اهم الاخبارمحليات

“محتال تيندر” الإسرائيلي…تعرفوا عليه

كتب جهاد بزي في “المدن”:

نرى سايمون ليفايف، في بداية الوثائقي الجديد في نتفليكس، “محتال تيندر” تيندر سويندلر، بكامل عدّة البذخ. طائرات خاصة وسيارات من فصيلة مازراتي، وأزياء لا تنزل من طبقة فيرساتشي. الساعات. الأحذية. أفخم مطاعم والملاهي الليلية في العواصم الأوروبية. اليخوت. حتى نظاراته الطبية تبدو كأنها تساوي عشرة أضعاف الحد الأدنى للأجور. كل ما في صوره يوحي بأنه ملياردير، أو ابن ملياردير.

جالسون على الكنبة، نتفرج على سايمون، الثلاثيني، الذي يواعد النساء عبر تطبيق “تيندر”، فيأخذ امرأة في أول موعد لهما على متن طائرته الخاصة من لندن إلى براغ. ينزلها في فندق خمس نجوم، ويعيدها طافية على غيمة من أحلامها. يخبرها أنه رئيس مجلس إدارة شركة ماس يملكها والده، “ملك الماس” المشهور ليف ليفايف، ويريها صورته مع البابا والماما، خلال عطلة ما وخلفهما بحر ما.

ومع أننا، من موقعنا على الكنبة، نعلم من عنوان الوثائقي إن القصة ستلتف فجأة، وفي زاوية حادة، عند لحظة ما من الفيلم، إلا أننا مع ذلك سنصاب بالذهول الشديد، ونحن نرى كيف ينسج سايمون خيوطه حولها، متدرجاً من الإعجاب بها، إلى الحب، إلى الطلب منها الانتقال ليعيشا سوياً، طالباً منها البحث عن شقة بميزانية 15 ألف دولار شهرياً، ثم.. دماء!
فيديو مرسل عبر “واتسآب” لمرافقه الشخصي العملاق بيتر، مغطى بالدماء بعدما دافع عن رب عمله ضد أعدائه الذين يسعون لقتل سايمون. طبعاً. تاجر ماس، مخطوف مرة في جنوب إفريقيا، سيكون لديه الكثير من الأعداء. من هم ولماذا يسعون إليه؟ هذا ليس مهماً الآن. المهم أن سايمون الذي يشبه كلباً أليفاً حزيناً في الصورة بقميصه الملطخ بالدم، يجب أن يتوارى عن الأنظار.

تخرج المرأة من الواقع وتدخل فيلماً، بعدما جردها من كل وسائل دفاعها. فهو حبيبها، وفي خطر وأعداؤه ربما يلاحقونها هي أيضاً. أغلقي حساباتك السوشال ميديا، و.. لا يمكنني استخدام بطاقات اعتمادي لأنهم سيقتفون أثري عبرها. دعيني استخدم بطاقات اعتمادك. اطلبي من الشركة رفع السقف المسموح للاستدانة. وتجد الموظفة المنتمية إلى الطبقة الوسطى، نفسها، وقد أعطت سايمون، خلال شهر تقريباً، ربع مليون دولار، نقداً من خلال قروض سريعة من بنوك عديدة، ومن بطاقات اعتمادها. وبالطبع، لن نصدق أن شيك نصف المليون دولار الذي كتبه لها، ذو رصيد، لكننا لسنا غارقين مثلها، هي التي تبحث عن قشة، لن تجدها.

أي بيانو سيسقط على رأسها بينما المحققان من شركة بطاقة الاعتماد يخبرانها أن حبيبها ليس ابن ملك المجوهرات، وأن اسمه ليس سايمون، وأن لديه أسماء عديدة، وأنه محتال محترف. عمله.

لا، فعلاً، يعتاش من هذا العمل. مصاص دماء حرفياً. يعمل شهوراً على التلاعب بضحيته، فتعيش معه في واحد من عوالم ديزني حيث يأتي الأمير على حصانه ويأخذ أميرته، ثم ينقض دفعة واحدة عليها، وحين تفيق مما حدث معها، ستشعر أنها باتت رسمياً أغبى مخلوقة على سطح الأرض. وهو، في هذا الوقت، ينفق المال الذي سحبه منها على اللايفستايل نفسه، ومعه امرأة أخرى، من مدينة أوروبية ثانية. لا تعرف أنه بعد قليل سيرسل إليها فيديو بيتر مغطى بالدماء، ونظرة الكلب الأليف المكسور، وهكذا،.. حتى بات ما جناه من هذه العمليات يُقدّر بعشرة ملايين دولار.

قصة سايمون ليست جديدة، خرجت إلى العلن أول مرة في جريدة نروجية في العام 2019. يومها وصل الصحافيان إلى تل أبيب، حيث وجدا ما خلفه سايمون وراءه: اسمه الأصلي، شيمون هايوت، وحكماً غيابياً بالسجن، وصورة شمسية باهتة لمراهق مذعور بنظارات طبية تلائم وضعه الاجتماعي ابناً لعائلة يهودية متشددة تبرأت منه منذ أن بلغ الثامنة عشرة.
سايمون، بعد عرض الوثائقي في “نتفليكس”، بات نجماً عالمياً. ومع أن مواقع التواصل الاجتماعي أغلقت حساباته، إلا أنه سرّب عبر مصادر مقربة منه، أسوة بالسياسيين اللبنانيين، قراره خوض مجال التمثيل في هوليوود.

الغريب في الأمر، أن سايمون لا يبدو ممثلاً جيداً. الوثائقي يستمد مادته البصرية الأساسية من فيديوهات سايمون وضحاياه في السوشال ميديا أو في الواتسآب، كذلك عبر الرسائل الصوتية.

سايمون لم يعترف لمرة أنه يكذب. نرجسيته الفائضة تجعله مؤمناً دوماً بأنه قادر على اقناع الجميع، بمن فيهم هو شخصياً، أنه تاجر ماس ملياردير مطارد، وأن النساء جميعهن كاذبات. قبل ذلك، كان اسمه موردخاي، وهو عميل موساد. وفي مرة كان تاجر أسلحة. وقد بدأ مسيرته المهنية ابناً لصاحب شركة طيران إسرائيلية. كل هذه الشخصيات ارتداها سايمون، وكل هذه المغامرات عاشها سايمون، بين سن العشرين والثلاثين تقريباً.

حسناً، وكي نكون على صواب سياسي-أخلاقي، سنقول إنه وضيع وقذر وحقير، وإلخ.. لكن شخصية سايمون تخطت هذه التوصيفات، وتخطت الوثائقي، وحتى أنها تخطت سايمون نفسه، وباتت لها حياتها المستقلة في “تويتر”، حيث يقيم سايمون كنكتة ممتدة لا ينضب اللعب عليها وعلى أعداء سايمون ودماء بيتر وصوره في مراحله المتعددة. لكن شخصية سايمون، في شقها الجدّي، أكثر إغراء للتعرف عليها وفهمها من شقّها الهزلي. هذا الرجل الإقرب إلى بَصَلة، كلما أزلت طبقة منها ظهرت طبقة جديدة هي نفسها، هكذا، إلى نهاية البصلة التي لا جوهر لها، حقيقتها الوحيدة في قشورها.

الشاب ليس فريداً من نوعه، ولا نرجسيته جديدة، ولطالما كان موجوداً عبر الأزمنة وإن اختلفت أدوات النصب بحسب اختلاف العصر. سايمون استغل السوشال ميديا، كما غيره، من دون أن يبتكر شيئاً. فعل ما يفعله. وضّب إطار الصورة لتكون مثالية ومدهشة. جعل منها طُعماً لصيد فرائسه. ليس بعيداً منه، هناك مراهق آسيوي يأتي إلى أرض جرداء حاملاً قنينة كولا وسكاكر منتوس (حين يختلطان ينتجان رغوة هائلة). يصنع حفرة بيديه، يصب الكولا في الحفرة ويرمي حبات المنتوس، وفجأة تبدأ الحفرة بلفظ الأسماك، واحدة بعد الأخرى.. كالسحر.

ما لا نراه في الكادر هو صديقه في الجانب الثاني من الحفرة، يمرر السمك إليه. في المبدأ، الخدعة هي نفسها. سايمون، مثل ذاك المراهق، وضب كادراً جيداً للاحتيال. لكننا نعرف لماذا يقوم سايمون بخدعته. عشرة ملايين دولار. السؤال، ماذا يستفيد المراهق من خدعة السمك والكولا والمنتوس؟ أما آن الأوان لوثائقي أن يكشف هذا الغموض الكبير للمساكين الجالسين على الكنبة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى