لبنان والعراق خارج “الناتو” الشرق أوسطي!
كتب د. نبيل خليفه في “نداء الوطن”:
تكثر الاجتهادات والتكهنات عمّا ستسفر عنه قمة جدّة في المملكة العربيّة السعوديّة بدعوة من جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز، وبحضور الرئيس الأميركي جو بايدن وملوك ورؤساء دوّل خليجيّة ومشرقيّة. تكاد هذه القمّة ان تكون فريدة في القمم لما يُطرح فيها من موضوعات وأزمات وتحدّيات بين مختلف دوّل الأقليم، ومن ثم الدوّل الكبرى: القضيّة الفلسطينيّة، والصراع العربي- الايراني، ودور تركيا الاقليمي، والعلاقة بكل من أميركا وأوروبا وروسيا، دون ان ننسى أزمة الاقتصاد العالمي، وتحدّيات النفط والغاز، ودور الرئيس الروسي بوتين في تغيير المعادلة الدوليّة وضرب النظام العالمي. في سياق هذه الموضوعات الكبرى اخترنا زاوية تهمّنا كلبنانيين وهي: موقع ودور لبنان والعراق في الصراع العربي – الفارسيّ نظراً لما يمثّل هذا الدور من انعكاس بارز على العلاقات العربيّة – الفارسيّة وعلى وضعيّة الشرق الأوسط بشكل عام وعلى وضعية لبنان بشكل خاص.
أولاً: ماذا يريد الرئيس بايدن من مؤتمر جدّه «الاسلامي»؟
ثانياً: ما هي حدود الاستجابة للاستراتيجيّة الأميركيّة؟
ثالثاً: لماذا لبنان والعراق في موقع الحرج والإحراج الجيو- استراتيجي؟
أولاً: ماذا يريد الرئيس بايدن من مؤتمر جدّه «الاسلامي/الأميركي»؟
1 – ينبغي التذكير بدايةً بكلام لهنري كيسنجر حول العالم الاسلامي الذي يسميه عالم الوسط: «إنّ من يسيطر على عالم الوسط يسيطر على العالم». وفي قراءة للوضعيّة الحاليّة لعالم الوسط خاصةً وللعالم الأوسع عامةً، يمكن القول إن الأهداف الكبرى للولايات المتحدة في العالم، بالأمس كما اليوم، يمكن اختزالها بثلاثة اساسيّة:
– المواجهة مع روسيا.
– أمن اسرائيل.
– التحكّم بمصادر النفط والطاقة.
… هذه هي العناوين الكبرى لما يشغل بال الإدارة الأميركية وعلى رأسها السيد بايدن الذي يواجه وضعاً صعباً ودقيقاً في السياسة الدوليّة بسبب الحرب التي تشنّها روسيا على أوكرانيا. وهو وضع يخشى الكثيرون، بفعل تطوّراته العسكرية والسياسية، ان يؤدي الى حرب عالميّة.
2 – إن الرئيس بايدن سيسعى بأقصى طاقاته لأن يخلق جوّاً لدى العالم الاسلامي يحيط بأوكرانيا ويساعدها ويؤيدها في مواجهة روسيا على مختلف الصعد: السياسيّة والاقتصاديّة والانمائيّة، وسيبدو ذلك واضحاً وجلياً من خلال مقررات مؤتمر جدّه. ولن يتأخّر المشاركون، في غالبيتهم، عن المساهمة في الدعم المادي لجموريّة أوكرانيا. يضاف اليه تحوّل في موقف الدّول الاسلامية من تواجد روسيا في بعض دول الشرق الأوسط، وتبدّى في نظرة الدول الاسلامية الى معنى ومضمون وشرعيّة هذا التواجد الذي يصبح يوماً بعد يوم تواجداً غير مرحَّبٍ به وغير مرغوب فيه.
3 – أما أمن اسرائيل، فهو قاعدة دائمة في الاستراتيجيّة الأميركيّة منذ قيام الدولة العبريّة… وما الصراع حول امتلاك ايران للسلاح النووي سوى صراع على مصير دولة اسرائيل، ذلك ان الثورة الايرانيّة جعلت في رأس أهدافها «محو اسرائيل عن خريطة العالم»، ولئن كانت قد قدّمت ضمانات لأميركا حول هذا الموضوع وجعلته بالتوافق مع دول مجلس الأمن تحت رقابة الوكالة الدوليّة للطاقة النوويّة، وهو ما عبّر عنه اتفاق 14 تموز عام 2015 والذي تجري المحاولات الآن لإعادة تدقيقه، وآخرها في قطر.
4 – يمتلك العالم الاسلامي ما يقارب ثلثي (3/2) المصادر النفطيّة في العالم وتأتي في مقدمته المملكة العربيّة السعوديّة برصيد يصل الى 266 مليار برميل، الأمر الذي يجعلها تتحكّم بسوق النفط العالميّة عبر منظمة أوبك. والدليل المباشر والفوري على ذلك هو قيام أميركا بسعي لدى السعودية لضبط مسار سوق النفط الذي اهتز بفعل الحرب الروسيّة على أوكرانيا وأزمة تصدير النفط من روسيا الى أوروبا، وضخ البديل لتلافي هذا النقص بواسطة المملكة العربيّة السعوديّة.
ثانياً:ما هي حدود الاستجابة للاستراتيجيّة الأميركيّة؟
يمكن القول ان دول «الناتو» العربي الجديد ليست موحّدة في خياراتها – السياسية والاستراتيجيّة ذلك ان لكل منها معطياته ونظامه وتركيبته والتزاماته ضد جيرانه وتجاه الآخرين. مع ذلك يمكن القول ان دوَل اجتماع جدّه تجد نفسها موحّدة أمام ثلاثة عوامل كبرى:
أولها: إنها بعد حرب روسيا على أوكرانيا صارت تفتقر الى الاصطفاف مع النظام العالمي البديل للنظام الأميركي. فلم تعد روسيا تلك الدولة التي يمكن الرجوع اليها في ميدان الصراع السياسي العالمي. وبالتالي تجد هذه الدول العربيّة – الاسلاميّة نفسها موضوعة امام خيار يكاد يكون وحيداً وهو خيار الهيمنة الأميركية على النظام العالمي. وبالتالي فان الاستجابة للاستراتيجيّة الأميركيّة ستكون محسومة وإن بنسب متفاوتة من الإصرار والحماس والقناعة.
ثانيها: أفول زمن الصراع العقائدي القائم بشكل اساسي على العقيدة القوميّة العربيّة. ففي زمن غياب البديل العقائدي العربي والاسلامي يصبح المجال مفتوحاً للخيارات السياسية التي تحاذر الجذرية الفكرية في المواقف وتترك الباب مفتوحاً للسير في الصفقات السياسية على حساب الخيارات العقائديّة.
ثالثها: الوضع الاقتصادي الصعب والخانق الذي لا يسمح لهذه الدول ان تختار السياسة التي تريد والتحالف الذي ترغب فيه، ذلك أنها محكومة بمسايرة أميركا كقوّة اقتصاديّة عالميّة كبرى.
ثالثاً: لماذا لبنان والعراق في موقع الحرج والإحراج بالنسبة للمؤتمر؟
السبب في ذلك واضح وهو يعود الى جملة أمور:
اولها: إن الدّولتين لبنان والعراق فيهما ديمغرافياً شيعيّة بارزة، فالشيعة في لبنان طائفة كبرى بين الطوائف الثلاث الكبرى، والشيعة هم أكثرية في العراق.
ثانيها: هذا الواقع جعل من لبنان مهداً أساسياً لثورة الإمام الخميني، بحيث جرت ترجمة هذه الثورة بحزب نظامي هو «حزب الله»، له: قاعدته وعقيدته وسلاحه وخياراته ودوره الفاعل في لبنان والمنطقة.
ثالثها: وهذا الواقع نفسه جعل من شيعة العراق نقطة تجاذب بين الاتجاه نحو ايران فكراً وعقيدة وولاءً أو بين ان يكونوا شيعة حقاً ولكن لديهم انتماؤهم العراقي العربي وليس الفارسي، وكان الخيار الثاني هو الأرجح مع ممثله الإمام السيّد مقتدى الصدر الذي كان الرابح الأكبر في الانتخابات الأخيرة.
رابعها: ان لبنان والعراق حيث للشيعة دور فاعل يميلان الى التعاون مع إيران وليس مع أميركا، وتلك هي المسألة التي تخلق اشكالاً واحراجاً للدولتين، وبالتالي لعدم كونهما جزءاً من مؤتمر جدّه فلا يلتزمان بمقرراته!