مرتزقة من الشرق ومتطوعون لبنانيون للقتال في روسيا واوكرانيا؟
من أخطر نتائج الصراع بين أوكرانيا وروسيا، مسألة استقدام “مرتزقة” إلى ساحة القتال، خاصة مع الحديث عن إحضار بعضهم من الشرق الاوسط. فبعد الشيشان وسوريا، ذكرت وسائل إعلام روسية أن متطوعين لبنانيين أعربوا عن رغبتهم في القتال إلى جانب روسيا في أوكرانيا. ونقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية، امس، عن مصدر قوله إن لوائح المتطوعين الراغبين في المشاركة في “العملية الروسية الخاصة لنزع السلاح من أوكرانيا”، بدأت في لبنان، وان اللوائح الأولى قد تكون جاهزة قبل نهاية الأسبوع الجاري. وتشير المعلومات الى ان كل فرد من هؤلاء يتقاضى 3000 دولار اسبوعياً. فما هي مخاطر هذه الخطوة ومَن ذا الذي يذهب للقتال وما الهدف من وراء ذلك؟
المحلل السياسي الدكتور خالد العزي يؤكد لـ”المركزية” أن “دور المرتزقة يقوم على ممارسة الأعمال “الوسخة” التي تحاول الدول الابتعاد عنها، كالقتل والتصفيات والسلب والاغتصاب وعمليات بيع الاسلحة والمخدرات…”، مشيراً الى ان “روسيا أعلنت في 26 شباط اي بعد يومين من دخول الحرب، أن الشيشان يخوضون المعارك الى جانب القوات الروسية، وهي خطوة غير موفقة من موسكو لأن الشيشان هم في النهاية روس، يخدمون في الجيش الروسي ولا داعي للقول إنهم يتطوعون لمقاتلة الاوكرانيين. وهنا اتخذت العملية طابع المرتزقة. بعدها جاء الشيشان المعارضون لروسيا، الموجودون خارجها، وأعلنوا أنهم سيدخلون الحرب مع اوكرانيا ضد الروس، وبالتالي أصبحت القضية تأخذ نوعا من التنافس. وطلبت اوكرانيا تشكيل “قوة الفيلق المتطوع”، معظمهم من المتطوعين “الغربيين”، الذين يتوافدون، تحت شعار مساندة اوكرانيا، من الدول المجاورة التي لن تشارك دولها في الحرب بصفة رسمية وعسكرية. في المقابل، روسيا كانت تطلب الدعم والتطوع من قبل جمهوريات وسط آسيا التي تنضوي في منظمة الدفاع الامني الجماعي، وهؤلاء رفضوا الدخول في الحرب، وبالتالي طلب المتطوعين من هذه الجمهوريات، يدخل ضمن عقود خاصة. والروس كانوا مشهورين فيها بتأسيس مجموعة باغنر التي قاتلت في اوكرانيا عام 2018 وفي سوريا عام 2015 وشاركت في ليبيا والسودان ومناطق أخرى”.
أضاف: “تنظيم المرتزقة هو جيش سري للدولة، تقوم بتغذيتهم ولكنها لا تتحمل مسؤوليات قانونية أو لوجستية أو امنية أو ارتباط دبلوماسي، وإنما يتم دفع اموال وتعويضات لهم للقيام بأعمال “بشعة” يمتنع الجيش النظامي عن فعلها، بالاضافة الى أن الخسائر تكون أقل على الدولة، لأن هؤلاء لا يتبعون لها كونهم متطوعين. وخير دليل، العملية التي حصلت في دير الزور عام 2018 عندما ذهب “الباغنر” لاحتلال حقل سوري، وتمت إبادتهم من قبل الطيران الاميركي، حينها نفى الروس أي علاقة لهم بهذه الجماعة ولم يصدروا لها اي أوامر. اليوم الأمر اصعب عندما يتم إدخال متطوعين من الشرق الاوسط للمقاتلة في صفوف الجيش الروسي، الذي لا يحتاج الى مقاتلين، إنما يتم استقدامهم لوضعهم في المواجهة الامامية، كأكياس رمل لأنهم لا يعرفون طبيعة الارض ولا اللغة ولا طبيعة المعارك ولا يخضعون حتى التدريب وبالتالي لن تكون لديهم قواعد للتحكم بها من خلال غرفة العمليات لأنهم جيش غير نظامي. فروسيا تستقدم الألوية السورية وخاصة من موالي النظام السوري، من جيش التحرير الفلسطيني ومن لواء القدس وبعض المتطوعين الذين يقدمون اسماءهم للقتال لأنهم يحبون روسيا او لأنها تجبر بعض مناصري البعث والنظام بحكم أنها ساعدتهم في الحرب وبالتالي عليهم اليوم مناصرتها، فهذا يعني ان هؤلاء المرتزقة سيكون لهم دور بشع في منطقة يجهلونها”.
ويتابع: “من ناحية اخرى، هناك خلط للاوراق عندما يذهب السوري المسلم ليقاتل ضد الاوكرانيين والغرب، سيقال للعالم كله ان المسلمين يقاتلون ضد الغربيين وضد الرئيس زيلنسكي الذي يعتبر من وجهة نظرهم يهوديا وأخذ الموضوع وجهة قومية ومذهبية وبالتالي سيتعرض العرب لنوع من التضييق في الغرب على قاعدة ان هؤلاء المسلمين هم ورقة بيد الروس. هذه نقطة خطيرة لأنها ستدفع بالجهاديين للذهاب الى القتال ليس بسبب الحاجة المالية، بل لأسباب عقائدية تدفع بالمتأثرين اسلاميا للقتال ضد الروس ثأرا لما حصل معهم في سوريا وافغانستان، وبالتالي ندخل في المحظور وتصبح المعركة خطيرة ومعقدة تتحكم بها عناصر مختلفة متطرفة وصراع الاضداد ويصبح المرتزقة احجارا تتحرك وربما شاهدناهم في دول كثيرة كان لها تاثير فعلي بعد إنهاء الحروب كما في البوسنة والشيشان وافغانستان، ويصبح هؤلاء مجرد منفذي مخططات ورغبات شخصية ويطيلون عمر الحرب التي سرعان ما تتحول إلى حرب استنزاف فتصعب بالتالي عملية الجلوس الى الطاولة للتفاوض”، مشيرا الى ان هذا الامر سيؤدي الى استنهاض الشعور اليميني في اوروبا وقد رأينا التعامل والتمييز من قبل الاحزاب اليمينية مع المهاجرين واللاجئين من اوكرانيا معتبرين أنهم مهاجرون اوروبيون، متناسين أن المهاجر واللاجئ واحد ويجب الاهتمام به حسب قانون حماية الانسان في الامم المتحدة”.
ويعتبر العزي ان “قول روسيا بانها تنظف اوكرانيا من النازية الجديدة وتصحح خطأ تاريخيا قد يفتح شهية دول أخرى من أجل تصحيح اخطاء تاريخية وتصحيح حدودها. كما قد تكون فرصة للجهاديين القادمين من افريقيا وافغانستان والشرق الاوسط للتواجد في اوروبا لفرض اجندات خاصة لأن هذه القوى المتطرفة او الجهادية تستفيد منها ويستثمرها الكثير من المخابرات العالمية وخاصة الرأسمال العالمي الذي يخدم مصالح مؤسسات صناعية وتجارية تحت اسماء مختلفة كالصراع المذهبي والثأر”، لافتاً الى ان “المشكلة الاوكرانية -الروسية لا تحتاج الى فتح الابواب امام المتطرفين لأن اهل مكة ادرى بشعابها، وبالتالي عندما يسيطر المتطرفون على مواقع يصبح صعبا على الدولة معالجة الوضع”.
وختم: “ربما في البوسنة استطاع المفكر علي عزت بيغوفيتش التفاهم مع المتطرفين الذين اتوا لنصرة المسلمين في البوسنة عبر طرح ثلاثة شروط صعبة: إما البقاء في الدولة كمواطنين وتسليم سلاحهم، او الحصول على اموال لقاء خدمتهم والرحيل وإلا سيتم اعتقالهم وسجنهم، لكن الخطة فشلت في الشيشان والسودان والعراق وسوريا. وبالتالي ذهاب اي عربي لمقاتلة او نصرة هذا الطرف على ذاك سيكون ثمنه باهظا لكل الجاليات العربية في الخارج الذين يقحمون انفسهم في صراع خطير لأن المرتزقة لا يخضعون لأي قانون، والدول لا تسأل عنهم، والعقد المالي محدود، والاهالي لا يستطيعون استرجاع جثث ابنائهم، واذا تم اعتقالهم يحاكمون كمجرمي حرب. وأكبر مثال اطفال ونساء داعش في العراق ومناطق الحكم الذاتي في سوريا. ففي النهاية، سيجلس الجميع الى الطاولة، وأي حل سيكون على حساب المرتزقة بغض النظر عن الانتصار او الهزيمة”.
المركزية