تطيير الانتخابات ما بين الواقع والاحتمال!
بات شبه محسوم ان المسار الذي تتجه اليه المنطقة هو مسار تسووي بعيداً عن أي مشهد تصادُمي وتصعيدي، وهذا ينطبق على كل الملفات المرتبطة بالجبهات التي التهبت في السنوات الماضية، بدءاً من الاتفاق النووي الذي يجري ترتيب لمساته الاخيرة مروراً بالعلاقات الايرانية – السعودية التي أدّت بشكل أو بآخر الى إيقاف حرب اليمن والترجيحات التي تقول بأن التسوية في اليمن ستأخذ منحى اكثر جدية، وصولاً الى اعادة الانخراط الخليجي مع سوريا التي قد تستعيد مكانها في المنطقة وتحديداً في الصف العربي بعدما خمدت نيران الحرب فيها.
كل المؤشرات تدلّ على أن الاوضاع في الساحة الاقليمية تتجه نحو الهدوء والتوافق والتفاهم حتى على التفاصيل وذلك في ظلّ الانكفاء الاميركي وتغيّر سياسات الولايات المتحدة الاميركية تجاه المنطقة وانشغالها بملفات تبدو بالنسبة اليها اكثر اهمية في هذه المرحلة، كصراعها مع روسيا من جهة، ومنافستها الاستراتيجية للصين من جهة اخرى، وبما أن لبنان يتأثر بشكل كبير بالواقع الاقليمي والدولي يبرز السوال حول التطورات التسووية في المنطقة وما إذا كانت ستنعكس إيجابياً على الملفات اللبنانية.
ثمة نظرية تقول بأنه يجب النظر الى التطورات الاقليمية بعين التفاؤل خصوصا وأن التسوية في المنطقة لن تكون بمعزل عن الساحة اللبنانية باعتبارها متداخلة بعدة ساحات بسبب وجود قوة اقليمية كحزب الله فيها، وعليه من غير الممكن حصول تسوية سعودية – ايرانية في ظل بقاء الصراع بين الرياض والحزب في لبنان، بالاضافة الى ذلك لا يمكن أن تعود العلاقات الى طبيعتها بين لبنان وسوريا والخليج العربي في حال استمرار التوترات والاهتزازات في ساحته الداخلية.
ولكن هل يمكن القول بأن التسوية في لبنان ستسير بخطوات سريعة وان الايجابية ستتدحرج بمجرد تدحرج ملفات المنطقة؟
لا يبدو ان هذه النظرية واقعية، بل بها نسبة عالية من التفاؤل والذي ليس في مكانه وذلك لعدة أسباب أوّلها ان نتائج الانتخابات النيابية المرتقبة وفوز “حزب الله”‘ وحلفائه بالاكثرية النيابية، وفقاً للتوقعات، سيعني، إن لم تقُم الدول الخصمة بردود فعل تجاه هذا الواقع، سيضاعف قوة الحزب لتصبح قوة يستحيل معها المنافسة.
ومن هُنا فإن عدم السماح للحزب بالسيطرة على المفاوضات من خلال فرض شروطه يستوجب رد فعل بعد الانتخابات، قد تكون اقتصادية او سياسية توحي بتوازن ما داخل البلد يمكن التفاوض على الحد الادنى انطلاقا منه.
اضافة الى ذلك يبدو أن هناك ملفات اخرى لم تُحسم بعد وهي مرتبطة حصراً بالساحة اللبنانية وملفاتها وبالتالي فإن حسمها يتطلب مفاوضات شاقة لا علاقة بها بالايجابية في المنطقة.
اولا؛ اتفاق ترسيم الحدود البحرية، اذا ان الولايات المتحدة الاميركية ترغب بشكل حاسم بالذهاب الى تسوية واضحة تحدد مسأله الحدود بين بين لبنان وفلسطين المحتلة، وبالتالي فإن هذا الموضوع وما يستتبعه من عمليات تنقيب وتلزيم شركات سيؤدي حتما الى رسم موازين قوى مختلفة في لبنان والمنطقة. لذلك فإن الاميركيين سيذهبون الى مفاوضات قاسية مع لبنان لإجباره على تقديم تنازل ما في هذا الملف.
واخيرا النقطة الاهم والاكثر حساسية هي مسألة سلاح “حزب الله” والتي لا يمكن لواشنطن تحديدا ان تتعايش معها حتى لو تأقلمت معها دول الخليج واوروبا. لذلك فإن الاميركيين، حتى وإن كان المسار العام يتجه نحو نقاط ايجابية ويسلك مسارات الحلحلة، الا ان الولايات المتحدة الاميركية لن تتعاطى بإيجابية مطلقة ولن تتغاضى عن وجود السلاح وبالتالي فإن الساحة اللبنانية ستبقى محطّ كباش واخذ ورد بين حين وآخر حتى الوصول الى حل بعض الاشكالات في المنطقة والتي لا ييدو حّلها قريبا.