ما الذي يُحضّر في مطبخ “العهد”؟
في غمرة الاستعدادات للانتخابات النيابية المقبلة وبالتوازي مع الأزمة الاقتصادية التي تضرب لبنان، ورائحة التسويات المرتقبة التي تلوح بأفق المنطقة في ملفات اقليمية ودولية حساسة، يبدو أنّ ثمة ما يحضّر على نار حامية في مطبخ “العهد” والولايات المتحدة الاميركية من أجل الوصول الى مقايضة!
مما لا شك فيه أن المرحلة الماضية شهدت ضغوطاً شديدة على “التيار الوطني الحر” ما بين الخناق السياسي والرفض الشعبي والتي أدّت الى خسارته لجزء كبير من قاعدته الجماهيرية، كما أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الاميركية على رئيس “تكتل لبنان القوي” النائب جبران باسيل ساهمت في تعزيز محاصرته حتى وصل البعض الى اعتبار أنها قضت نهائياً على طموحاته الرئاسية بعدما أطاحت بقوّته السياسية.
يعيش “التيار” اليوم حالة من التخبط متوجّساً الانهيار، لذلك فهو يبدو متمسّكاً آكثر مما مضى بتحالفه مع “حزب الله”، لكنه في الوقت نفسه يسير بخطاب إعلامي متمايز في العديد من الملفات والقضايا، حيث تبرّعت بعض القيادات”العونية” للوقوف في واجهة المجابهة “للحزب” في خطوة شعبوية وُصفت بـ”لزوم المرحلة”، الامر الذي لم يحدث في السابق حتى في أبسط التفاصيل، وهذا ما دفع ببعض المحللين المتابعين “للنقلة اللافتة للتيار” الى التساؤل حول ما إذا كانت تهدف لاسترضاء واشنطن.
ورغم أنّ هذه التساؤلات باتت مشروعة وفتحت باباً واسعاً للتوقّف عند مواقف النائب جبران باسيل الاخيرة والتي بدت أشبه بمحاولة التملّص من التصاقه بـ “حزب الله” في أسلوب لم يخلُ من المناورة، غير أن مصادر سياسية أكدت بأن التنازل عن الخط 29 في “عهد” رئيس الجمهورية ميشال عون واعلانه أنه خط للتفاوض فقط ليس سوى خضوع لرغبات الاميركيين الذين يستعجلون إنهاء مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل.
لكنّ هذا الترسيم لا يمكن أن يتمّ وفقاً للسقوف العالية التي وضعتها قيادة الجيش وبعض القوى السياسية لولا “تهاون العهد” الذي قد يسهّل للاميركيين غايتهم ويساهم بإنجاز اتفاق الترسيم في أسرع وقت.
من جهة أُخرى، يبدو أن الجانب الاميركي يرغب بمنح باسيل فرصة للأخذ والرّدّ، لا اكثر ولا أقل، رغم أن “العهد” يُلقي عيناً على الكثير من المُكتسبات مقابل ما يقدّمه للاميركيين، واحدى “جوائز الترضية” التي يطمع بها وأهمها على الاطلاق هي مسألة رفع العقوبات عن “صهر العهد” بشكل نهائي ما من شأنه أن يعيد له بريقه السياسي وقوته أمام الرأي العام قبل موعد الانتخابات النيابية لا سيما إذا ما استغل “التيار” المقايضة لتسجيل انتصار وهميّ جديد.
فهل تتمّ هذه التسوية ويتمكن معها “التيار” من تلميع واقعه الشعبي وتالياً النيابي؟ كل ذلك مطروحاً ويبدو مُحتملاً الى حد بعيد، لا سيما وان الساحة اللبنانية مفتوحة على العديد من التطورات وسط رغبة اميركية “بعقد صفقة سياسية” في لبنان، غير أن الاميركيين يدرسون خطواتهم ببطء حذر على عكس “الوطني الحر” الذي يستعجل لتقديم التنازلات، لكّنه في المقابل يبالغ في مطالبه غير الواقعية إذ يطرح مثلاً مسألة إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورفع الغطاء الاميركي عنه على طاولة “المقايضة”.
من هنا قد تصبح أزمة “العونيين” اكثر جدّية من السابق، حيث أن “العهد” الغارق في عزلة محلية ودولية سيجد نفسه ما بين الشروط والشروط المضادة عاجزاً عن التوصل الى اتفاق حاسم مع الاميركيين، وبالتالي سيفقد آخر ورقة ضغط بيده قبل الدخول في مرحلة انتهاء الصلاحية!
لبنان 24