إقتصاداهم الاخبارمحليات

الحكومة “خفضت” الحد الأدنى.. الراتب لا يكفي للخبز والماء

خفف وزير العمل مصطفى بيرم من وطأة أي موجة غضب شعبية مرجحة بعد ارتفاع غير مسبوق لأسعار السلع الأساسية، التي تشهدها الأسواق اللبنانية حاليًا. وذلك من خلال توقيعه مرسوم تعيين “بدل غلاء المعيشة” للمستخدمين والعمال الخاضعين لقانون العمل، بعد موافقة مجلس شورى الدولة على مشروعه. وتبلغ هذه الزيادة مليونًا و325 ألف ليرة لبنانية.

مساواة موظفي العام والخاص
نظريًا، نجح الوزير في تسجيل نقطتين في رصيد الحكومة. تظهر الأولى من خلال مساندة كل من يخضع لقانون العمل، أي موظفي القطاع الخاص ورفع قيمة أجورهم، لتصبح رواتبهم موازية لموظفي القطاع العام، بعد إقرار بدل غلاء معيشة لهم سابقًا. وعليه سد الوزير الفجوة في الرواتب بين موظفي القطاع العام والخاص.

والنقطة الثانية والأهم، هي التظاهر برفع الحد الأدنى للأجور. فبدل 675 ألف ليرة، يصبح مليوني ليرة، ويضاف إليها بدل النقل، فيصبح الراتب قرابة ثلاثة ملايين ليرة. ويحاول الوزير زيادة إيرادات الدولة. وحسب المرسوم، يضاف “بدل غلاء المعيشة” إلى سلم الرواتب في الضمان الاجتماعي، ما يعني زيادة العوائد المالية الخاصة بالدولة.

وبالتالي، أضحى الحد الأدنى للرواتب نحو مليوني ليرة بدلًا من 675 ألف ليرة. ولكن المعادلة تبدو مختلفة عمليًا.

معادلة جديدة
عند إقرار الحد الأدنى للأجور قبل سنوات، كان بارزًا حضور لجنة مؤشر الأسعار، والتي توصلت حينها إلى أن مبلغ 450 دولار، قد يكون كافيًا كحد أدنى للرواتب. صحيح أن الرقم حينها أشعل حربًا بين وزير العمل السابق والهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام. ولكن في الحقيقة رفُع الحد الأدنى أضعاف ما كان عليه. اليوم، انتهزت الحكومة الوضع المتردي سياسيًا واقتصاديًا من جهة، وغياب سعر صرف موحد للدولار من جهة ثانية، واتبعت سياسة “الهروب إلى الإمام” حتى لا تضطر إلى مواجهة العمال مستقبلًا، وإعادة إقرار الحد الأدنى للرواتب بما يتناسب والأسعار الحقيقية والفعلية للسلع، ولتتظاهر بزيادة الرواتب، فيما عمليًا تم خفض قيمة الحد الأدنى.

فقد خفضت الحكومة “قيمة” الحد الأدنى من 450 دولار (675 ألف ليرة عند سعر الصرف 1515 ليرة) إلى أقل من 100 دولار (مليوني ليرة عند سعر الصرف 25 ألف ليرة). ولو أرادت الحكومة فعلًا مساندة الموظفين، لجعلت الحد الأدنى الذي أقر سابقًا عند 450 دولار بسعر الصرف الحالي، أي ما يوازي تقريبًا 11 مليون ليرة.

يعترف وزير العمل مصطفى بيرم، بأن المبلغ غير كاف، ولكنه يساند الموظفين والعمال، انطلاقًا من معادلة “بحصة بتسند خابية”، ولا يخفي الوزير أن زيادة بدل الغلاء، لم يستند إلى أي دراسة علمية أو إحصائية، ولم تدع لجنة المؤشر، أو هيئة الإحصاء المركزي، لتقييم غلاء المعيشة.

ويقول بيرم لـ “المدن”: “تعي وزارة العمل، أن الموظف يحتاج إلى ما لا يقل عن 5 ملايين ليرة، حتى يتمكن من مواجهة الغلاء. وهذا الرقم لا يمكن إقراره في الوقت الحالي، لأنه يأتي بنتائج عكسية”. وحسب بيرم، فإن إقرار 5 ملايين ليرة، تعني أن العديد من الشركات تعلن إفلاسها، أو قد تصرف عددًا كبيرًا من موظفيها”.

الهيئات ترحب
قرار وزير العمل لاقى ترحيبًا من الهيئات الاقتصادية. كيف لا، وهي من صاغته وسعت إلى إقراره. فقد وجدت الهيئات الاقتصادية أن هذا الرقم، فرصة لتحسين الإنتاجية، لأنه من جهة يساند الموظفين لتحسين ظروف عملهم، ومن جهة ثانية لا يزيد الأعباء المالية على الشركات وأرباب العمل. وعبر جاك صراف، عميد الصناعيين السابق، عن ارتياحه لقرار الوزير، ويقول لـ “المدن”  إن القرار جاء بعد مبادرة تمت بين الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام، لمساندة طرفي الإنتاج. وبالتالي فإن خطوة الوزير أعطت الصفة الرسمية لهذه المبادرة”. ووفق صراف، فإن هذه الزيادة تساعد في المحافظة على إنتاجية العمل، ولا تعرّض الشركات لخسائر كبيرة. وفي المقابل، يحتفظ الموظفون بعملهم، لأن إقرار أي مبلغ أكبر من هذا، يؤدي إلى “إفلاس القطاع الخاص وصرف الموظفين”.

بعبارات أوضح، فإن مبلغ 90 دولارًا وربما أقل في حال تغير سعر الصرف- وهو أمر مرجح في ظل غياب أي معيار لسعر الصرف- قد يكون أفضل من إقرار بدل “عادل” للموظفين من وجهة نظر الهيئات الاقتصادية. ولكن وجهة النظر هذه، تطرح علامات استفهام عدة؟

إذا كان بدل “غلاء المعيشة”، جاء بلا أي دراسة علمية، بل نتيجة توافق جرى بين الهيئات العمالية والاقتصادية، فمن أين تضخ الأموال في الاقتصاد؟ وهل نتجه إلى طباعة المزيد من العملة اللبنانية، وبالتالي زيادة التضخم؟

والأهم من كل هذه الأسئلة، هل يكفي حقًا الحد الأدنى للأجور في حلته الجديدة، لشراء الاحتياجات الأساسية؟ الإجابة ببساطة لا. فالحد الأدنى لا يكفي لسداد حتى شراء خبز وماء طيلة الشهر.

تكاليف المعيشة
أعد النقابي محمد قاسم دراسة في كانون الأول الماضي حول تكاليف المعيشة في لبنان، وخلص إلى أن العائلة المكونة من أربعة أفراد تحتاج ما بين 8 إلى 10 ملايين ليرة، لتتمكن من تأمين المستلزمات الأساسية. وأوضح قاسم أن توزيع السلة الاستهلاكية الأساسية، تتم وفق أبواب أربعة يتضمن: استهلاك المواد الغذائية بنسبة تصل إلى 42 في المئة. السكن وملحقاته بنسبة 23,5 في المئة. والباب الثالث يشمل نفقات الملابس بنحو 8,5 في المئة. أما المصاريف الأخرى التي تشمل الطبابة والتعليم والنقليات والترفيه وغيرها، فتصل نسبتها إلى 20 في المئة.

وبالتالي، يحتاج الموظف، سواء في القطاع العام أو الخاص، إلى عشرات أضعاف ما تم إقراره بدل غلاء معيشة، حتى يتمكن من سداد الاحتياجات الأساسية.

المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى