اهم الاخبارمحلياتمن الصحافة

مجزرة دبلوماسية في تعيينات وزارة الخارجية

“ليبانون ديبايت” – وليد خوري

لم يسلك مشروع المناقلات والترفيعات الدبلوماسيّة الذي أعدّه وزير الخارجيّة والمغتربين، طريقه إلى مجلس الوزراء بجلسته التي عُقدتْ بتاريخ 30 آذار الماضي، كما كان متوقّعاً، حيث أعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أنّ الموضوع لم يتمّ طرحه. إلّا أنه تردّد أن رئيس الحكومة هو من طلب التريّث بطرح هذا الموضوع، وسبب ذلك يعود إلى ما تضمّنه مشروع التشكيلات من تجاوزات ومخالفات إدارية، واعتماده معايير مزدوجة، ومراعاته الحاجات الحزبية بدلاً من الأصول الإداريّة. واليوم يتواصل تفاعل هذا الموضوع، ويمكن بهذا الخصوص يمكن التوقّف عند المسائل التالية:

1- سبق لوزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب أن أودع الشهر الماضي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مشروعاً بمناقلات وترفيعات دبلوماسية جزئية. وقد تبيّن لرئيس الحكومة أن المشروع يشكّل مخالفة حقيقية، وبعيد كل البعد عن المعايير الواحدة، بسبب ما اعتراه من استنسابية، حيث نصّ على ترك سفراء في مراكزهم ممّن تجاوزا فترة بقائهم في الخارج بعدّة سنوات، فيما تضمّن إعادة سفراء ممّن لم يتجاوزا بعد فترة خدمتهم القانونيّة. وهذا ما حدا برئيس الحكومة الى اعادة مشروع التشكيلات إلى وزير الخارجيّة، طالباً منه وضع مشروع جديد يعتمد على معايير موحّدة في التشكيلات الدبلوماسية.

2- استناداً لذلك، وبدلا من ان ينكب وزير الخارجية على إصلاح الخلل الذي تضمّنه مشروع التشكيلات الجزئية، بحيث يطبق معايير موحدة عليه، فقد قام بتوسيع عشوائي لمروحة التشكيلات، بحيث اصبحت شاملة، وتعيد اكبر عدد من السفراء من الخارج، ليس فقط أولئك الذين تجاوزوا مدتهم القانونية، بل ايضا السفراء الذين لم يستكملوا بعد فترة عملهم القانونية في الخارج، دون وجود مبرّر او حاجة حقيقيّة لاعادتهم الى الادارة المركزية في الوقت الراهن. وهذا ما سيؤدي عمليا الى اعادة 34 سفيرا الى الادارة المركزية، علما بان عدد المديريات في الوزارة 10، وهو ما سيجعل عدد السفراء في الادارة المركزية مضخّما، وهذا ما لم تشهده الوزارة في تاريخها.

3- إن قيام وزير الخارجية بتوسيع حركة المناقلات والترفيعات الدبلوماسيّة في هذا التوقيت يطرح أكثر من علامة استفهام، ويثير حتى التساؤل عن مدى مشروعيّتها. حيث أن هذه التعيينات تأتي على مشارف الانتخابات النيابية المقرّرة بعد شهر ونصف، ما يجعل منها جوائز ترضية تقوم بعض الأحزاب السياسية بصرفها على ابواب الانتخابات التشريعية، وفرصة لتعيينات دبلوماسية بأثمان انتخابية. واضافة الى ذلك، فان هذه التعيينات تأتي ايضا على مشارف انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، علماً بأنه جرت العادة أن يقوم رئيس الجمهورية الجديد بتعيين السفراء، لا أن يستبق الرئيس المنتهية ولايته تعيين سفراء جدد قبل انتهاء عهده.

4- إن المشكلة الاساسيّة في وزارة الخارجية اليوم، هي أنّ قرارها ليس في داخل الوزارة بل خارجها. فاللجنة الإدارية المنصوص عليها في نظام وزارة الخارجية، والتي تتألف من الامين العام ومدير الشؤون السياسية ومدير الشؤون الإداريّة، والمنوط بها درس واقتراح الترفيعات والمناقلات الدبلوماسية، هي اليوم مغيّبة، والأمين العام الذي يُفترض أن يؤشّر على التشكيلات والترفيعات غير مطّلع عليها. وبالمقابل، فقد تمّ تكليف السيد طارق صادق، مستشار النائب جبران باسيل، بوضع المناقلات والترفيعات الدبلوماسية، علماً بأنه من خارج الوزارة، وينتمي لحزب التيّار الوطني الحر، وهو كان مرشحاً على لوائحه للانتخابات النيابية في كسروان-جبيل. وقد تمّ تسليم السيد صادق كامل داتا المعلومات الادارية والوظيفية المتعلقة بالسفراء وبسائر الدبلوماسيّين اللبنانيّين، حيث عمل بمساعدة آخرين بينهم السيد رائد برو، المرشّح الحالي لحزب الله للانتخابات النيابية في كسروان-جبيل ضمن لائحة التيار الوطني الحر، على وضع جداول مناقلات سفراء لبنان في الخارج، وجداول ترفيعات الدبلوماسيين إلى الفئة الأولى.

5- يتأكد من الأسماء المتداولة التي ستشملها التعيينات الدبلوماسيّة أن وزير الخارجية الاسبق جبران باسيل يريد الاستفادة من التشكيلات والترفيعات الدبلوماسيّة، ليحصد اكبر قدر من التنفيعات للتيّار الوطني الحر، وليزرع مؤيّديه في عواصم القرار لعدة سنوات مقبلة، وذلك قبل اجراء الانتخابات النيابية وتحوّل الحكومة الى تصريف الاعمال، وقبل انتهاء ولاية الرئيس عون. وعندما نعلم ان عدد السفراء المسيحيين الذين ستتمّ اعادتهم الى الادارة يبلغ 22 سفيرا من اصل 34، يصبح غنيا عن القول انه سيتم ملء هذه المراكز المسيحية، اضافة الى المراكز المسيحية الشاغرة اصلا، من قبل دبلوماسيين قريبين من التيار الوطني الحر. فباسيل يسعى لتعيين مستشارين من الفئة الثانية كرؤساء بعثات بلقب سفير، ومعلوم داخل وزارة الخارجية، ان باسيل طالما فضّل التعاون مع صغار الدبلوماسيين المطواعين، على حساب السفراء من الفئة الاولى.

6- إضافة إلى تعيينات الفئة الثانية، تأكد أن باسيل يصر على ترفيع عدد من المحسوبين عليه الى الفئة الاولى، وبينهم مثلا مدير مكتبه السابق المستشار هادي هاشم. علما بان ترفيع المستشار هاشم إلى الفئة الاولى يشكل مخالفة ادارية فاضحة حيث انه سيقفز فوق 20 مستشارا مارونيا هم اكثر استحقاقاً منه بالترفيع من حيث الاقدمية. فهو دخل السلك الخارجي بتاريخ 5/9/2005، وسيتمّ ترفيعه قبل زملائه من ثلاث دورات قبله تعود للأعوام 1996، 2000، و2003. وقد سبق لمجلس الخدمة المدنيّة ان رفض عام 2020 مشروعا لترفيع المستشار هاشم على حساب زملاء له أقدم منه في الرتبة بفترة تصل إلى 10 سنوات. ويجري الحديث اليوم عن محاولة للالتفاف على مجلس الخدمة المدنية، بحيث يتمّ طرح الترفيعات في مجلس الوزراء، دون اخذ موافقة مجلس الخدمة، المطلوبة قانونا وفق النصوص الادارية المرعية، الامر الذي يشكّل مخالفة موصوفة.

7- يتبيّن أن المعنيين في وزارة الخارجيّة يستغلون وجود حاجة حقيقية لتعيين عدد من السفراء الموجودين في الادارة منذ اكثر من 4 سنوات، بمراكز في الخارج، لتمرير سلة تعيينات واسعة يغلب عليها طابع المحسوبية السياسية والانتخابية. وسيؤدي تنفيذ حركة المناقلات الواسعة كما هي الى ما يشبه مجزرة بحق الدبلوماسية اللبنانية، لما ستحدثه من خلل كبير سيتسبب بتعطيل المرفق العام لوزارة الخارجية. فهي من جهة ستثبت معيار الحزبية على حساب الكفاءة والاقدمية، ومن جهة ثانية ستعيد نصف السفراء الى الادارة دفعة واحدة، مما سيؤدّي الى تخمة في عددهم في الادارة المركزية، مقابل تسليم السفارات في الخارج لدبلوماسيين من رتب دنيا. وهذا يعني ضرب الهرم الوظيفي في الوزارة، وفرض ما يشبه تقاعداً مبكراً على سفراء الفئة الاولى، لان عددهم الكبير في الادارة المركزية، سيؤدي الى استحالة اعادة تعيينهم في الخارج بعد فترة سنتين. وكان يُفترض تجزئة عودة السفراء الذين تجاوزوا فترة عملهم في الخارج، بحيث يكون ذلك تدريجيا وليس دفعة واحدة، بما لا يؤدي الى ضرب التوازن بين السفراء من الفئة الاولى ودبلوماسيي الفئة الثانية في الوزارة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى