لبنانيون يروون تجاربهم الأوكرانية.. وأنصار بوتين يعتصمون ببيروت
البعض، “ينتع” معه “اللوثة اللبنانية الطائفية والسياسية” أينما حلّ. هذه اللوثة حضرت أيضاً في أوكرانيا خلال الأيام الأخيرة، في ساعات غزوها وقصفها وتشتّت جاليتها اللبنانية وضياع خيارات الهرب واللجوء والبحث عن مكان آمن.
يروي أحد اللبنانيين الذي وصلوا قبل ساعات إلى بولندا أنه لدى سعيه إلى الحصول على بعض الأوراق الثبوتية بسبب ضياع جواز سفره، تواصل مع أحد الأحزاب اللبنانية الفاعلة القوية لمساعدته. كان كل شيء “يسير في السليم” مع تطمينات واحتضان إلى أن وُوجه الشاب بسؤال “إنت من وين”؟ من لبنان طبعاً، أجاب. يعرف السائل أنّك لبنان، لكن من أين من لبنان؟ أي تحديداً من أي طائفة أو حتى مذهب. وحين علم الطرف السياسي بمكان سكن الأخير، اعتمد الإسقاطات الطائفية والسياسية والمناطقية، فانقطع الاتصال. على الأرجح، “ما خلّوهم يساعدوني طلّع laissez-passer”.
شراكة الملجأ
خلال الأيام الأخيرة، قطع عدد من الشبان اللبنانيين مسافة 40 كيلومتراً سيراً على الأقدام للوصول إلى مكان آمن على الحدود بين أوكرانيا وبولندا. منهم كان يحمل في جيبه 100 هريفنا أوكرانية، أي ما يعادل 3.3 دولار أميركي، منهم من استدان من أصدقاء أوكرانيين 500 أو 1000 هريفنا. حتى داخل الملاجئ التي تشاركوها مع الأوكرانيين، “تأكد لنا أنّ هذا الشعب طيّب”، يقول لاجئون لبنانيون إلى بولونيا. “امرأة كبيرة في السنّ أعطتني غطاءً، وشاب أعطاني أريكة، لا تصدّقوا ما يشاع عن عنصرية أوكرانية تجاه اللبنانيين والأجانب”. هؤلاء الشبان اللبنانيين يؤكدون أنهم لم يختبروا أي عنصرية من الأوكرانيين “ولو أنه تعذّبنا عند الحدود مع بولندا حيث انتظرنا لساعات”.
القريب والبعيد
في المقلب الآخر من الحدود، عملت الحكومتان الأوكرانية والبولندية على تنسيق الجهود من أجل تأمين ما يلزم للاجئين من أوكرانيا. “لا فرق بين أوكراني أو عربي أو أجنبي، تمّ تأمين كل حاجياتنا الأساسية من مأوى ووجبات ساخنة ومياه، مع وجود فريق طبي يقوم بالكشوفات اللازمة للتأكد من سلامتنا”. فيشير أحد الطلاب اللبنانيين إلى أنّ “القريب لم يساعدنا، لكن الغريب فعل”. في أوكرانيا، الكنيسة البعيدة تشفي.
لا نريد العودة
يعبّر عدد من اللبنانيين في بولندا ورومانيا عن عدم رغبتهم في العودة إلى بيروت. منهم من يريد متابعة دراسته، من يريد استرجاع أغراضه في خاركيف أو كييف. ومنهم من يريد العمل والمحافظة على حظوظه في استكمال بحث أو إطلاق عمل أكاديمي. يردّد هؤلاء بإحراج رغبتهم في البقاء في أرض اللجوء لحين العودة إلى الأراضي الأوكرانية. لكن فعلياً ليس لديهم ما يفعلونه في لبنان. “في بيروت لا وظيفة لي ولا عمل”، “أبي عاطل عن العمل وكنت أعيله”، “أدويتي غير متوفّرة في لبنان”، “إذا عدت إلى لبنان فلن أستطيع العودة إلى أوكرانيا، ويكون عمري قد ضاع”، وعبارات أخرى يمكن اشتفافها منهم وهم يبحثون عن طريقة للصمود لحين عودة الهدوء والأمان إلى الأراضي الأوكرانية.
جوازات السفر
مترتّبات البقاء في بولندا ورومانيا إلى الآن متوفّرة، تحديداً على مستوى المأوى والطعام والدواء. إذ يتمّ تأمين كل ذلك في المجمّعات المخصصة للاجئين. لذا، بدأ التواصل مع البعثات الديبلوماسية اللبنانية للبحث عن آلية لترتيب الأمور وتأمين الأوراق اللازمة، إلا أنه “حتى الساعة طلباتنا في الحصول على جوازات سفر من السفارات تلقى استخفافاً”. وحتى لو تم التجاوب مع مطلب هؤلاء، كلفة الباسبور الواحد بين 400 إلى 500 يورو، والعائلة والأهل عاجزون أساساً عن إرسال الأموال حتى لو توفّرت بين أيديهم في بيروت. اللبنانيون، يريدون جواز سفر للبقاء في الخارج. اللبنانيون يريدون جواز سفر للخروج من لبنان.. هذه حال اللبنانيين عموماً.
دعم الحرب وروسيا
وفي سياق آخر، نظّم العشرات من أبناء الجالية الروسية في لبنان وبعض حملة الجنسيتين الروسية واللبنانية، وقفةً أمام السفارة الروسية في بيروت دعماً للحكومة الروسية والرئيس فلاديمير بوتين، ورفضاً للموقف الصادر عن الخارجية اللبنانية في إدانة الغزو الروسي. وحسب هؤلاء، ليس اجتياح الجيش الروسي غزواً بل “حرب على النازية والفاشية في أوكرانيا ومساعدة السكان الروس في إقليمي دونباس ولوغانسك”. فردّد المحتجون شعارات دعم نظام بوتين، ورفعوا لافتات تؤكد على أنّ “الجالية الروسية في لبنان تدعم روسيا في عملية القضاء على النازيين”، و”لا للفاشية الأوكرانية”، “روسيا تقف اليوم وحدها لمواجهة النازية”، “انتصرنا على النازية في ألمانيا وسننتصر على النازية في أوكرانيا”، “الروس مع روسيا، لبنان مع روسيا”. كما أكد هؤلاء في كلمة لهم على أنّ “لا عداء بين الشعبين الروسي والأوكراني، فنحن شعب واحد ومشكلتنا هي مع السلطة الفاشية في أوكرانيا”.
كأنّ هؤلاء المحتجّين استقّوا شعاراتهم من الشعارات السياسية العاتية التي سبق وحكمت لبنان لعقود، تحديداً “شعب واحد في بلدين”. في حين أشيع أنّ عدداً من اللبنانيين في روسيا نظّموا اعتصاماً أمام السفارة اللبنانية في موسكو لإدانة الموقف اللبناني الرسمي تجاه الحكومة الروسية، لكن لم يُعلم إن كان التحرّك قد تمّ تنظيمه. ففي روسيا يبدو أنّ حتى الاعتصامات المؤيدة لبوتين ممنوعة. “شعب واحد في بلدين”، فعلاً.
المدن