ازمة الصحافة الورقية في لبنان… اشكالية الصمود في وجه الاعلام الرقمي!
لا تبدو الصحافة الورقية في لبنان بخير، وهي تعاند للبقاء في ظل ظروف اقتصادية مادية صعبة خاصة بعد تراجع العائدات التي تأتيها من سوق الاعلانات،اضافة إلى ضمور في التمويل الذي كان يأتي من الخارج. فكيف تواجه هذه الصحف اليوم الازمات من اجل ان تبقى وتستمر خاصة بعد ان اصبح الاعلام الكتروني هو المسيطر تقريباً؟
الربيع العربي خريف الصحافة الورقية
نائب رئيس تحرير جريدة النهار نبيل بو منصف قال في حديثه لـ”لبنان 24″: “ما زالت الصحافة الورقية تقاوم باللحم الحي من اجل ان تبقى وتستمر، فالأزمة ليست نتيجة العاصفة الاقتصادية التي ضربت لبنان عام 2019 ، والتي وما تزال مستمرة ، وتؤثر بشكل شديد على كل القطاعات في لبنان من بينها قطاع الاعلام”.
الازمة كما يوضح نائب رئيس تحرير جريدة النهار بدأت مع ما يسمى الربيع العربي عام 2011، والذي نتج عنه تراجع في سوق الأعلانات في الصحافة الورقية، والتي تشكل المورد المالي الاساسي لهذه الصحافة”.
الاعلام الاكتروني واشكالية الاستمرارية
قبل موجة الربيع العربي كان النزف قد بدأ ايضاً، وزاحمت الصحافة الإلكترونية الصحافة الورقية في سرعة نقل الخبر واتساع الانتشار. فكيف تعاطت الصحف الورقية مع كل هذه الازمات؟
يجيب بو منصف بالقول: في ظل غياب دعم الدولة لقطاع الاعلام في لبنان، كان لا بد لهذا القطاع من ان يفتش عن سبل تبقيه على الخارطة ، واضاف:” نحن في “النهار” لجأنا إلى تنويع مصادر معلومتنا. فمجموعة “النهار” تضم اليوم اضافة إلى “النهار” الورقية، “النهار العربي”، وهو موقع اخباري يشكل نافذتنا على العالم العربي، والذي صودف افتتاحه يوم انفجار الرابع من آب. وهو استطاع أن يؤمن لنا بعض الموارد المالية من خلال الاعلانات والاشتراكات”، وقبله كان قد انشئ موقع “النهار” الاخباري، والذي يضم اخباراً متنوعة”.
تجيب خبيرة بالاعلام الرقمي بالقول:”رغم الايجابيات والخصائص والسمات العديدة التي يتحلى بها الإعلام الرقمي إلا أن هناك مجموعة من السلبيات والعقبات التي ما زالت تواجه هذ النوع من الاعلام وتحد من تطوره وانتشاره. وابرزها، ندرة الاعلامي الإلكتروني المزود بالمهارات والمعارف اللازمة لممارسة مهام عمل الإعلام الرقمي بشكل محترف، بالاضافة الى المنافسة بين المواقع الاكترونية نفسها. إذ ترجح الكفة دوماً إلى صالح المواقع الأكثر تطوراً من الناحية التقنية والاكبر حجماً على مستوى المضمون”
بدوره لا يوافق بو منصف على القول بأن عصر الصحافة الورقية قد ولّى، ويقول: “نحن بالنسبة لنا في جريدة “النهار” استطعنا ان نتكيف مع التحديات الجديدة، واعتبرناها باب غنى للإعلام ، ونجحنا في ذلك. كما نجحت ايضاً معظم الصحف الورقية في
الاعلام الرقمي ليس بديلاً
هل انتهى دور الصحافة الورقية لصالح الصحافة الاكترونية؟ في لبنان، والتي اصبحت جميعها تمتلك وسائل نشر متنوعة”.
التمويل من الخارج ايامه ولت .
في الماضي كما هو معروف كانت الصحف في لبنان تعيش بشكل كبير على الدعم الخارجي الذي كان يأتيها من بعض الدول لإسباب متنوعة ، والذي شكل لفترة طويلة احد اهم اسباب استمرارها”.
اليوم ما قيمة هذا الدعم في تأمين استمرارية الصحافة الورقية في لبنان؟
يؤكد بو منصف “ان هذا الدعم لم يعد موجوداً منذ فترة طويلة، او بمعنى ادق كما كان موجوداً من قبل”. وقال:” لم يعد احد في الخارج مهتماً بلبنان لا في قطاع الصحافة ولا في اي قطاع اخر”.
صراع الانظمة
نقيب المحررين جوزف القصيفي اكد لـ”لبنان 24″ ان ازمة الصحافة الورقية ليست وليدة اليوم، بل بدأت مع انتشار الاعلام الاكتروني، والذي بات يشكل مصدر الخبر الاساسي بالنسبة للمتلقي، اضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام المرئي والمسموع.
واضاف:”هذا التطور الاكتروني اثر سلباُ بشكل كبير على سوق الاعلانات في الصحف الورقية ، والذي يشكل المفصل الاساسي في تأمين استمرارية هذه الصحف.
ليست الاعلانات وحدها هي التي كانت تغذي الصحافة الورقية في لبنان، فقد كان هناك ايضاً بعض المساعدات التي كانت تأتيها من الخارج وتحديداً من بعض الدول العربية ، والتي كانت تشكل دعماً اساسياً في تلبية احتياجاتها المادية.
فماذا عن هذه المساعدات وهل ما زالت مستمرة؟ اجاب القصيفي:” كان ذلك ايام ذروة التصادم بين بعض الانظمة العربية، والتي كانت تجد لها متنفساً في لبنان من خلال صحافته، والتي تتمتع بهامش واسع من الحرية والديموقراطية، اكثر منه بكثير في بعض الدول العربية، ولكن بعد سقوط عدد كبير من هذة الانظمة لم يعد هذا الامر موجوداً، مما انعكس سلباً على قدرة هذه الصحف على الاستمرار بنفس الزخم الذي كانت تسير فيه سابقاً، الامر الذي حدا ببعضها إلى التوقف عن الصدور نهائياً، فيما لجأ البعض الاخر إلى التخفيف من الاعتماد على الصحافيين المتفرغين المتخصصين، ذلك لإنها لم تعد قادرة على استقطابهم بنفس الشروط المادية التي كانت من قبل.”
وهذه المشكلة ما زالت قائمة ، ولم تجد لها حلاً حتى اليوم” بحسب القصيفي، والذي اضاف:” لمواجهة هذا الواقع كان لا بد من للصحف ان تفتش عن حل، فكان اللجوء إلى المواقع الاكترونية ، والتي اصبحت تسير اليوم بموازاة الصحافة الورقية. فالصحافة الاكترونية هي للإخبار السريعة والمقالات المختصرة. اما الصحف الورقية فلها التحليلات السياسية والابحاث المطولة. وهذا الامر اصبح معتمداً ليس في الصحافة اللبنانية فقط، بل في كل صحف العالم تقريباً”.
الازمة طويلة
واقع الصحافة الورقية في لبنان صعب. لا يتوقع القصيفي ان يجد له حلاً في المدى القريب، ودعا في حديثه الصحف الورقية إلى ابتكار اطر جديدة تضمن لها استمراريتها مستقبلاً. واضاف:” نحن في واقع صعب يجب على الصحافة في لبنان ان تتكيف معه، خاصة ان لا شيئ يشير إلى امكانية الخروج من هذا النفق في وقت قريب”.
وسام البطولة
نقيب الصحافة عوني الكعكي اختصر المشهد وقال لـ” لبنان 24″: “من اصل مئة وعشرة امتيازات لمطبوعات سياسية في لبنان، فإن المطبوعات التي ما زالت تحافظ على صدورها لا يتجاوز عددها التسعة. اما المطبوعات غير السياسية والتي يقارب عدد امتيازاتها الالفين، فإن الذي ما زال يصدر منها لا يتجاوز عدده الخمسين”. وأضاف: “يجب توجيه التحية إلى اولئك الذي ما زالوا يتحدون الظروف ، ويصرون على أصدار مطبوعاتهم”. وقال ايضاً: “في الماضي كان يدخل من الخارج إلى الصحافة الورقية في لبنان ما يقارب ال 200 مليون دولار،اما اليوم فقد انخفض هذا المبلغ إلى ما يقارب الربع ان لم يكن اقل”.