنّ تعاطيه مع الموضوع أتى في إطار ما قد نصطلح على تسميته بـ “السلبطة الشيعيّة”، أي الشعور بفائض قوّة مرتبطة بالعدد والسلاح، كما بالسياسة والسيطرة على بعض مفاصل الدولة.
تشعر بهذه “السلبطة” من خلال ما يُكتب من تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، كما من خلال بعض المواقف التي تخرج من الأفواه، وخصوصاً الكثير من الممارسات.
وأقول هنا، بصراحة متناهية: هذا البلد يفقد معناه وجوهره وقيمته ورسالته وصورته من دون المسيحيّين. ولا أقصد هنا بـ “المسيحيّين” كنيستهم ورهبانهم ولا، خصوصاً، سياسيّيهم. أقصد بهم هذا الانفتاح الحضاري والثقافي والفنّي، وصولاً الى المأكل والملبس والكثير من التفاصيل الحياتيّة.
يمكن للمسيحي أن يعيش من دون كنيسة وقرع أجراس. يصلّي في بيته إن أراد. ولكنّه لا يستطيع أن يعيش من دون حريّة في أن يأكل ويشرب ويلبس ما يشاء. لهذا تراه يعيش فرحاً في بلدانٍ إسلاميّة أكثر ممّا يفعل في لبنان.
إلعبوا في السياسة كما تريدون. طالبوا بوزيرٍ من هنا، واسعوا الى كتلةٍ نيابيّة من هناك، ولكن حذار أن تغيّروا صورة البلد وتجعلوا المسيحيّين غير قادرين على العيش فيه.
ما فعله القاضي فادي عقيقي، عن معرفة أو عن جهل، يصبّ في خانة “تهشيل” المسيحيّين، وقد رأينا فصولاً كثيرة مشابهة في السابق.
كان يحتاج الأمر الى أسلوب معالجة مختلف، ولهذا نجده فصلاً من “السلبطة الشيعيّة”، وقد رأينا في ما مضى نماذج عن “سلبطة سنيّة” في زمن الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي احتاج معه الرئيس الراحل الياس الهراوي الى وساطة الملك عبدالله لكي يبقي على اسم كميل شمعون على المدينة الرياضيّة. ويروي الهراوي وغيره تفاصيل عن تمدّد الحريري الطائفي في كتبٍ وحوارات، وهو سلوك، للإنصاف، يشبه أيضاً سلوك زعماء مسيحيّين سعوا في بعض المراحل الى “سلبطةٍ” ما دفع ثمنها المسيحيّون، وربما جميع اللبنانيّين، لاحقاً.
فلننتقل الآن الى “البهْوَرة المارونيّة”. شاهدت وقرأت بيانات وتصريحات دفاعاً عن بكركي والمطران الحاج، من نوع “ما تجربونا” و”ما بتقطع” و”مش رح نسمح”… حسناً، كيف ستترجمون أقوالكم الى أفعال؟
هل البيانات تحمي الموارنة وكنيستهم، أم أنّ روح قدسٍ ما سيتدخّل لحماية مستقبل المسيحيّين في لبنان؟ من يقول، مثلاً: “ما تجربونا” ماذا يستطيع أن يفعل إن جرّبوه؟
هي “البهْوَرة المارونيّة” التي تتحمّل مسؤوليّة جزءٍ ممّا بلغه المسيحيّون من تردّي الحضور وتراجع الدور. فبعض السياسيّين الموارنة يهدّدون “الشيعيّة السياسيّة” كلاميّاً، لمجرّد الاستهلاك الإعلامي فقط. وبعضهم الآخر يساير هذه “الشيعيّة” لتحقيق المكاسب السياسيّة بينما يطلق المواقف الطائفيّة بحقّهم في مجالسه الخاصّة ويستخدم عبارات مثل “ما بيشبهونا” وغيرها من العبارات. ولا تظنّوا، مثلاً، أنّ جبران باسيل مغروم بـ “الشيعة” بينما سمير جعجع يكرههم… يتّفق الإثنان، في مشاعرهم الداخليّة، حيالهم.
الزعماء الموارنة يكذبون غالباً. وبعض جمهورهم، من الأغبياء، يصدّق. والغرب، الذي يظنّ البعض أنّه يمكن الاعتماد عليه، لا يعني له وادي قاديشا ودرج بكركي شيئاً. ومن يقيم في الفاتيكان لا يملك قدرةً إلا على الموافقة على رسامة أسقف وغيرها من الأمور الكنسيّة البحتة.
على المسيحيّين، وخصوصاً الموارنة، أن يتوحّدوا ويكفّوا عن “البهْوَرة”. وعلى الشيعة أن يكفّوا عن “السلبطة”. وإلا فلنذهب الى نظامٍ جديد، وشكل دولة مختلف، ونودّع هذا الـ “لبنان” الذي، حتى العمالة والوطنيّة فيه، وجهة نظر.
ملاحظة: ترد تسميتا “الشيعة” و”الموارنة” في المقال بمعنى سياسي محدّد، ولا يُقصد بها جميع الشيعة وجميع الموارنة.