عند الإمتحان يُكرّم ميقاتي أو يُهان!
“ليبانون ديبايت” – محمد المدني
أجواءٌ من الفرح والسرور عمّت أروقة السرايا الحكومية ومعظم المقرّات الميقاتية الرسمية وغير الرسمية، بعد بيان وزارة الخارجية السعودية بشأن علاقة المملكة مع لبنان، مع ما تضمّنه البيان من تمنيات يكاد تحقيقها يكون شبه مستحيل، فمنذ بداية الأزمة بين لبنان وأشقائه العرب حتى اليوم ، لم يتغير شيئ في السياسة وكواليسها، فالأمور لا تزال على حالها، وهنا نقصد “حزب الله” الذي لا يزال على مواقفه من الخليج، وحرب اليمن وغيرها من الملفات التي ولّدت خلافاً حاداً بين الحزب ودول مجلس التعاون الخليجي.
فهل البيان السعودي “تكويعة للعودة إلى لبنان، أم أنه ليس أكثر من كلام ٍاستعراضي لن يغيّر في الواقع شيئاً؟
بصرف النظر عمّا يدور في الكواليس بأن الدول الخليجية ليست مستعدة للعودة إلى سابق عهدها مع لبنان، لا يمكن تجاهل ما حصل أول من أمس، ومن الواضح أن بيان وزارة الخارجية السعودية، يدلّ على أن هذا الموقف فتح صفحةً جديدةً مع لبنان، خاصةً أنه يتحدث عن رغبة المملكة ودول الخليج باستقرار لبنان وازدهاره وإنمائه في المرحلة المقبلة، كما يتحدث عن وقوف هذه الدول إلى جانب لبنان ليستعيد عافيته. لكن لا يُمكن القول بأن القطيعة انتهت بشكل كامل، بحسب مصادر مطلعة على أجواء العلاقات الدبلوماسية.
وبالتالي، فإن البيان السعودي وضع الإطار على سكّة الحل الحقيقية، لأنه أتى في وقت مفاجىء ليرحّب ببيان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي أكد رغبة لبنان بأفضل العلاقات مع الدول العربية، ما يؤشّر إلى أن البيانيين متفق عليهما سلفاً، وكأن هناك تسوية للوضع اللبناني مع دول الخليج ، وعدم تركه في هذه المرحلة رهن التجاذبات الداخلية ورهن التطورات التي تحصل في الخارج.
أيضاً، هذا الموقف يؤشّر إلى تبدّلٍ ما على صعيد العلاقات بين الدول العربية جميعها، ولا يمكن فصله عن زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، والحديث الجدّي عن تقارب عربي جديد مع سوريا على أن تكون هناك مساحة فاصلة ما بين سوريا اليوم والنفوذ الإيراني.
ما تقدّم يمكن وضعه في إطار “توليفة” قامت بها كلّ من المملكة العربية السعودية بوساطة فرنسية والجانب الكويتي مع رئيس الحكومة، وتقضي بإعادة فتح قنوات التواصل للعلاقات المعلّقة بين لبنان والدول الخليجية. علماً أن بيان ميقاتي جاء بعد سلسلة الإجتماعات التي حصلت في باريس بين وفدٍ سعودي ومسؤولين كبار في خلية لبنان في قصر الإليزيه ووزارة الخارجية والمخابرات الخارجية الفرنسية.
إنطلاقًا من هذا الأمر، ربما هناك قبولٌ سعودي بإعادة فتح القنوات مع لبنان وعدم تركه منقطعاً عن محيطه العربي خاصة في ظلّ التطورات المتلاحقة في الخارج، أكان الحرب في أوكرانيا أو احتمال التوقيع على اتفاق نووي جديد في فيينا مع الإيرانيين، وصولًا إلى التطورات المتلاحقة في المنطقة على الصعيدين الإقتصادي أو السياسي.
كلّ هذا يؤشر إلى وجود تغييرٍ في المناخ الخليجي وكذلك إلى تبدّلٍ واضح في المقاربة السعودية، لكن كلّه يبقى معلّقاً على مدى قدرة ميقاتي على تنفيذ الإلتزامات التي قدّمها في رسالته وفي البيان الذي أصدره، وفي الكلام الذي أبلغه لوزير الخارجية الكويتي، هنا السؤال وهنا الإمتحان.
فإذا ما استطاع ميقاتي أن ينفّذ ما أعلن عنه، خاصة في ما يتعلق بتقديم التزامات تتعلق بوقف الإعتداءات على الدول العربية ولا سيّما الخليجية في الأمن والإعلام والعسكر وكلّ المجالات التي تضرّ بالأمن القومي الخليجي، وهو من دون شك مهمة صعبة ، لأن الأمر لا يتعلق بميقاتي فقط، بل أيضاً بما اذا كان هناك تطوّرٌ جديد حقيقي وعميق في المقاربة الخليجية للوضع اللبناني، على قاعدة عدم ترك لبنان ساحةً سائبة لإيران ومشاريعها. وإذا كنا بالفعل دخلنا في مرحلة عودة لبنان إلى الحضن العربي، واستفادت الدول العربية من التشتّت الدولي حيال ما يجري في أوكرانيا، فإن هذا يمهّد لمرحلةٍ جديدة من العلاقات بين الدول العربية، وخصوصاً بين لبنان ودول الخليج.
لذلك، يراهن الفرقاء السياسيون على عودةٍ قريبة للسفير السعودي وليد بخاري إلى لبنان، كمقدمة وتمهيد لانقلاب المشهد برمّته على أبواب استحقاقات مفصلية سيواجهها لبنان وما سيحمله “الصيف الساخن” على حدّ تعبير مراقبين.