من الصحافة

العدو “الإسرائيلي” سيُراوغ !

أعادت السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا تحريك ملف الترسيم البحري بين لبنان والعدو الإسرائيلي يوم الجمعة الفائت، من خلال زيارتها الى قصر بعبدا، وإطلاعها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على نتائج الاتصالات التي أجراها الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة آموس هوكشتاين مع العدو الإسرائيلي في مسألة ترسيم الحدود. وقد اكتفت دوائر القصر الجمهوري بالحديث عن «تقدّم تحقّق في هذا المجال»، من دون أن تذكر فحواه، لكيلا تُفسد مسألة استكمال المفاوضات غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي بوساطة أميركية، بحسب المعلومات، لا سيما مع التأكيد على أنّ الإتصالات اللبنانية- الأميركية، والأميركية – «الإسرائيلية» ستتواصل لمتابعة البحث في هذا الملف، ما يُقفل الباب أمام العودة الى طاولة المفاوضات في الناقورة قريباً.

فبعد الردّ اللبناني الرسمي على اقتراح هوكشتاين شفهياً خلال زيارته الأخيرة الى لبنان في 14 حزيران المنصرم، ووعد خلالها بنقله الى العدو الإسرائيلي، وبتبليغ لبنان بموقف هذا الأخير منه، انهمك الوسيط الأميركي بالتحضير لزيارة الرئيس الأميركي جو بادين الى السعودية و»إسرائيل» بدءاً من 15 تمّوز الجاري، والتي سيكون في عِداد الوفد الأميركي المرافق.. ولهذا قام بإجراء اتصالاته مع المسؤولين «الإسرائيليين» من الولايات المتحدة الأميركية، ومن ثمّ أبلغ موقفهم من العرض اللبناني المقترح الى السفيرة شيا والتي نقلته بدورها الى الرئيس عون مشيّعة أجواء إيجابية، كما عادتها…

أوساط ديبلوماسية متابعة لملف ترسيم الحدود الجنوبية البحرية مع العدو الإسرائيلي، تمنّت أن يكون الردّ «الإسرائيلي» على عرض لبنان إيجابياً، غير أنّها أكّدت أنّنا أمام عدو شرس ومدعوم، له باع طويل في المفاوضات، وفي نصب الأفخاخ، لهذا على لبنان أن يكون متنبّهاً وحريصاً ويدرس احتمالات كلّ فكرة قد يطرحها هذا الأخير. وتابعت بأنّه لو لم يكن كذلك لكان تمكّن لبنان من بدء عمليات التنقيب والإستكشاف عن الغاز والنفط في البلوكات الأخرى البعيدة عن تلك الحدودية 8 و9 و10.

وذكرت الاوساط بأنّ قنصل أوروبي شرح سبب عدم التنقيب في البلوكات اللبنانية الأخرى، ما دام النزاع قائما اليوم في المنطقة البحرية الجنوبية مع العدو الإسرائيلي، بأنّ الدول الأوروبية لن تستثمر في بلدٍ لا إستقرار سياسي أو أمني فيه، وليس من اتفاق لترسيم الحدود البحرية فيه. غير أنّه لم يشر الى أنّ الأمر مماثل في حال تحدّثنا عن العدو الإسرائيلي، فما الذي يُطمئن الشركات الدولية، وسفينة «إنرجين» اليونانية بالتنقيب في حقل «كاريش» أو سواه، والذي يعتبر لبنان أنّه يقع في منطقة متنازع عليها، أو على الأقلّ قريباً منها في حال بقي لبنان الرسمي متمسّكاً بالخط 23 المُعلن لدى الأمم المتحدة، ولم يلجأ الى تعديل المرسوم 6433 الذي يُعطي لبنان نصف «حقل كاريش» في قسمه الشمالي؟! علماً بأنّ رئيس «التيّار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل لوّح الأسبوع الماضي بإمكان عودة لبنان الى التفاوض حول الخط 29.

ولفتت الاوساط الى أنّ العدو الإسرائيلي لم يُوافق على إعطاء لبنان الخط 23 وحقل «قانا» كاملاً، على ما اقترح المسؤولون اللبنانيون، وإلّا لما جرى الحديث عن أنّه يطرح بيع حصّته في حقل «قانا» للبنان، والذي يقع ضمن البلوك 72. ف «الإسرائيلي» يعتبر أنّ القسم الجنوبي من «قانا» يدخل ضمن حصّته «السيادية»، من وجهة نظره، وخارج المنطقة المتنازع عليها، والتي حدّدها هوكشتاين بالخطّين 1 و23، وليس بالخط الإسرائيلي الوهمي 310 الذي جاء ردّاً على الخط 29 الذي عرضه الوفد العسكري التقني على طاولة الناقورة. وتساءلت الاوساط ما هي مبرّرات رسم هذا الخط، وما هي الدواعي الأمنية لتقديم خط بحري يصل الى مشارف شواطىء بيروت؟!

من هنا، على ما عقّبت الأوساط نفسها ، يتبيّن لنا بأنّ الدواعي «الإسرائيلية» هي إقتصادية أكثر منها أمنية، الأمر الذي يُعقّد مسار المفاوضات التي لن تكون سهلة على الإطلاق، رغم الحديث عن حصول «تقدّم» ما في هذا الإطار. أمّا ما يقترحه «الإسرائيلي» عن بيع لبنان ما يعتبره «حصّته» في قانا، فالهدف منه هو إطالة أمد المفاوضات ووضع العراقيل واستنزاف المفاوض اللبناني وإنهاكه، لا سيما بعد أن اطمأنّ الى أنّ الموقف الرسمي اللبناني يقف عند حدود الخط 23، ما يجعل عمله المقرّر في حقل «كاريش» في أيلول المقبل، خارج المنطقة المتنازع عليها، رغم المعادلة اللبنانية التي أطلقها أطراف داخلية عدّة أنّ «لا غاز من كاريش من دون غاز من قانا».

غير أنّ الأميركي و»الإسرائيلي» جعلا من ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية ملفّاً إقليمياً، على غرار نزع سلاح حزب الله، على ما شدّدت الاوساط، ويعمل هوكشتاين بالتالي على ربطه بملف استجرار الغاز والطاقة من مصر والأردن الى لبنان عبر سوريا، رغم عدم جواز هذا الربط. كما يجري التعويل على زيارة بايدن الى السعودية للقاء العاهل السعودي في 15 الجاري وللمشاركة في قمّة قادة دول مجلس التعاون الخليجي في جدّة، مع احتمال اتخاذ دول عربية أخرى خطوات نحو تطبيع العلاقات مع العدو الإسرائيلي أثناء زيارة بايدن الى السعودية و»إسرائيل»، الأمر الذي يرفضه لبنان من بوّابة المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية مع الجانب الإسرائيلي.

وبرأي الاوساط، إنّ العدو الإسرائيلي سيبقى يُراوغ، ولن يعود الى طاولة المفاوضات في الناقورة، ولا سيما أنّ المحادثات الفردية مع الوسيط الأميركي تُنقذه من التورّط في الأمور القانونية القويّة التي يملكها لبنان، والتي لا يمكنه أن يطرحها سوى على الطاولة. في حين يحاول «الإسرائيلي» اقتراح بعض الأفكار البعيدة كلّ البعد عن الخطوط والحقوق، ولا يُمانع بالتالي طرح «تقاسم الحقول المشتركة»، والتي يعتبر حقل «قانا» أحدها في المرحلة الراهنة، بهدف كسب المزيد من المال، رغم معارضة لبنان لهذا الطرح جملة وتفصيلاً كونه يعتبره نوعاً من التطبيع مع العدو.

وتجد الأوساط عينها أنّه على لبنان لضمان حقوقه في المنطقة الإقتصادية الخالصة القيام بجملة أمور هي:

1- الاستعانة بدولة صديقة كبرى لتقف الى جانبه في موضوع ترسيم الحدود البحرية، مثل فرنسا التي ترأس شركة «توتال» تحالف الشركات التي لزّمها لبنان التنقيب عن الغاز والنفط في البلوكين 4 و9… غير أنّها لا تزال تؤجّل بدء عملها في البلوك 9، وآخر تمديد جرى الاتفاق عليه مع الحكومة اللبنانية ينتهي في 21 أيّار 2025… ويمكن أن تكون بريطانيا هذه الدولة الصديقة، سيما أنّ دراسة المكتب الهيدروغرافي البريطاني هي التي أوصت بأنّ حدود لبنان البحرية تصل الى ما بعد الخط 29.

2 – أن نكون مستعدّين لمفاوضات طويلة الأمد، سيما أنّ مسألة الترسيم البحري لن تُحلّ بسهولة مع العدو الإسرائيلي.

3- أن يكون هناك مفاوض لبناني واحد… وقد بدأ هذا الأمر يتحقّق من خلال التوافق على أن يقوم الرئيس عون بتبليغ هوكشتاين موقف لبنان الرسمي الذي جرى التوافق عليه مع رئيسي مجلس النوّاب والحكومة، على أن يستمرّ في مرحلة التفاوض اللاحقة.

4- أن يبذل لبنان جهداً أكبر في تدعيم موقف المفاوض اللبناني، لا سيما إذا ما كانت ستتمّ العودة الى طاولة الناقورة، كما ينصّ عليه «اتفاق الإطار»، من خلال تدعيم الوفد العسكري التقني بمهندسين وخبراء في القانون الدولي وما الى ذلك.

دوللي بشعلاني- الديار

Related Articles

Back to top button