جاء في المركزية:
لو تسنّى لقانون الـ”كابيتال كونترول” أن يوضَع على سكّة التنفيذ بالزخم ذاته الذي خضع له في معركة “النقد والقراءات والتفنيد والتمحيص…” لكان فعل فعله في تنظيم السحوبات ودوزَنة العلاقة بين المصرف والمودِع…، إنما كُتب لهذا المشروع القانون أن يبقى في دائرة التجاذبات على اختلافها “حتى إشعارٍ آخر”… ومع هذا التأجيل المتتالي هل سيعود يُجدي نفعاً بعد حين؟! أم أن “يأتي متأخراً أفضل من ألا يأتي أبداً”؟
فمشروع قانون الـ”كابيتال كونترول” الذي رفض مجلس النواب مناقشته في جلسة اللجان أمس، فنّده رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية منير راشد عبر “المركزية”، ليَصفُهُ بالـ”ضربة القاضية للاقتصاد… قانون استنسابي لا يخدم الاقتصاد اللبناني بأي شكل من الأشكال ويٌقوّض الثقة بخطة الحكومة الإصلاحية وبالجهاز المصرفي”.
ويشرح راشد رؤيته بالقول: إن القانون المقترح لا يضع فقط قيوداً على التحويلات الى الخارج بل أيضاً ضوابط صارمة على سحب المودِعين لودائعهم بالليرة والدولار في المصارف اللبنانية. هذا القيد على كميّة السحب من الودائع هو في حدّ ذاته اكثر ضرراً من القيود على التحويلات الى الخارج. وقد حدّدت المادة الخامسة من القانون المقترح، السحب في حدّ اقصى قدره 1000 دولارللفرد الواحد شهرياً، وتقرّر اللجنة الخاصة العملة الوطنية او العملة الاجنبية التي يُدفع بها هذا المبلغ.
ويذكّر بهذه المادة “أولاً لأهميتها كونها مدمّرة للاقتصاد لانها ستُفقد القوة الشرائية للمواطن وستؤدي الى كساد عميق. وسيكون لها اثر سلبي ايضاً على المالية العامة وقدرتها على تحصيل الإيرادات اللازمة لتمويل موازنة الدولة المستهدفة، وسترفع العجز المالي والحاجة الى المزيد من الاستدانة الى مستوى يفوق العجز المستهدف، كما تؤدي الى المزيد من الانخفاض في سعر الصرف، والتضخم”.
ويُضيف: القانون المذكور يضع قيوداً أخرى عديدة لمدة 3 سنوات، ومن أهمّها:
– قيود على المعاملات بالسلع والخدمات للحساب الجاري لميزان المفوعات، إذ يُقيّد القانون المدفوعات لأغراض الحساب الجاري في ميزان المدفوعات بدلاً من استهداف فقط معاملات الحساب الرأسمالي الذي يسجل دخول وخروج رؤوس الأموال. فقوانين الـ”كابيتال كونترول” تضع قيوداً على المعاملات الرأسمالية فقط (تدفق رؤوس الأموال) وليس على المعملات الجارية فيه (السلع و الخدمات والدخل) لكونها تؤدي الى انعكاسات سلبية في معظم مرافق الاقتصاد.
– يحدّد القانون ايضاً عمليات القطع بسعر صرف على اساس منصّة مصرف لبنان. وهذا يعني الاستمرار في اتباع تعدّد سعر الصرف المُضرّ بالاقتصاد.
– يمنع القانون عمليات الصرف من عملة وطنية الى عملة أجنبية. ما يؤدي الى تسعير العديد من السلع بالعملات الاجنبية ويُضعف بدوره سعرالصرف للعملة الوطنبة.
– يحظرالقانون الدفع إلا بالليرة اللبنانية بين المقيمين وغير المقيمين، ما يثني عن تدفق الأموال من غير المقيمين.
– لا يعتبر القانون العائدات من الصادرات كأموال جديدة. كما اقترح اعتبار الاموال الجديدة ما دخل بعد 9 نيسان 2020 بدلاً من 17 تشرين 2019، ما يسبّب بضَرب حوافز التصدير وقدرة المصدّرين على الحصول على المواد الاوّلية.
– يمنع فتح اعتمادات جديدة إلا وفق سلسلة من الاعفاءات المحددة، ما يقلص دور المصارف في عملية الوساطة المصرفية.
ويُشير في السياق إلى أن “كل هذه القيود تخلق عوائق أمام سير المعاملات ولا تؤدي الى دعم الحركة الاقتصادية”.
ويُضيف: بالفعل انه قانون استنسابي لا يخدم الاقتصاد اللبناني بأي شكل من الأشكال ويٌقوّض الثقة بخطة الحكومة الإصلاحية وبالجهاز المصرفي. الأهم ايضاً ان معظم الدول التي وضعت قيوداً على تحويل الاموال إلى الخارج في بداية الازمات وتوصّلت الى حل أزماتها خلال سنة أو سنتين منذ بدئها. أما في الظرف الحالي للبنان لا نرى الفائدة من القانون المذكور بعد القيود العديدة السارية ضمن التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان. اضافة الى ذلك، من المعروف ان تحويل رؤوس اموال لبنانيين الى الخارج وفتح حسابات، أصبح غير متيسّر في معظمها بسبب المخاطر التي تواجه لبنان والتخوّف من مصادر هذه الاموال.
ويتابع: كما ان اللجنة الخاصة الناظمة المناطة بإصدار النظم التطبيقية كافة المتعلقة بجميع بنود القانون، هي لجنة استنسابية ومن غير المستبعَد أن تقرّ إعفاءات وغرامات استنسابية. ومن الواضح ان هذه اللجنة لن تكون قادرة على الإلمام الكافي بما هو ضروري وغير ضروري لعمل القطاعات الخاصة. اضافة الى ذلك، أظهرت دراسات عدة أن القيود على تدفقات رؤوس الاموال تترك تأثيرات عديدة على اقتصادات الدول، كون تلك القيود تعوق تدفق الاستثمار الى الداخل، فالـ”كابيتال كونترول” قد برهن عن أثره السلبي على جذب الاموال من الخارج، إذ أن القيود على خروج الاموال تُثني الحافز عن دخول الاموال. وكتب في هذا المجال العديد من الاقتصاديين العالميين.
ويَخلُص راشد إلى القول: إن الهَفوات الواردة في هذا القانون عديدة كما ان اللجنة الخاصة بتنظيمه أُعطيت صلاحيات عدة غير شرعية. فالقانون في حدّ ذاته مخالف للدستور ولقانون النقد والتسليف. من الأجدى عل الحكومة أن تمارس الإصلاح أولاً قبل وضع هذا القانون، وإلى حينه لم تقم بأي إصلاحات لتعطي نتائج إيجابية.
ويرى ختاماً أن “الخطة الحالية التي يتم بحثها مع صندوق النقد الدولي بُنيت على أساس افتراضات متفائلة جداً ومن الصعب تحقيقها”.