جاء في “المركزية”:
فيما تنهمك المصارف المحلية في تطبيق تعاميم مصرف لبنان لتسيير شؤون المودِعين من أجل سحب ما أمكن من ودائعهم ولو بالتقسيط المُمِلّ، قياساً إلى قدراتها المالية إن كان بالليرة البنانية أو بالدولار الأميركي على وقع الاحتجاجات والدعاوى القضائية ضدّها… ذكرت معلومات صحافية أن “مصارف أجنبية تنوي القدوم إلى لبنان وفتح فرع لها لتسيير شؤون اللبناني والاستفادة من الثروات المحلية التي تجري خارج إطار المصارف ونقداً، إنما ذلك يتطلب موافقة الجهات المختصة من مصرف مركزي ووزارة مال”.
هذه المعلومات قد ينظر إليها البعض في أنها نقطة إيجابية ربما لكَون تلك المصارف الأجنبية ترى مستقبلاً زاهراً للبنان في المجال المالي والاقتصادي، وأنه سيخرج معافىً من أزمته الكارثية الحالية… فيما استبعدها البعض الآخر في ضوء غياب أيّ من مقوّمات الاستثمار في البلاد…
“المصارف الأجنبية لا تُستقدَم بل تدرس قابلية السوق، لأنها تبغي الربح وليس تقديم الخدمات” بحسب مصدر مالي لـ”المركزية”، ويقول “من هنا، فهي تبحث عن بلد يتمتّع بالاستقرار وتشريع قوانين مقبولة ومُحترَمة من قِبَل الجميع… وحتى الآن لا أرى أي بوادر تشجّع ليس المصارف فحسب بل أي مستثمر للمجيء إلى لبنان، في ظل ضبابيّة الوضع الاقتصادي ولا سيما وضع القضاء المتردّي حيث يُصدر بعض القضاة قراراً باعتبار “الشيك المصرفي” ليس وسيلة إيفاء… فأي مصرف أجنبي سيأتي إلى بلد يُطبَّق فيه مثل هذا القرار ويُفرَض عليه التعامل بالـ”كاش” فقط!؟ كما أن المصارف الأجنبية لا تعتمد سياسة الفروع في المناطق، بل جُلّ ما في الأمر فتح فرع أو ثلاثة في الحدّ الأقصى. لذلك من الصعوبة التأكيد أن المصارف الأجنبية ستُنقذ لبنان من محنته هذه”.
وإذ تمنى مجيء المصارف الأجنبية إلى لبنان “إذا تحسّنت أوضاع البلاد”، يستبعد المصدر ذلك “في ظل الانهيار الحاصل في البلاد حيث لا أحد حتى يفكّر في السياحة فيه باستثناء المغتربين اللبنانيين الذين يقصدونه لتمضية فصل الصيف مع ذويهم”.
وعما إذا كان لدى المصارف الأجنبية رؤية إيجابية لمستقبل لبنان تشجعّهم على الاستثمار فيه، يتساءل المصدر “سنرى أولاً ما إذا كان هناك مستقبل للبنان! مع وجوب أن تكون التشريعات واضحة وثابتة إذ لا يمكن إطلاق اليد في التشريع وكل قاضٍ يُصدر قرارات على هواه”.
ويُلفت إلى أن “لبنان يرتكز على قطاعات: المصارف والسياحة والاستشفاء والمدارس والجامعات… فلُقِّبَ بـ”مصرف ومستشفى وجامعة الشرق”… لكن “خطة التعافي المالي والاقتصادي” التي أعدّتها الحكومة تنصّ على “إلغاء الودائع من 100 ألف دولار وما فوق والحفاظ على أموال صغار المودِعين، مع مساواة كبار المودِعين ببعضهم والبالغ عددهم 200″ مع تشكيكنا في هذا الرقم… لكن ما غفلت عنه الخطة أن هؤلاء المودِعون الكبار هم المستشفيات والجامعات والمدارس والنقابات والمؤسسات الروحية والجمعيات الخيريّة… من هنا، في حال صادق مجلس النواب على تلك الخطة، فيكون يُلغي لبنان بـ”كبسة زرّ” ويحصل الدمار الشامل للبنان: لا وجود لأي مستشفى ولا جامعة أو مدرسة وغيرها ما ذُكر آنفاً… “.
ويُضيف: الموضوع لا يتعلق بالمصارف وحدها، فهي توقف كل القطاعات كون الأخيرة مرتبطة بها ارتباطاً وثيقاً… أما كبار المودِعين الأفراد فقد سحبوا غالبية أموالهم من المصارف وحوّلوها إلى حساباتهم في الخارج أم اشتروا بها عقارات أو غير ذلك… كلٌ وفق الطريقة التي تُريحه من قلقه وتُزيل خوفه على مصير ودائعه.
ويخلص المصدر إلى التأكيد أن “على الدولة الاعتراف بمسؤوليّتها القانونية اتجاه أموال المودِعين، لا أن تعتمد سياسة التهرّب من المسؤولية ورَميها على كاهل المصارف التي في حال أفلست، حتى الودائع ما دون الـ100 ألف دولار لن تستطيع ردّها لأصحابها. هناك مسؤولية وطنية على الدولة تحمّلها لأنه لا يجوز التفريط بكل قطاعات البلد لأن هناك شخصاً أعدّ هذه الخطة من دون أن يعي تداعيات مضامينها وخطورتها وحساسيّتها…