عشرات حالات التسمم في لبنان…
تحت عنوان “شبح العتمة يزيد حالات التسمّم في لبنان… إسهال وتقيّؤ وحرارة”، كتبت ليلي جرجس في موقع النهار:
في 22 حزيران شهدت منطقة البقاع تسجيل 50 حالة تسمّم غذائيّ نتيجة تناول اللحمة النيئة. وبيّنت نتائج الفحوصات التي أجرتها مصلحة الصحّة في البقاع، بعد فحص اللحوم في 4 ملاحم موزّعة في سعدنايل ورياق، وملحمتين في راشيا، أنّ اللحوم ملوّثة. وقد بلغ عدد الحالات التي استدعت الاستشفاء 37، وبقي منها 6 حالات فقط تستكمل علاجها في المستشفيات آنذاك.
لكنّ البقاع ليست الوحيدة التي تشهد على حالات تسمّم أبنائها، إذ يُسجل يومياً حالات تسمّم في لبنان، تعود أسبابها إلى تناول أطعمة ملوّثة أو فاسدة أو منتهية الصلاحية أو مخزّنة بطريقة خاطئة، خصوصاً بعد أزمة التقنين التي تزيد من سوء الوضع.
أدّت الأزمة الاقتصادية إلى تداعيات طويلة الأمد وأزمات متلاحقة في كلّ القطاعات، وطغى اليوم مشهد التسمّم الغذائي الذي يُشكّل ظاهرة مخيفة في مختلف المناطق. أسباب كثيرة مسؤولة عن التسمّم الغذائي ولكنّ انقطاع الكهرباء واستخدام موادّ غير معروفة أو أقلّ جودة للتوفير يُشكّلان عاملين رئيسيّين لزيادة حالات التسمّم في البلد.
فضيحة تلو الأخرى تتكّشف في مسألة #سلامة الغذاء، سواء بتلوّث المياه أو الطعام، وكلاهما يؤثّر في صحّة المواطن الذي يعاني اليوم من انقطاع الأدوية وارتفاع كلفة الفاتورة الاستشفائية. وهذا ما دفع برئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى الاعتراف أنّ “موضوع سلامة الغذاء بات يشكّل أولوية قصوى في الظروف الحالية، تفرض التشدّد في ضبط هذا القطاع، وإنّ ما نسمعه عن زيادة حالات التسمّم الغذائي يستدعي تكثيف الإجراءات الذاتية من قبل المواطنين بالتوازي مع تدابير الجهات الرسمية والحكومية”
في حين أكّد وزير الصحّة فراس الأبيض أنّ “الوضع الاقتصادي والمالي، قد أثّر على سلامة الغذاء، وبتنا نشهد ازدياداً في حالات التسمّم الغذائي، في وقت تراجعت فيه القدرات على القيام بما يتطلّبه ذلك من زيادة في إجراءات الكشف والتحاليل، وزاد الصعاب أيضاً غياب المختبر المركزي لوزارة الصحة العامة، وهو من أهمّ الضوابط لموضوع جودة الغذاء والدواء”. لذلك تعمل وزارة الصحة العامة على إنشاء خطّ ساخن للتبليغ عن حالات التسمّم الغذائي قبل فصل الصيف وبدء ارتفاع الحرارة.
نحن نعيش في بيئة ملوّثة، وهذه الحقيقة الموجعة لا يمكن إخفاؤها أو تكذيبها بل الاعتراف بها والبحث عن حلول جذرية لمعالجة هذا التلوث الذي ينهشنا من خلال طعامنا وشرابنا. ولن تكفي جهود المراقبين في تسطير المحاضر من ضبط المخالفين والمحتكرين لبعض المواد الغذائية الفاسدة وغير المطابقة، بل يجب محاكمة الفاسدين حتى لا يدفع المواطن صحته ثمن هذا الغشّ الفاضح.
تؤكّد مديرة الوقاية الصحية جويس حداد لـ”النهار” أنّه “مقارنة مع السنوات الماضية لم نشهد زيادة مطّردة في حالات التسمّم تستوجب إنذاراً صحّياً، والأرقام ما زالت ضمن المعدّل لهذا الموسم. وكما نعرف أنّ حالات التسمّم الغذائي ترتفع في فصل الصيف مع ارتفاع الحرارة، فكلّما ارتفعت الحرارة ترتفع حالات التسمّم أكثر لأسباب عدّة منها انقطاع الكهرباء، وكثرة المناسبات والأعراس، والخروج إلى المطاعم والشواطئ.
وفي الآونة الأخيرة تبلّغنا عن حالات عدّة من التسمّم الغذائيّ، وأخذت وزارة الصحة عيّنات وأقفلت بعض المؤسسات بعد التأكّد من أنّ هذه المؤسسات كانت سبباً في حدوث هذا التسمّم. وتستشهد حداد بحالة تسمّم واسعة حصلت خلال إفطار رمضانيّ أدّت إلى تسمّم 165 شخصاً وتمّ اقفال المطعم بالشمع الأحمر. كما شهدت منطقة البقاع تسمّم نحو 50 شخصاً نتيجة تناولهم لحمة نيئة ملوّثة
وتشرح حداد أنّه “غالباً ما نحدّد ونكتشف المصدر الرئيسي لحالات التسمّم الغذائيّ، خصوصاً عندما تكون العيّنة المصابة كبيرة كما حصل في البقاع أو خلال أحد إفطارات رمضان أو قبيل الانتخابات النيابية في أحد الملاحم في منطقة الشمال، وعليه، عند تسجيل أيّ حالات تسمّم يرجى الاتّصال بالخطّ الساخن 1787، حيث تفتح الوزارة تحقيقاً وتتّخذ الإجراءات اللازمة.”
إذاً، شهد لبنان حالات تسمّم نتيجة المياه الملوّثة كما حصل في طرابلس والبقاع وأدّت إلى ظهور حالات الصفيرة أ، كما
شهدنا حالات متفرقة في المناطق بعضها بلغ عدده الخمسين وبعضها حالات محدودة. ولم تُسجل أيّ حالة وفاة مؤخّراً نتيجة تسمّم غذائيّ، في حين سجّلنا حالتيّ وفاة نتيجة تناول الحالة الأولى الفطر السامّ، والحالة الثانية كانت بسبب تناول السمكة المنتفخة السامة.
يوضح الاختصاصيّ في الأمراض الجرثومية الدكتور بيار أبي حنا أنّنا “نشهد زيادة في حالات الإسهال التي تظهر عادة في موسم الصيف نتيجة ارتفاع الحرارة، ولكن هذه الزيادة تعود اليوم بسبب انقطاع الكهرباء الذي يؤدّي إلى تكاثر #البكتيريا في الأطعمة. ونعرف جيداً أنّه يجب تخزين وحفظ الطعام في حرارة دون الـ5 درجات، خصوصاً بعض الأطعمة كالأجبان والألبان واللحوم والدجاج النيئة والبيض… فهذه الأطعمة في حال كانت تحمل البكتيريا ووُضعت في حرارة الغرفة العادية من شأنها أن تؤدّي إلى تكاثر البكتيريا وتُسبّب التسمّم الغذائي”.
ويضيف أبي حنا أنّ “معظم الحالات التي تُصاب بالإسهال والتسمّم تُشفى بعد يومين أو ثلاثة أيام، ولكن قد يحتاج البعض في حال وجود تقيّؤ حادّ أو إسهال حاد إلى علاج في المصل لمعالجة هذه العوارض. وتجب الإشارة إلى أنّ هناك فئة كبار السنّ أو الأطفال دون الخمس سنوات أو الذين يعانون من مشاكل صحية معرّضة أكثر من غيرها لمضاعفات أو يحتاجون وقتاً أطول للتعافي”.
لذلك ننصح الأشخاص الذين يعانون من حرارة مرتفعة لأكثر من يومين أو تقيّؤ شديد أو إسهال حادّ لأكثر من يومين مراجعة الطبيب تفادياً لجفاف الجسم أو أيّ مضاعفات صحية أخرى خصوصاً عند الأطفال أو كبار السن أو الذين يعانون من مشاكل صحية.
وعن أكثر أنواع البكتيريا الموجودة في الأطعمة، يشير أبي حنا إلى أنّ “بكتيريا السالمونيلا هي الأكثر شيوعاً في لبنان حسب الدراسات، بالإضافة إلى بعض أنواع بكتيريا “إي – كولاي”، كما هناك أيضاً بعض أنواع الفيروسات المعدية مثل “روتا” فيروس أو “نورو فيروس” التي تُسبّب التهاباً في الجهاز الهضمي خاصة عند الأطفال وتنتقل إلى الكبار.
وينتشر نورو فيروس” عن طريق الطعام أو الماء الملوَّث خلال التحضير أو ينتشر عن طريق الأسطح الملوثة. وتستمر أعراضه لمدة تتراوح بين يوم إلى ثلاثة أيام، ويتعافى معظم الأشخاص تماماً دون الحاجة إلى علاج، لكن البعض يحتاج إلى علاج مطوّل مثل الأطفال والمسنين.
كذلك تُشكّل المياه الملوثة مصدراً آخر للتسمم والتي قد تنقل أمراضاً مثل التيفُئيد والصفيرة أ، حيث سجّلت منطقة الشمال حالات عديدة نتيجة شرب مياه ملوثة. لذلك ننصح بشراء المياة والأطعمة من مصادر موثوقة، وتعقيم الخضراوات قبل تناولها، والحفاظ على النظافة الشخصية.
من جهته، يشرح رئيس جمعية حماية المستهلك الدكتور زهير برو أن “نتلقّى يومياً شكاوى حول تدنّي جودة البضائع أو وجود بضائع غير معروفة أو مسموع بها، خاصة من تركيا ومصر وسوريا، وحتى محلياً البضائع تصنع من دون أدنى المواصفات ويتمّ توزيعها. نحن أمام فوضى عارمة في هذا القطاع كما كلّ القطاعات نتيجة انهيار البلد.
ويقترح برو “تغيير السياسات الاقتصادية ووضع شروط جدية بالنسبة إلى الاحتكار، وعدم دعم التجار، وإنّما دعم الناس لمعالجة المشكلة من الأساس وليس معالجة النتائج، لأنّ السياسات المتّبعة منذ سنتين ونصف هي نفسها ومحكومة من حزب المصارف المؤلّف من المصارف وبعض السياسية والتجار المحتكرين. وكان يجب عدم دعم المواد طالما هناك احتكار وتخزين وإعطاء الناس بطاقة تمويلية، ودعم الفقراء شهرياً عوض دعم المطاحن والأفران وغيرها…
ولا يستبعد برّو ” التلاعب في تاريخ صلاحية بعض المواد الغذائية، نحن في دولة لا تراقب شيئاً ولا تضع سياسات اقتصادية. وبعض المنتجات نكتشف تزويرها بمجرّد فتح الكيس، حيث تفوح رائحة كريهة تشير إلى سوء تخزينها أو التلاعب بتاريخها. فالصلاحية هي الأولوية التي يعوّل عليها المستهلك لشراء المنتج، وتغيّر الأغلفة وتواريخ الصلاحية لتفادي الخسارة أو لكسب المزيد من الأرباح، فيما المواطن يدفع الثمن.”
ولكن كيف يمكن حفظ الأطعمة حتى لا تفسد في ظلّ انقطاع الكهرباء؟ وكيف نميّز بين الفاسد والجيد؟
تشرح الأستاذة المحاضرة في الجامعة الأميركية في بيروت والمتخصّصة في سلامة الغذاء ريم حمزة أنّ “الأطعمة تبقى صالحة للأكل لمدة 4 ساعات بعد انقطاع الكهرباء، ولكن بعد هذه المدّة تفسد بعض الأطعمة بسرعة، فيجب التخلّص منها فوراً مثل الأطعمة النيئة كالدجاج واللحمة والسمك. لذلك ننصح عادة عند شراء هذا النوع من الأطعمة طهيها فوراً حتى لا تفسد. أمّا في حال كان لا بدّ من حفظها إلى حين طهيها فيجب وضعها في الثلّاجة
أمّا النوع الثاني الذي نستهلكه كلبنانيين هو الأجبان والألبان، يصعب الاحتفاظ بها في ظلّ التقنين، وما يمكن أن يبقى صالحاً هو أنواع الجبنة القاسية مثل القشقوان وجبنة البارميزان والجبنة المطبوخة، في حين أنّ الأجبان البيضاء كالعكاوي والقريشة تفسد بعد مرور 4 ساعات على انقطاع الكهرباء. لذلك، ولتجنّب التخلّص منه، ننصح بشراء هذا النوع بكمية قليلة، أو شراء لبنة المونة التي تكون محفوظة بالزيت.
كذلك الأمر بالنسبة إلى البيض، حيث ننصح بشراء نصف علبة لتفادي فساده نتيجة انقطاع الكهرباء.
في حين لا تُمثل الصلصة المالحة مشكلة، ويمكن إبقاؤها في الثلّاجة حتى مع انقطاع الكهرباء.
أمّا الأطعمة المحفوظة في الثلّاجة تبقى جيدة رغم انقطاع الكهرباء مدة 24 ساعة شرط عدم فتح الباب وإقفاله.
وللاستفادة من بعض الأطعمة، تشير حمزة إلى أنّه “يمكن طهي اللحمة ومن ثمّ تفريزها حتى لا تفسد. ولكن تبقى القاعدة الأساسية في مسألة سلامة الغذاء، فنشتري كلّ ما نحتاج إليه من مصادر موثوقة ونتأكّد من جودتها وتاريخ صلاحيتها، ومن حرارة المنتج قبل شرائه مثل اللبنة والجبنة التي يجب أن تكون باردة. ويجب أن تكون حرارة أيّ منتج دون الـ4.5 درجات، لأنّ تكاثر الجراثيم والبكتيريا يزيد في بيئة تزيد حرارتها على الـ 5 درجات”.
كما تشدّد حمزة على “ضرورة تجنّب تناول أطعمة نيئة في هذه الفترة مثل الكبة النيئة واللحمة النيئة والقصبة. وعند شرائنا اللحمة يجب التأكد من مصدرها ومن لونها ورائحتها وملمسها، ويجب ألّا تكون عليها مادة لزجة لأنّ ذلك يعني أنّها بدأت تفسد. أمّا الدجاج، فعند الضغط عليه يجب ألّا تبقى آثار الأصابع عليه. صحيح أن هذه التفاصيل بسيطة وصغيرة ولكنّها تشير إلى أنّ المنتج بدأ يفسد.”
هذا من ناحية الحفاظ على الطعام، أمّا من ناحية الوقاية وتطبيق سلامة الغذاء، برأي حمزة أنّه “يجب غسل اليدين جيداً قبل وبعد تحضير الطعام، كما يجب الحفاظ على نظافة الأسطح التي سنحضّر فيها الطعام، بالإضافة إلى حفظ الطعام بشكل جيد وبطريقة متباعدة حتّى نتفادى انتقال العدوى أو البكتيريا من نوع إلى آخر. كما يجب طهي اللحوم أو الدجاج أو السمك وعدم انتظار ذوبانها حتى لا تتكاثر فيها الجراثيم”