اهم الاخبارمحليات

تقييم أولي لنتائج المؤتمر الـ 12 للحزب الشيوعي اللبناني

انعقد المؤتمر الـ12 للحزب الشيوعي اللبناني في ظروف بالغة التّعقيد دوليّاً وإقليميّاً ومحليّاً، خصوصاً وأنّ الأزمة الكيانية والشاملة التي يعيشها لبنان بلغت مستويات خطرة خصوصاً على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي.

كانت الأكثرية الساحقة من الأعضاء المنظمين والمنقطعين عن الحضور أو عن التنظيم، يأملون أن يكون المؤتمر فرصة لتصحيح التوجّه السياسي العام، وإجراء تعديلات تنظيميّة توسع هامش الديمقراطية وتعزّز فعالية الهيئات وترص صفوف الأعضاء وأصدقائهم، وذلك من خلال ردم التباينات السياسية وتجاوز الارتباكات التنظيمية، وإعادة الثقة بالقيادة.

إن تحقيق هذه الأهداف والآمال والطموحات كان يتطلب من القيادة تحضيراً مسؤولاً ونزيهاً ومترفعاً للمؤتمر، وأن تكون حريصة على إشراك أكبر عدد ممكن من الشيوعيين واحترام وجهات النظر المتنوعة. بدلاً من ذلك، جرى تجاهل كل الإقتراحات والتحذيرات الشفهية والرسائل الموجهة إلى اللجنة المركزية والمكتب السياسي والأمين العام. وللأسف خابت الآمال المعقودة على هذا المؤتمر الذي تحوّل إلى مؤتمر انتخابي هاجس منظميه… التجديد لأنفسهم، وهذا ما تحقق فعلاً. وللوصول إلى هذه النتيجة المخيبة جرى خرق النظام الداخلي وخاصة في بنود عديدة أبرزها تلك التي تفرض مشاركة وتمثيل أكثرية ثلثي الأعضاء لأي مؤتمر قاعدي وللمؤتمر بشكلٍ عام حتى يكتَسب شرعيته. والأسوأ من ذلك أنه قد جرى تجاهل وإهمال العديد من المنظمات خاصة في المناطق، وتمثيال أُخرى كبيرة، بشكل جزئي ورمزي ومهرًب…

هذا على صعيد آليات ومجريات التحضير للمؤتمر. أما على صعيد التوجهات والتوصيات السياسية، فلم يكن الوضع بأفضل. حيث جرى الإصرار على اعتبار أن مدخل التغيير هو عبر الرهان، فقط، على العامل الاقتصادي الاجتماعي للأزمة،في تجاهل متعمد لطبيعة الصراع الدائر في البلد وفي المنطقة الذي هو صراع سياسي متواصل ضدّ مشروع الهيمنة الأميركي الصهيوني الرجعي العربي، والذي تعتبر الأزمة الاقتصادية الاجتماعية إحدى تداعياته الكبيرة، فضلاً عن إجرام منظومة النهب والفساد، وعن الخلل الجوهري القاتل في النظام السياسي وأداته الطائفيه . وقد أدى الخلل في تحديد الأولويات إلى خلل في التوجّهات والسلوكيّات والتحالفات. وتفاقم هذا الانحراف خاصة مع انطلاقة تحركات 17 تشرين التي صُوّرت وكأنّها ثورة ناضجة مستوفية الشروط، الذاتية خصوصاً، وبالتالي مؤهلة لصنعتغيير عميق في بنية النظام، والتمهيد لقيام دولة ديمقراطية علمانية. هذه المبالغة في الإمكانيات المتاحة وعدم الرؤية الواقعية لطبيعة التناقضات وتوازنات القوى، أدًيا بالنهاية إلى إحباط عشرات آلاف المشاركين من الجمهور والمناضلين، إضافة إلى أن هذا التحليل الخاطئ مهَّد وبرَّر، للقيادة، نسج تقاطعات وتحالفات مع قوى هي من صلب دعائم الدولة العميقة، وبعضها راهن عليه الغرب الأطلسي لتجديد أدواته وبالتالي لتعزيز نفوذه وهيمنته على السلطة اللبنانية الجاري العمل لبنائها من قبل المخطّط المعادي. وهكذابدلاً من قيام المؤتمر بتقييم نقدي موضوعي للتجربة أوغل في التمسّك بالتحليل والأوهام والرهانات والتحالفات ذاتها. يدل على ذلك ما أقرّ من توجهات من قبل اللجنة المركزية السابقة بشأن السياسة الانتخابية والمعتمد أساساً على التحالف مع ما يُسمّى منظمات المجتمع المدني، التي معظمها  غير مستقل ويتأكد كل يوم أنه أحد الأدوات الرئيسية للنفوذ الغربي في لبنان والعالم.

أما على الصعيد التنظيمي، فلم يكن الأداء بأفضل. إن تكرار إعادة النظر بالنظام الداخلي على أبواب كل مؤتمر، يعتبر بالحد الأدنى ظاهرة غير صحية، وبالحد الأقصى محاولة للتأثير واللعب بنتائج المؤتمر قبل انعقاده، والتحكم بها مسبقاً. وهو ما جرى فعليّاً في هذا المؤتمر وبشكل فظ، حيث جرى استبعاد العديد من المناضلين الأكفياء وذوي التاريخ النضالي المشهود فقط لأنهم غير موالين ومنتقدين لبعض المواقف السياسية.

والأسوأ من ذلك أن ما يسمى تعديلات أقِّرت أو رُفض إقرارها في المؤتمر، كانت استمراراً للانقلاب على الإصلاحات التنظيمية التي سبق إقرارها في المؤتمرات السابقة.

وأخيراً، وليس آخراً، تم تركيب قيادة لا تراعي التنوع، ولا تعكس آراء وإرادة القاعدة الحزبية، وإنم تعكس الإصرار على التفرد وتثبيت الوجهة السياسية الرمادية والمتقاطعة مع القوى التابعة للمشروع الأميركي الصهيوني الرجعي.
كذلك لاحظ الكثير من المتابعين والمشاركين داخل الحزب وخارجه، تدني مستوى النقاش وغلبة العصبوية الخاوية، والكيدية، والسطحية الفكرية والسياسية. 

أمام كل هذه المجريات التي سبقت ورافقت وأعقبت إنعقاد المؤتمر ال12، لا يسعنا إلاً الإعراب عن الخيبة، مع الإصرار على رفع مستوى النقد لما نراه خللاً متمادياً في السياسة والتنظيموالأداء. لذلك ندعو الشوعيين لمشاركتنا في الإعتراض من أجل تصحيح أشكال الإنحراف، ومن أجل العودة إلى المسار النضالي المشرق والمشرف الذي سلكه الحزب، خصوصاً، منذ المؤتمر الثاني عام 1968.   

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى