خفايا وخبايا المسيّرات….هذا ما هدف إليه “حزب الله”
تكتسب العملية شبه العسكرية التي قام بها “حزب الله”، أبعاداً سياسية أكثر منها عسكرية أو أمنية، إذ أراد من خلالها الحزب، إرسال إشارات لا تحتمل اللبس إلى إسرائيل، وتضع النقاط على الحروف في موضوع ترسيم الحدود البحرية .
وتعتبر مصادر مواكبة لموضوع الترسيم البحري لــ “ليبانون ديبايت” أن الأبعاد السياسية لمسيّرات “حزب الله”، وبغضّ النظر عن عودتها سالمة أو إسقاطها كما أدّعت إسرائيل، ترتكز إلى عدة معطيات واضحة:
-إن من يستطيع أن يرسل مسيّرات ثلاث قادرة على إنجاز مهمة إستطلاعية وتصوير أماكن عدوة، يستطيع بالتالي تحميل مسيّرات أخرى مسلّحة بمتفجرات يمكنها ضرب أهداف معينة.
– كما أن عدم تسليح المسيّرات حمل رسالةً، مفادها أن الحزب لا يريد فتح حرب، بل القول “إننا لا نريد التصعيد بلّ أن نحصل على حقنا بالتنقيب على قاعدة: لا نريد قتل الناطور بل أن نأكل العنب”.
– أمّا الرسالة الأبرز، فهي بأن تجمّد إسرائيل إجراءات استخراج النفط، حتى يتمّ التوصل إلى اتفاق مع لبنان حول الترسيم أولاً والذهاب إلى جواب خطّي على المقترح اللبناني وليس الشفهي كما أوصله الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين للمفاوض اللبناني.
-العودة إلى طاولة المفاوضات في الناقورة، لوضع موضوع الترسيم على نارٍ حامية ، ولكي لا يتحدد إطار التفاوض بالحصول على حقل قانا كما اقترح لبنان، بلّ بأن يُرفع الفيتوعن شركات التنقيب في لبنان، ليتزامن التنقيب من قبل إسرائيل، مع عودة هذه الشركات واتخاذ كلّ الخطوات اللازمة للبدء باستخراج النفط.
-إعتبار هذه المسيّرات محفزاً للأطراف كافةً، لإنهاء موضوع الترسيم والتوقف عن المماطلة وخصوصاً التذّرع بعدم وجود حكومة في إسرائيل حالياً وأن هناك انتخابات للكنيست، لأنه لا يمكن القبول بهذه الحجج في ظلّ الظروف الدولية الحالية.
-لبنان يستعجل الجواب الإسرائيلي، وهذه المسيّرات ترفع من درجات قوة الموقف اللبناني، لا سيّما أن إسرائيل، لم تقدّم جواباً رسمياً حتى الآن، كما أن الإيحاء بأن الأجواء إيجابية، لا يمكن صرفه على أرض الواقع، فالجواب يتكرّس بشكل رسمي في مراسلات خطية ومفاوضات في الناقورة وتوقيع اتفاق الترسيم.
– تثبيت القواعد بأن المقاومة ما زالت قوةً عاقلة وتدرك إلى أين تريد أن تصل في تعزيز وتحصين موقف المفاوض اللبناني.
-والأهمّ أن المسيّرات حلّقت في المناطق المتنازع عليها ولم تنتهك الأجواء الإسرائيلية.
وتلفت المصادر إلى أن لبنان كان على اطلاع بقدوم باخرة التنقيب منذ العام 2019 ولم يسارع إلى اتخاذ أي إجراء يقوّي موقفه التفاوضي أو يذهب باتجاه الضغط لرفع الفيتو عن شركات التنقيب لتعمل في لبنان، ولكن فضّل ترك الأمور إلى ما بعد الإنتخابات النيابية ، وبالتالي، هو يشعر اليوم أن موقفه بات أفضل وبات ملفه صلباً أمام المفاوض الإسرائيلي .
ومن هنا فإن المناورة بالمسيّرات، كما تؤكد المصادر نفسها، لا يمكن أن تكون بعيدة عن الجو السياسي لا سيّما أن السلطة باتت شبه متأكدة بأن الوقت بدأ يعمل لصالح لبنان مع تنامي الحاجة الأوروبية للغاز الإسرائيلي والذي يمكن أن يكون مهدداً بعدم الإستقرار، وهو ما لن تسمح به الدول الأوروبية، ولذلك فهي بالتاكيد ستضغط باتجاه الإسرائيلي لإنهاء موضوع الترسيم بالتزامن مع رفع الفيتو عن شركات التنقيب في المياه اللبنانية، وهذه الفرصة الذهبية لا يجب على الدولة اللبنانية تفويتها، لا سيّما أنه للمرة الأولى يبرز إجماع وطني على موضوع الترسيم واستخراج النفط.
وفي مقابل هذه النظرية المتقدّمة في تفسيرموضوع المسيّرات، تطلّ نظرية أخرى تسأل عن أسباب سقوط الخطّ الـ29 والذي تبين أنه “كذبة كبيرة”، وتشكك بنوايا مطلقي المسيّرات أي “حزب الله” وهي عرقلة ملف الترسيم، في ظلّ محاولات إيجابية تبثّها الأجواء المحيطة بجولات كلّ من الوسيط الأميركي والسفيرة الأميركية دورثي شيا، مشيرةً إلى التزامن بين انطلاق المسيّرات وهبوب الرياح الإيجابية.
ومهما اختلفت الآراء من موضوع المسيّرات، إلاّ أن الامر يبقى معلقاً على الجواب الإسرائيلي العالق على أمرين وهما حقل قانا واستخراج النفط ، حيث لا يمكن الوقوف مكتوفي الأيدي بل السعي حتى الوصول إلى القرار بالإفراج عن عمل الشركات المنقّبة، وقبول إسرائيل بحقّ لبنان في حقل قانا، بالمسيّرات أو غيرها، لا فرق ما، دامت تشكّل ورقة ضغط للحصول على هذه الحقوق.
“ليبانون ديبايت” – وليد خوري