إنتخابات 2022

فئات شابة تتمرد انتخابيًا بالضاحية والجنوب.. وحزب الله يستنفر

يدرك حزب الله جيدًا خطورة الانتخابات النيابية هذا العام، فيشبهها بمعركة تموز الطاحنة، ويحاول جذب جمهوره بشتى الطرق. وما يميز هذه الانتخابات هي المشاركة الشبابية الجديدة في صناديق الاقتراع، بعدما شاركت في ثورة 17 تشرين 2019، ولم يتسنَ لها الاقتراع عام 2018، بسبب قانون سن الاقتراع. لذا، تعمل صفحات التواصل الاجتماعي التابعة لحزب الله، بشكل يومي ومستمر على شد عصب الشيعة، فتذكرهم بتحرير المقاومة أرضهم، وتنشر مقاطع مصورة للناخبين المسنين، وهم يتجولون في بلداتهم بجنوب لبنان ويشكرون حزب الله على تحرير أرضهم، ويؤكدون اتباع نهج تصويتهم له.
يضمن حزب الله ناخبيه المسنين، لكن الفئة التي تربكه وتقلقه اليوم هي الفئة الشبابية الجديدة المعارضة له، حتى وإن لم يفصح عن ذلك. فلا يخلو خطاب لنصرلله من انتقاده الثورة والسخرية منها. وهو لقّن جمهوره على مدى أشهر طويلة أن ثورة تشرين مؤامرة أميركية لنزع سلاحه، و”ثورة جنسية” لا تشبه قيم جمهور الحزب وعاداته، وذلك لقمعهم أثناء المشاركة في الانتخابات.

ناخبون معارضون
يفاخر حزب الله وحركة أمل دائمًا بجمهورهما الكبير في العلن، ألا أنهما يعيان جيدًا أن فئة من الشبان/ات الشيعة باتت في صف المعارضة التامة لهما. إذ لم تعد راضية على أدائهما السياسي. فبالرغم من فشل ثورة 17 تشرين، ألا أنها أبرزت جيلًا شابًا جديدًا متمرسًا يسعى لتغيير أوضاع البلد وتحسين شؤونه، بعدما حكمته الأحزاب نفسها ما لا يقل عن ثلاثين سنة. وبات يظهر امتعاض جمهور الثنائي الشيعي الشاب من سلوكه في السنتين الفائتتين مع اقتراب الانتخابات النيابية. لذا، قرر الشبان تفجير غضبهم في صناديق الاقتراع، أو عبر مقاطعة الانتخابات نهائيًا.

تتشكل هذه المعارضة من فئة الشباب الذين رددوا شعار “كلن يعني كلن”، وتحملوا بعدها حملات التخوين التي وجهت ضدهم من بيئة المقاومة. وبالرغم من الصورة المثالية التي يحاول حزب الله إظهارها عن بيئته، ألا أنه لم يستطع إنكار أو تجاهل هذه الفئة، التي يحاول ضبطها بشكل يومي مخافةً من تأثيرها على بيئته في الانتخابات ومستقبلًا. ففي الضاحية الجنوبية، تظهر المؤشرات فئة جديدة من الشباب باتت تمثل المعارضة في بعض بيوت الضاحية وبين أهلها. وهذه الظاهرة باتت تربك حزب الله وتحمله على الاستنفار للسيطرة عليها وإسكاتها، وهي لم تكن موجودة قبل.

وظهرت هذه الفئة بشكل علني في بداية حراك 2019، فنزل الألوف من سكان الضاحية وأقفلوا الطرق الرئيسية بالاطارات المشتعلة، ثم توجهوا نحو المصارف الواقعة في حارة حريك والشياح وحاولوا اقتحامها وتكسيرها أسوةً بما يحصل في بيروت آنذاك. لكن حزب الله منعهم. وهم عادوا إلى الشارع لحظة إعلان مروان خير الدين على لائحة حزب الله، فعلقوا لافتات على بعض الجسور ودونوا عليها عبارة نصرلله السابقة “الفاسد كالعميل”. ألا أن اللافتات أزيلت في غضون 15 دقيقة وعتم عليها إعلاميًا.

اتصالات ووعود
حزب الله يعرف من علّق اللافتات، ويحاول يوميًا الاتصال بعائلاتهم كلما اقترب موعد الانتخابات، طالبًا منهم الاجتماع بهم لإرضائهم وتقديم المساعدات لهم. فبعض هذه العائلات مؤيدة لحزب الله، ولكن أولادها باتوا معارضين ويحاولون اقناع أهاليهم بضرورة التغيير والسماح لوجوه جديدة بتمثيلهم. وهذا ما يخيف حزب الله.

ففي الاجتماعات التي تعقد مع أهالي الضاحية، والتي يدعون خلالها إلى ضرورة التمسك بنهج حزب الله لمواجهة العدو الصهيوني، يتجاوب معهم الحاضرون، ألا أن ظاهرة جديدة بدأت تظهر: اعتراض أبناء الحاضرين بجرأة على سياسة حزب الله في التعاطي مع الانهيار الاقتصادي وتغطيته على الفاسدين. وتحاول عائلات الشباب تهدئة أبنائها المصرين على موقفهم المعارض.    

ومنذ أسبوعين تقريبًا، دعت فئة من شباب المعارضة للمشاركة في دعوة قام بها أحد المرشحين المستقلين في دائرة بعبدا في مكتبة في حارة حريك، حيث تقام دورات وندوات بشكل مستمر. ألا أن المفاجأة كانت أن أصحاب المكتبة ألغوا اللقاء قبل يوم واحد وبشكل مفاجئ، وقالوا إن السبب هو حساسية “المنطقة الجغرافية”. وعبرت هذه المجموعة عن اتجاهها إلى انتخاب واصف الحركة.

انتفاضة جنوبية
أما في الجنوب، فإن نسبة العائلات المعارضة تظهر بشكل أوضح. فإحدى العائلات الكبيرة في بلدة أنصار المعروفة سابقًا بتأييدها حزب الله، قدمت بيتها للماكينة الانتخابية التابعة للوائح الانتخابية الجديدة. وذلك لاستعمال البيت خلال فترة الانتخابات بسبب سيطرة الثنائي الشيعي على معظم المكاتب الانتخابية في البلدة. والعائلة بأكملها شاركت في ثورة 17 تشرين. وبعد عجزها عن إيجاد الدواء اللازم لأحد أبنائها المصاب بمرض السرطان، وعدم استجابة أي جهة لمساعدتها في تكاليف علاجه، مات ابنها منذ 3 أشهر.

في الدوير والنبطية تطوع شبان وشابات معارضون لسياسة الثنائي الشيعي في الماكينات الانتخابية للوائح المعارضة ودعموها بلا بدل مادي. وحسب أهالي الدوير، للمرة الأولى تنصب فيها الخيم الانتخابية للمعارضين على جنبات الطرق، دعمًا للوائح المعارضة. ويقوم شبان بزيارة بيوت أهل البلدة لاقناعهم بانتخاب لوائح التغيير الجديدة ويعرضون برامجها الانتخابية. وهم يتواصلون مع أهالي الدوير في بيروت لتأمين وسائل نقل يوم الانتخابات. لكن الثنائي الشيعي يعاود زيارة بيوت هذه العائلات لإقناعها بأن لوائح المعارضة ضعيفة ولن تحصل على أكثر من 300 صوت.

أما في النبطية فقد رفضت عائلات كبيرة تسكن في الضاحية الجنوبية الإدلاء بأصواتها لصالح محمد رعد، واعلنت اتجاهها نحو التصويت للائحة المجتمع المدني “معًا نحو التغيير”. مع العلم أن إحدى هذه العائلات ملتزمة دينيًا وامرأة منها قارئة مجالس عزاء. لكن العائلة قررت دعم المعارضة بسبب عجزها عن سحب ودائعها من المصارف وترشيح مروان خير الدين على لائحة حزب الله.     

الرغبة بالتغيير
وفي دائرة الباشورة، ظهرت معارضة جديدة بين العائلات الشيعية المقيمة في الضاحية الجنوبية، والتي اعتادت انتخاب نائب حزب الله في الباشورة. فالانهيار الاقتصادي أدى إلى هجرة أولادهم إلى العراق وقطر لإيجاد أي فرصة عمل.

لذا  قررت هذه العائلات دعم الوجوه الجديدة ومقاطعة الأحزاب والتيارات التي أدت إلى هجرة أولادهم. لكن حزب الله يحاول منذ أسابيع التواصل مع أولادهم خارج لبنان، ومع العائلة نفسها في الضاحية، عارضًا عليهم تقديم صناديق إعاشة وبطاقة السجاد التي لم يتسن لهم الحصول عليها، وتقديم صفائح بنزين، ووعدًا بإيجاد فرصة عمل لأولادهم في لبنان. إلا أن العائلة اكتفت بالقول “سئمنا الوعود القديمة، نريد التغيير”.      

مقاطعة عشائرية
وفي بعلبك، وبعد تواصل الماكينة الانتخابية التابعة لحزب الله مع الناخبين، أكدت إحدى العشائر البعلبكية الكبيرة على مقاطعتها الانتخابات وعدم رغبتها بالإدلاء بأصواتها، بسبب عدم وجود أي بديل أو أي وجه تغييري جديد. وقد جاء ذلك بسبب ضغط حزب الله على المرشحين في اللوائح المستقلة واجبارهم على سحب ترشيحهم. والعائلة شاركت في انتخابات 2018 بعد التكليف الشرعي الذي تكلم عنه أمين عام حزب الله.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى