أولويات “التغيير” وتحرير ساحة النجمة
كتب بشارة شربل في “نداء الوطن”:
ليس مطلوباً من “نواب 17 تشرين” تجاوز المعقول وتحقيق المعجزات فور دخولهم الى ساحة النجمة ممثلين للشعب والثورة وليس متظاهرين مطالبين بإسقاط النظام.
المطلوب منهم، بالتأكيد، الاقتصاد في الكلام غير المفيد لئلا يصير خطاب التغيير لغة خشبية، تقول ولا تَعني، تُطرب ولا تُسمن من جوع.
أما أكثر ما ينتظره الناس من النواب الجدد او المجدَّدين فهو ممارسة السياسة الفعلية بتعقيداتها ومعارجها من غير التباس في الأساسيات، أي بمسألة سيادة الدولة، وتحديد هدف عملي قابل للتحقيق.
يمكن للوافدين المُحدَثين الى مجلس النواب التسَلّي لأسبوع بكسر التابوهات من نوع ترشيح غير شيعي الى رئاسة مجلس النواب، أو الإستحسان الساذج لطرح “الثنائي الشيعي” للبنان دائرة واحدة خارج القيد الطائفي، أو الانتصار للمثليين والوعد بتشريع قانون (cool) يمنع معاناتهم التمييز، أو ان تعوض سينتيا زرازير خسارة عمر حرفوش في المجلس الكريم بمشروع يفرض على نائب الأمة ختم أحد أماكن جسده بأي “تاتو” يريد.
فترة الدهشة يجب ألا تطول، ذلك ان اللبنانيين اقترعوا للتغيير لأنهم رأوا فيه نقضاً لممارسات أودت بهم الى الحضيض. أهمها تدمير دولة القانون واستباحة مقومات الدولة، من الحدود السائبة الى الزواريب المتروكة نهباً لقوى الأمر الواقع والسلاح المتفلت انتهاء بسرقة مدخرات المواطنين. وبالتالي فإن عمل النواب الآتين من وجع الناس يجب أن يذهب الى الأساسي ولا يترك المناورات السياسية تضلل طريقه، فتوهِمُه مثلاً أن ازمتنا يختصرها الفساد وما علاجه إلا التدقيق الجنائي، أو أن “السارق المركزي” هو رأس المعصية فيما المنظومة بريئة من دم المافيا وارتكاباتها على المستوى السياسي الاستراتيجي.
“كلن يعني كلن” كان شعاراً لذيذاً. هتفناه كلنا في الشوارع في لحظة انتشاء تعبوية. ترجمة الشعار تعني حصراً المرتكبين ومن خانوا أمانة الناس في حقوقهم السيادية والمادية. هذا وهْمٌ انتهينا منه، فلنذهب الى المفيد. ليس أقرب من حبل الوريد الى النواب الجدد إلا شرطة المجلس التي أطلقت النار والرصاص المطاط وأصابت بعضهم وقلعت عيون آخرين. سيجلس النواب الجدد في حضرة هؤلاء وتحت رحمتهم فيما إذا كسروا حرم المسايرة ونادوا بمحاسبة المعتدين على المتظاهرين، أو دعموا مسار التحقيق في انفجار النيترات وطلبوا رفع الحصانة عن زملائهم المدعى عليهم لدى القاضي بيطار، أو إذا جاهروا بالدعوة الى إلغاء أي سلاح يخالف القانون والدستور.
أولى المهمات المنطقية لنواب “17 تشرين” المطالبة بحل تلك الميليشيا لتحريرهم من الضغط المباشر بواسطة جهاز سقطت شرعيته حين ساهم بقمع ثورة المواطنين المشروعة على المنظومة الفاسدة. إبدأوا بتحرير حرم المجلس، ثم فلتتحرر ساحة النجمة من السواتر لنعيد إليها الحياة ونعيد الأمل الى أنفسنا، لعلّها تكون نقطة انطلاق نحو بيروت مدينة حرة من كلّ سلاح غير شرعي.