إنتخابات 2022اهم الاخبارمحليات

“بدل أن يكون دافعاً إلى الأمام”.. الانتخاب كفعل تخلفي!

جاء في “الحرة”:

عزز قانون الانتخابات في لبنان من ظاهرة “قطعان المقترعين”، فالقانون والطبيعة الزبائنية للعلاقة مع السلطة والنظام خلفا ظواهر مفجعة إذا ما قيست بمعايير هذا الزمن. فالانتخاب في ضوئها صار فعلاً متخلفاً بدل أن يكون دافعاً إلى الأمام. فهل يمكن أن تتخيلوا أن مرشحاً يملك مصنعاً مع زوجته يعمل فيه نحو 3 آلاف عامل، تقاسم أصوات العمال مع شقيق زوجته المرشح في نفس الدائرة! 

توزعت الأصوات بين الرجلين بالتساوي، تماماً بالتطابق مع تقاسمهما أسهم المصنع، علماً أنهما ترشحا على لائحتين متنافستين! جرى ذلك في إحدى الدوائر ذات الغالبية المسيحية. أما في البقاع، والغالبية هناك للشيعة، فقد قسم حزب الله الأصوات على مرشحيه وفقاً للقرى! هذه القرية تصب أصواتها التفضيلية لهذا المرشح، وتلك القرية لمرشح آخر، فتتساوى الحواصل، وتتلاشى فكرة أن الانتخاب هو فرصة للاختيار والمفاضلة.

لدى معظم أركان السلطة في لبنان تقنيات مشابهة، جعلوا عبرها الانتخابات مناسبة لإهانة المقترعين. فهم بالنسبة للماكينات الانتخابية أرقام يجري تبادلها باحترافية جرى تعزيزها بخبرات استتباع تتراوح بين الرشوة والتهديد، فيقرر مثلاً سعد الحريري الانسحاب من الانتخابات ومن السياسية، لكنه يقيم بازاراً لتوزيع الأصوات التي خلفها وراءه، فيوزعها على خصوم خصومه، فيهادن وليد جنبلاط في الشوف ويواجه سمير جعجع في الشمال، ويتآمر على فؤاد السنيورة في بيروت! والمقترعين في دوامة الحريري هذه ليسوا أكثر من قطعان قرر كرازها إنفاقها على وارثي خيبته وفشله!

للانتخابات في لبنان وجه قبيح بدأ يتضح مع اقتراب موعدها، لا بل أوجه قبيحة. في وقت من المفترض أن تشكل مناسبة لاختيارات مختلفة. إنها لحظة بالغة الخطورة، فإذا ما قرر اللبنانيون التجديد للطبقة السياسية، فهم بذلك يقرون بحق هذه الطبقة بأن تفعل ما دأبت على فعله منذ 30 عاماً! من حقها أن تسرق ودائع الناس في المصارف، ومن حقها أن ترهن البلد لميليشيات مسلحة، ومن حقها أن تمنع محاسبة المتسببين بتدمير ربع العاصمة على نحو ما فعلت في 4 أغسطس، ومن حقها أن تأتي بجبران باسيل رئيساً للجمهورية! ولكي تنتزع الطبقة السياسية هذا الحق عنوة من الناس، كان قانون الانتخابات هذا، وكانت التحالفات بين أركان السلطة عبر مثلث “حزب الله وحركة أمل والتيار العوني”، وكانت العلاقة الزبائنية مع الناخبين، وجرى تثبيت معادلة “قطعان المنتخبين”.

وقضية الطبقة السياسية الحاكمة أشد انتظاماً من قضية خصومهم، وهذه الطبقة تملك من الطاقة والخبرة والإمكانات ما يمكن توظيفه في معركة التجديد للكارثة وللكابوس. لا حدود لتخففها من الأخلاق، ولا رادع يمكن أن يوقف شراهتها، فهي أشهرت فسادها على نحو لم يفعله غيرها منذ تعاظم هذه الظاهرة وتوغلها في الدول والإدارات والسياسات. وليد جنبلاط يعلن أنه هرب أمواله إلى الخارج، وجبران باسيل يقول أنه أعاد للمسيحيين حصتهم من الفساد والثنائي الشيعي يرشح على لوائحه اثنان من المتهمين بالتسبب بانفجار المرفأ! 

هذه هي برامجهم الانتخابية، وهذا ما يعدون به ناخبيهم، وهذا ما يشهرونه يومياً على نحو مكثف منذ باشروا حملاتهم الانتخابية. المقترع بالنسبة إليهم وعاء من الغرائز التي عليهم إيقاظها، والانتخاب فرصة لمواصلة الجريمة. والغريب أن إجماعاً منعقداً على أنهم سينجحون بما هم بصدده! وبهذا المعنى هل يمكن القول بأننا نستحق ما جرى لنا، على ما يكرر كثيرون منا؟

الانتخابات تجري وفق آلية قررها النظام، ووفق نموذجه في السلطة وفي التغول، وهي امتداد لسطوه على الثروات والودائع والأصول. وهي محطة أعطي فيها الحق بأن يبتلع ما تبقى. والقول بأن الناس انتخبوهم وعلينا التعامل معهم ينطوي على ظلم كبير! الناس في الجنوب لا يملكون حق الاختيار، وفي الجبل جعل القانون من الناس قطعاناً، وفي الشمال الجوع هو المقترع الأول. 

ليس هذا العرض دعوة للمقاطعة، وانما محاولة استباقية للإجابة على مقولة أن المنظومة تملك شرعية انتخابية. فهذه “الشرعية” التي ذكرنا بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ذات يوم في أعقاب انفجار المرفأ، منتزعة بالسلاح وبالفساد، وبتغذية الغرائز، وبحروب أهلية، وبارتهان لدول ومحاور من كل حدب وصوب. 

ثمة أكثر من مليون مودع جرى سرقة مدخراتهم، وأكثر من مليون فقير جديد بفعل إفلاس الدولة، وأكثر من وربع مليون مهاجر جديد ومثلهم على وشك الهجرة. لنجمع هؤلاء، ولنفترض أن بيئة اقتراع مختلفة أتيحت لهم، فسنحصل على طبقة سياسية جديدة من دون شك، أو على نصف البرلمان في أسوأ تقدير! المعركة التي خاضتها السلطة هدفت إلى منع انعقاد هذه المعادلة، عبر السلاح وعبر قانون الانتخاب، وعبر التجويع المباشر.   

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى