تقدّم في التفاوض لا النتائج.. الإيجابيّة في الترسيم وَهم أم حقيقة؟
إبراهيم ناصر الدين – الديار
الترويج لنتائج ايجابية حول ملف «ترسيم» الحدود البحرية مع العدو الاسرائيلي، لا تزال مجرد رهانات على «النوايا الاسرائيلية الطيبة»، التي لم تترجم حتى الساعة الى افعال يمكن الركون اليها للحديث عن نجاح «الوسيط» الاميركي عاموس هوكشتاين في الحصول على موافقة «اسرائيلية» على «التنازلات» اللبنانية عن الخط 29والحصة الغازية المفترضة في حقل «كاريش»، مقابل الحصول على تعديلات في الخط 23تمنح لبنان الحق الكامل في الاستكشاف والاستخراج من حقل «قانا». فما هي المستجدات؟ وكيف سيحسم هذا «الكباش»؟
التقدم المحقق حتى الآن، يرتبط بتقليص مساحة الخلاف بين الجانبين من خلال العودة الى «مربع» النقاش حول الخط 23دون تعديلات حتى الان. ووفقا لمصادر دبلوماسية، لم يحصل الجانب اللبناني على موافقة اسرائيلية على التعديلات دون ربط الملف بالعودة مجددا الى «طاولة المفاوضات» غير المباشرة في الناقورة، ولا يبدو ان «الوسيط» الاميركي بعيد عن هذه الاجواء وهو سبق وتحدث صراحة امام المسؤولين في بيروت خلال زيارته الاخيرة عن ضرورة العودة الى المفاوضات، فهو يعتقد ان ما تحقق حتى الان تنازل متبادل عن «السقوف العالية» في عملية التفاوض على «خطوط وهمية» من قبل الجانبين، والان يمكن الحديث عن بدء مفاوضات جادة تشمل المطالب المستجدة.
ولفتت تلك الاوساط، الى ان تعمّد بيان الخارجية الأميركية الإشارة إلى تضييق مساحة الخلافات بين الجانبين، يشير بوضوح الى طبيعة المرحلة الراهنة التي وصلت اليها عملية التفاوض، لا التفاهامات. فحتى الآن يرى العدو الاسرائيلي انه حقق نجاحا في دفع لبنان الى «عقلنة» مطالبه عبر اخراج حقل «كاريش» من دائرة النقاش، وهو ما كان يشكل اولوية في هذه المرحلة، حيث تجري عمليات التنقيب والاستكشاف في هذه المنطقة الحيوية، ويعتقد «الاسرائيلي» اليوم انه «يملك اليد العليا» في ملف التفاوض، بعدما اراح الشركات العاملة في الحقل ومحيطه من الضغوط، ونزع من الجانب اللبناني «سلاح» الردع الذي يمثله حزب الله، بعدما اقرالمفاوض اللبناني صراحة بانه لا وجود للخط 29.
وفي هذا السياق، يأتي قول وزيرة الطاقة في دولة الاحتلال كارين الهرار بالامس «بأن منصة كريش ليست للتفاوض لأنها إسرائيلية ومناقشة هذا الملف لن تكون مثمرة»، لكنها اكدت في المقابل انها «مستعدة للتوصل إلى تفاهمات مع الجانب اللبناني حول موارد الغاز في البحر المتوسط وملف ترسيم الحدود البحرية». وكشفت انه «تم تقديم عرض للوسيط الاميركي، وهي تنتظر التطورات الجديدة»، اي اننا امام عرض «اسرائيلي» جديد، وليس رفض او موافقة على المقترح اللبناني؟
وهذا ما تحذر منه اوساط اوروبية نصحت الجانب اللبناني الاصرار على الحصول على نتائج مباشرة حيال المقترح الاخير ، وعدم القبول بالتفاوض حوله لان «الاسرائيليين» اذا نجحوا في جر المفاوض اللبناني مجددا الى طاولة التفاوض غير المباشر، سيكون النقاش عند نقطة «التنازل» الاخيرة. ولان «ظهر المفاوض» اللبناني الى «الحائط» وغير قادر على تقديم المزيد من التنازلات، ستكون المفاوضات عقيمة ولن تفضي الى اي نتائج، ولهذا يجب الاصرار على الجانب الاميركي للحصول على رفض «اسرائيلي» او موافقة على الاقتراح،»ليبنى على الشيء مقتضاه»، والا فان الجلوس على الطاولة سيستمر الى ما لانهاية.
وفي هذا الاطار، تلفت مصادر مطلعة على الملف الى ضرورة تنبه الجانب اللبناني من «الخديعة الاسرائيلية» المتمثلة بالايحاء بان «تل ابيب» غير مستعجلة لحسم ملف المناطق المتنازع عليها. ففي «إسرائيل» دعوات جادة من قبل مسؤولين عسكريين وسياسيين لقبول العرض اللبناني وانهاء الخلاف في اقرب فرصة. فعندما اقترح فريدريك هوف، الوسيط الأول، تقسيم منطقة النزاع بشكل غير متساو، عبر إعطاء لبنان مساحة أوسع من»إسرائيل»،فهي وافقت. والآن بما ان المطروح منح حقل قانا كله للجانب اللبناني، فهذا التغيير في المساحة نسبته صغيرة، وبالامكان «هضمه» بحسب تلك القيادات. لماذا؟ لان حل الخلاف سيسمح بالبدء بإنتاج الغاز دون عراقيل من الجانبين في منطقة غنية بالغاز.
وبحسب صحيفة «يديعوت احرنوت»يمكن «لإسرائيل» أن تنتج كميات كبيرة من القسم المخصص لها، ففضلا عن « كاريش» ستتم زيادة كمية الغاز التي تنقل إلى أوروبا من المساحة الجديدة، وهذا يعني تخفيض التوتر المفترض على الحدود الشمالية.
هذا التوتر،بحسب التقارير الامنية «الاسرائيلية» ارتفع مع بداية شهر نيسان الماضي، بعدما اقام حزب الله أكثر من 16 موقع رصد جديداً على طول الحدود الشمالية. وكشفت صحيفة «هارتس» ان «إسرائيل» طرحت هذه القضية في مقر الأمم المتحدة في نيويورك من خلال بعثة ضمت ممثلين عن «الجيش الإسرائيلي» ووزارة الخارجية و»السفارة الإسرائيلية» هناك، حيث تم عرض صور موثقة للمواقع الجديدة التي اقامها حزب الله على كبار موظفي المنظمة الدولية وممثلي الولايات المتحدة وفرنسا. ووفقا «للمزاعم الاسرائيلية»، يكثر مقاتلو حزب الله بملابس مدنية من الحركة على طول الحدود، ونشر المواقع الإضافية الآن يعكس ثقة متزايدة بالنفس بعد عملية نقل آلاف المقاتلين من قوات النخبة «الرضوان» إلى الجبهة الشمالية.
واذا كانت مصادر لبنانية بارزة ترجح قيام الحزب بهذه الخطوة لإشعار «الاسرائيليين» بجدية عدم تفريط لبنان بثرواته، دون ان يكون الامر استعدادا او رغبة في حرب جديدة، لا تخشاها المقاومة وانما لا تسعى اليها. فان العدو الاسرائيلي يرى ان الانتشار في هذه المواقع تستدعي ذكريات غير لطيفة من الأيام التي سبقت حرب لبنان الثانية في تموز عام 2006 ، حين حذر قائد فرقة الجليل، العميد غال غيرش، من إقامة مواقع (ناشطة وعلنية) على طول الحدود. والنهاية معروفة.
وفي الخلاصة، يملك لبنان الرسمي الكثير من اوراق «الضغط» لتحصيل ما ارتضى ان تكون حقوقه الغازية، حزب الله يضغط على الارض دون ان يكون في واجهة الاحداث، والمصلحة «الاسرائيلية» الاقتصادية للاستفادة من الغاز، نقطة تصب في صالح لبنان، وهي تستدعي الاصرار على ردود سريعة وحاسمة، دون الدخول مجددا في دوامة التفاوض غير المباشر. ايام قليلة وتتظهر النتائج؟