إنتخابات 2022محليات

انتخابات بأبعاد جيوبوليتكية نقطة تحوُّل في أزمة مصيرية!

جاء في اللواء :

تتخذ الانتخابات النيابية، التي حدّد موعدها في 15 أيار، أي بعد أقل من ثلاثة أشهر، سواء جرت أو لم تجرِ (والأرجح أنها ستجري) أبعاداً جيوبوليتكية حادّة، إلى درجة الحسم، أو اللامساومة بين محورين: الأول يقوده حزب الله، وعلى رأسه الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، بمساعدة اثنين من كبار معاونيه، أولهما نائبه الشيخ نعيم قاسم، وثانيهما السيّد هاشم صفي الدين، رئيس المجلس التنفيذي في الحزب، والثاني (أي المحور الثاني) يقف على رأسه سمير جعجع، رئيس حزب «القوات اللبنانية»، ومن خلفه الحزب التقدمي الاشتراكي، وبقايا 14 آذار، من الذين يطلقون على أنفسهم اسم «التيار السيادي»، وهم، ربما يتقاطعون (جعجع وحلفاؤه) مع تيارات أخرى، على هذه الدرجة من الحضور أو تلك، أو من ضعف التمثيل وسواه، مثل حزب الكتائب، والكتلة الوطنية، وبقايا اليسار (لا سيما الشيوعي منه) كالحزب الشيوعي ومنظمة العمل الشيوعي، والقوى التروتسكية، أو الحالمة سابقاً بالعنف المسلح كطريق للتغيير الثوري!!

أمَّا قصة المجتمع المدني ومنظماته، وتيارات 17ت1 2019، كالشعب يريد إصلاح النظام، ومتحدون، أو منفصلون، وصولاً إلى جماعتي أهالي شهداء المرفأ اللتين تشكلتا على خلفية معركة السلطة مع المحقق العدلي القاضي طارق بيطار، فهي مربوطة بأجندات، وحدها السفيرة «المقدامة» دورثي شيّا، تعرف الخبايا والتفاصيل عنها (على الأخص بعد الزيارات الشجاعة للضاحية الجنوبية حيث معاقل حزب الله).

وراء لعبة المحورين هذين تختبئ المصالح الإقليمية والدولية. وهذه اللعبة، تدفع إلى الخوض في الأبعاد جيوبوليتكية للإنتخابات النيابية.

يقصد بالبعد الجيوبوليتكي هنا، (السيطرة على المكان). والمكان هنا أيضاً لبنان، بمؤسساته، رئاسة الجمهورية، الحكومة، المجلس النيابي، إدارة الدولة، الوزارات، المصالح المستقلة، المصرف المركزي، قيادة الجيش اللبناني وسائر المؤسسات الأمنية، والسيطرة عادة، تكون إمَّا بالانقلابات العسكرية، مثلما كان يحصل في البلدان العربية  في غرة النصف الثاني من القرن الماضي..

وإمَّا من خلال الثورات الشعبيية مثل ما حصل في إيران في العام 1979، وإمَّا بالثورات المسلحة، ولا يحضرني شبيهاً لهذا في العالم العربي، وإمَّا بالانتخابات، مثلما يحصل عادة في لبنان، ودول  أخرى في المنطقة، من باب تداول السلطة، مع الإشارة إلى كوابح جدية في التغيير، تتعلق بالمصالح وموازين القوى وخلاف ذلك..

في لبنان، بعد الانقلاب العسكري الفاشل للقوميين السوريين الاجتماعيين في الستينات، وإعدام زعيمهم لاحقاً انطوان سعادة، ماتت الحركة الانقلابية العسكرية.

وعلى الرغم من المناشدات التي طالبت قيادة الجيش اللبناني في أوقات متعددة أو متكررة من التدخل لإنقاذ الوضع، ووضع اليد على الدولة ومؤسساتها، لكن القيادة بقيت حريصة على الامتثال لأوامر السلطة السياسية، ممثلة بمجلس الدفاع الأعلى ومجلس الوزراء…

بقي الرهان فقط، بعد إحباط حراك 17ت1 على الانتخابات النيابية.. ونظر إلى هذه المحطة كواحدة من الاستحقاقات الكبرى، أو كحد فاصل بين مرحلتين.

ضمن رعاية إقليمية ودولية لمحطة الانتخابات النيابية المقبلة، وإطلاق العنان لسباق، أخرج منه الفريق السنّي التمثيلي، إمَّا بحسابات ذات أبعاد مستقبلية، أو تحت إكراه، لايزال غير منظور، تمثل بابتعاد الرئيس سعد الحريري عن المشهد، مسجلاً ما يشبه القطيعة مع مرحلة مضت ومرحلة قيد التشكل، تحتدم عملية السباق، بهدوء، تارة على نار خابية، وتارة على وهج نار حامية، أو ستحمى في الأسابيع القليلة المقبلة.

يريد جعجع وفريقه، ليس المسيحي وحسب، بل الوطني، من تجمعات متعددة، وان بدا الحزب التقدمي الاشتراكي، قوة متمايزة، لكن متحالفة مع قائد المحور الممتد من معراب إلى أبعد نقطة في العالم العربي، وصولاً إلى الأميركيتين واستراليا وأوروبا وديار الانتشار. يريد الرجل، ذو الخبرة العسكرية، القتالية، الجيدة، ان يقاتل هذه المرة في صناديق الاقتراع، بالورقة، سواء أكانت عبر الميغاسنتر أو غيرها.. أن يحرر قصر بعبدا «بالاقتراع».

ولعلَّ كلمة يحرّر، إشارة إلى أكثر من معنى تاريخي، سواء أحداث 13 (ت1) 1991، عندما أبعد الرئيس الحالي ميشال عون عن قصر بعبدا بالقوة الصاروخية السورية، أو إشارة إلى حرب التحرير أو الإلغاء ، التي أدّت إلى النتائج المعروفة..

حسناً، قرّر جعجع رسم طريق الوصول إلى بعبدا، بالحصول على الأكثرية النيابية، التي تفتح له الباب قبل 31ت1 من العام الجاري، لرئاسة الدولة، وتحقيق مشروعه، بأبعاده العربية وغير العربية والدولية، على شتى مسمياتها..

بادر جعجع إلى إعلان ترشيحات مدروسة في دوائر الجبل والشمال، امتداداً إلى الأشرفية والكرنتينا والمرفأ، أي دائرة بيروت الأولى، على ما أذكر.

يعبئ الرجل أنصاره على أن الفوز حليفه، وهو مطمئن تماماً إلى التحالف مع الحزب التقدمي الاشتراكي في الجبل، الذي يواجه خسارة الموقع الدرزي في بيروت، وربما في البقاع الغربي أيضاً. فالتحالف حاجة بالغة الأهمية والضرورة والحيوية بالنسبة للطرفين، «القواتي» والاشتراكي، وهو مطمئن إلى بعض  من «الصوت السنّي» الخارج من عباءة الحريري الابن (الشيخ سعد) أو من عباءة قوى 8 آذار (أو سنّة 8 آذار) المتحالفين مع حزب الله.

يستند جعجع أغلب الظن، إلى دعم فعلي من محور الاعتدال العربي، وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان.. والأمور بنتائجها، كما يقال..

إذاً، يقدم رئيس حزب «القوات» نفسه قائداً لمعركة التصدّي بالانتخابات، لما يسميه «مشروع هيمنة كبير»، يقصد به هيمنة حزب الله، ومن ورائه إيران وسوريا على لبنان.

قد يكون «ساكن معراب» نجح في وضع نفسه مقابل السيّد نصر الله، بعد مواجهة 7 أيّار مسيحي في محلتي الشياح- عين الرمانة قبل أشهر قليلة من هذا العام، عندما رفض المثول أمام المحقق لدى المحكمة العسكرية، ما لم يمثل نصر الله شخصياً.. لكن المسألة، على ساحة الانتخابات لها ألوان أخرى، فحزب الله قوة كبرى، ليس في الأمن والعسكر، وحتى في المسيرات، والمنازلات المعروفة، بل في العمل الأهلي والانتخابات والتعبئة والإعلام.

وإذا كان الحزب يتجاوز الكثير للخم خصومه، وإثبات القدرة على التحكم بالجغرافيا الشيعية، والجغرافيا غير الشيعية من العاصمة إلى الضواحي وأقضية الجبل (بعضها طبعاً)، فضلاً عن الجنوب برمته، والبقاع بأغلبيته، فإنه يُدرك ان المعركة في الساحة المسيحية، تستهدف أولاً وقبل كل شيء اضعاف نفوذ جعجع المسيحي، وهو الأمر الذي يجعله مُصراً على عدم اضعاف جبران باسيل المسيحي، الذي يواجه صعوبات جدّية  في المواجهة الانتخابية المقبلة..

بين الجوهري والثانوي، يمضي حزب الله للإمساك «بالجيوبوليتكا» مرّة جديدة، بوجه محور يقوده جعجع هذه المرة، بكل ما في المواجهة من تداخلات وأموال ونفوذ وأخذ ورد وعض أصابع..

إذاً، السمة الرئيسية للانتخابات «نزال جيوبوليتكي» ليس منعزلاً عن اتفاق فيينا النووي الجديد. وهو الأمر الذي بات مرجحاً، ولا عن الصراع المحموم، على شق جارف في بلاد القرم، حيث يزاحم «العم سام» الدب الروسي، أو «النمر بوتين» على جيوبوليتكا الروسية من أيام الامبراطورية القيصرية الى أيام لينين وستالين..

لبنان: إذاً، جزء من المشهد الكبير.. سواء بورقة في الصندوق أو مسيرة فوق الجليل ويافا.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى